بكين تمد يدها لواشنطن... وإدارة بايدن تتمسك بسياستها المتشددة

30 يناير 2021
أرسلت واشنطن حاملة طائرات إلى بحر الصين الجنوبي أخيراً (Getty)
+ الخط -

يلخص تعبير نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان بأن المصالح المشتركة بين بكين وواشنطن تفوق خلافاتهما، الطريق الذي تريد الصين أن تسير عليه في العلاقة مع أميركا، التي أكدت تعليقات رئيسها جو بايدن وقيادات سياسية وعسكرية أنها لن تغير موقفها المتشدد حيال الصين، والذي ورثته عن إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
واعتبر وانغ تشي شان، خلال لقاء مع وفد أميركي في بكين، أمس الجمعة، أن المصالح المشتركة بين الصين والولايات المتحدة تفوق خلافاتهما، وسط تصاعد التوتر بين البلدين. وذكرت وسائل إعلام حكومية أن وانغ أبلغ الوفد بأن التمسك بروح الاحترام المتبادل والتعاون الذي يعود بالنفع على الطرفين وإدارة الخلافات أمر أساسي لتعزيز العلاقات السليمة والمستقرة بين البلدين. وتغذي هذه اللغة التي تبدو إيجابية التصورات بشأن آمال قادة الصين في بداية جديدة في العلاقات والمزيد من النقاش مع أميركا بعد سنوات من العداء والانقسامات.

دعت وزارة الدفاع الصينية الجيش الأميركي للتركيز على التعاون
 

وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية الكولونيل وو تشيان، أمس الأول، أن العلاقات بين الجيشين الصيني والأميركي ستشهد "نقطة انطلاق تاريخية جديدة" في حال جرت تنحية الخلافات جانباً، والتركيز على التعاون وتجنب المواجهات في الوقت الراهن. وقال إن العلاقات العسكرية بين الجيشين واجهت "العديد من المخاطر والتحديات في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكن لدى الجانبين الآن فرصة لإعادة العلاقات". وأشار إلى أن الجانبين عقدا مؤتمراً عبر الفيديو، يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حول مصير أسرى الحرب الأميركيين والمفقودين في الصراعات الآسيوية السابقة، وتم "تبادل وجهات النظر بشكل معمق حول القضايا التي تثير قلق الجانب الأميركي والتعاون بين الجانبين، ما يعكس الأهمية التي توليها الصين للمخاوف الأميركية في المجال الإنساني". وأضاف وو تشيان، في مؤتمر صحافي، أن "العلاقات العسكرية بين الجيشين الأميركي والصيني تقف عند نقطة بداية تاريخية جديدة". وتابع "نأمل أن يتقبل الجانب الأميركي مخاوف الصين بالروح المهنية نفسها، ويتعامل بصورة ملائمة مع مخاوف الصين في مجال العلاقات العسكرية، وتعزيز الاتصالات، ومخاطر السيطرة، وتجنب الأزمات، ودفع العلاقات العسكرية الثنائية قدماً على المسار الصحيح"، مشدداً على أن "احتواء الصين مهمة مستحيلة".
في المقابل، شدد بايدن وكبار مسؤوليه الأمنيين خلال الأيام الماضية، على الدعم للحلفاء، اليابان وكوريا الجنوبية والفيليبين وتايوان، ما يؤشر إلى رفض واشنطن مطالب بكين في الأراضي المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. وقال وزير الخارجية أنتوني بلينكن لنظيره الفيليبيني تيودورو لوكسين، الأربعاء الماضي، إن اتفاقية الدفاع المشتركة التي ترغم الولايات المتحدة على الدفاع عن الفيليبين في حال حصول أي هجوم تطبق أيضاً على منطقة بحر الصين الجنوبي المتنازع عليها، وهو أمر لم تحدده بدقة إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قد قال، الأسبوع الماضي: "أعتقد أن الصين هي أهم تحدٍ لنا في المستقبل".

وذكرت شبكة "سي أن أن" أن 3 ملفات عسكرية، هي بحر الصين الجنوبي وتايوان ومضيقها واليابان والدول الحليفة في المنطقة، قد يكون لها الأثر الكبير في تشكيل استراتيجية بايدن حيال الصين. وأوضح محللون للشبكة أن إرسال حاملة طائرات إلى بحر الصين الجنوبي يمثل بداية لما يُتوقع أن يكون علاقة غير مستقرة بين إدارة بايدن وبكين. وقال المدير السابق للعمليات في مركز الاستخبارات المشتركة للقيادة الأميركية في المحيط الهادئ كارل شوستر إن "الصين غالباً ما تستخدم سلسلة من التجارب لتحديد نوايا المنافس، أو رغبته في الرد على تصرفاتها". وأشار إلى أن بكين تحاول معرفة "الخطوط الحمر" لدى إدارة بايدن.
وبشأن بحر الصين الجنوبي، أوضحت "سي أن أن" أن واشنطن لا تعترف بالجزر الصغيرة التي بنتها بكين لتوسيع المنطقة البحرية الخالصة لها، والتي نشرت عليها أنظمة صاروخية ومدرجات للطيران، ما زاد من التوتر مع الفيليبين وفيتنام وماليزيا وإندونيسيا وبروناي وتايوان. وأوضحت أن التزام الولايات المتحدة بحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي يتجاوز المرور قرب الجزر، كما ظهر من خلال نشر حاملة طائرات، مع مجموعتها البحرية، في المنطقة. كما أن البحرية الأميركية تقوم بتدريبات مشتركة دورية مع الحلفاء في المنطقة. في هذا الوقت، تواصل بكين تعزيز مطالبها الإقليمية الخاصة، حيث ترسل طائرات مقاتلة إلى المهابط التي بنتها على الجزر النائية، فضلاً عن زيادة وتيرة تدريباتها البحرية.

شوستر: الصين تستخدم سلسلة من التجارب لتحديد نوايا المنافس

وأثارت زيادة نشاط الجانبين في المنطقة قلق المحللين، الذين يشيرون إلى أنه كلما ارتفع حجم حركة المرور، زادت إمكانية المواجهة غير المقصودة. وخلال ترشحه للرئاسة، العام الماضي، أشار بايدن إلى أنه قال للرئيس الصيني شي جين بينغ كيف سيتعامل الجيش الأميركي مع مناطق تحديد هوية الدفاع الجوي المعلنة من جانب واحد في المنطقة، موضحاً "قلت إننا سنطير عبرهم... لن نعيرهم انتباهنا".
وبشأن تايوان ومضيقها، أوضحت "سي أن أن" أن المنطقة عادت إلى الواجهة، الأسبوع الماضي، عندما أرسلت الصين طائرات حربية حلقت فوق منطقة تحديد الدفاع الجوي للجزيرة. وفي حين أن تواتر هذه التدريبات تزايد في السنوات الأخيرة، فقد ظهر أن توقيت إرسال الطائرات، ونوعيتها، من مقاتلة وقاذفات، يهدف لتوجيه رسالة إلى الإدارة الجديدة في واشنطن. وقد يكون الرد الأميركي دعماً لتايوان عبر إرسال البحرية الحربية عبر مضيق تايوان. وأظهرت التصريحات الأخيرة لقيادات في الإدارة الأميركية الجديدة أنه لن يكون هناك تغيير عن السياسة التي اتبعها ترامب، والتي تضمنت بيع معدات عسكرية متطورة لتايوان. ويظهر هذا الأمر من تصريح بلينكن أخيراً، حيث قال "كان هناك التزام قوي وطويل من الحزبين تجاه تايوان، وجانب من هذا الالتزام هو التأكد من أن تايوان لديها القدرة على الدفاع عن نفسها ضد العدوان. وهذا التزام سيستمر تماماً في إدارة بايدن". وأرسلت الولايات المتحدة حاملة الطائرات "يو أس أس تيودور روزفلت"، في 24 يناير/ كانون الثاني الحالي، في اليوم الرابع لبدء عمل إدارة بايدن، في مهمة ضمن إطار "حرية الملاحة" في بحر الصين الجنوبي، مع الإبحار في المياه التي تطالب بها الصين أو بالقرب منها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس، في بيان: "سنقف إلى جانب الأصدقاء والحلفاء لتشجيع قيم الازدهار والأمن المشتركة في منطقة المحيط الهندي - الهادئ، وهذا يشمل تعميق علاقاتنا مع تايوان الديمقراطية". وأضاف "التزامنا في سبيل تايوان قوي جداً".
وكان المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي قد كرر، أمس الجمعة، دعم بلاده لحق تايوان في الدفاع عن نفسها، لكنه أشار، في المقابل، إلى أنه ما من سبب يدعو لأن يقود التوتر بينها وبين الصين إلى "شيء مثل المواجهة". وجاء تصريح برايس رداً على إعلان مسؤولين دفاعيين صينيين أن استقلال تايوان "يعني الحرب".
إلا أن العلاقة الأهم لأميركا هي مع اليابان، التي توجد فيها قواعد عسكرية أميركية ضخمة. وأكد بايدن لرئيس الوزراء الياباني يوشيهدي سوغا، أمس الأول، أن إدارته ملتزمة بالدفاع عن اليابان، بما في ذلك جزر "سينكاكو" المتنازع عليها بين طوكيو وبكين، التي تطلق عليها اسم "دياويو". وعبر عن هذا الموقف أيضاً وزير الدفاع لويد أوستن، الذي أبلغ نظيره الياباني نوبو كيشي، الأسبوع الماضي، بأن الجزر المتنازع عليها تشملها الاتفاقية الأمنية الموقعة بين اليابان والولايات المتحدة. وأكد أوستن أن الولايات المتحدة "تبقى معارضة لأي محاولات أحادية لتغيير الوضع القائم في بحر الصين الشرقي".
وعبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أمس الأول، عن أمله في "إعادة ضبط" العلاقات الأميركية الصينية، مقراً بأن لدى الدولتين "وجهتي نظر مختلفتين" بشأن حقوق الإنسان، لكن عليهما العمل معاً بشأن تغير المناخ.
(العربي الجديد، فرانس برس، رويترز)