"26 أكتوبر": الحكومة السعودية أمام المرأة مجدّداً

"26 أكتوبر": الحكومة السعودية أمام المرأة مجدّداً

28 أكتوبر 2014
تقود نساء الأرياف السيارة (فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

على وقع أقدام جنود التحالف أواخر عام 1990، والحشد العسكري الضخم الذي أعقب قرار الحكومة السعودية الشهير، الاستعانة بالقوات الأجنبية ضد العراق في حرب الخليج الثانية (غزو الكويت)، كان هناك حدث موازٍ في الداخل السعودي، لا يقلّ حجماً عن أحداث الحرب.

فقد ضجّت المنابر، وتسابق الشيوخ على الإدانة والشجب والاستنكار، وتوزّعت المنشورات في المساجد والمدارس، وفي كثير من الأماكن العامة، تُشهر باسم 47 امرأة، كنّ قد خرجن في شوارع الرياض، ليقدن 17 سيارة، في تحدٍ هو الأول من نوعه في السعودية، لحظر قيادة المرأة السيارة، خصوصاً في المدن، الكبرى تحديداً، ففي مناطق الأطراف، تقود النساء البدويات سياراتهن منذ زمنٍ بعيد.

لم يعد الحال في السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، كما كان قبلها، حسبما أكدت الكاتبة السعودية بدرية البشر، إحدى أشهر الكاتبات السعوديات، ومن اللواتي تركّز كتاباتهن على قضايا المرأة، أثناء استضافتها في "صالون الإثنينية الثقافي" في جدة، فبراير/شباط الماضي.

واعتبرت البشر في حينه أن "أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 أسقطت الحصانة عن التيار المتشدّد، ومنحت الفرصة للتيار المتنوّر للتعبير عن آرائه، وطرح ما يمكن أن يسهم في الارتقاء بالوعي والفكر في السعودية. فقد أصبحنا في مواجهة مع العالم، وبدت المرأة أكثر فعالية في المجتمع من ذي قبل، وظهرت أسماء نسائية مُبدعة في مختلف المجالات، ومنها المجال الصحافي، الذي أتاح الفرصة للمرأة القيام بواجبها ومواجهة المسؤول ومحاورته والتأثير في الرأي، فيما يخص قضاياها الخاصة".

وحدث هذا الأمر بالفعل نتيجة الضجة الغربية والأميركية خصوصاً في شأن عدد من المواضيع، منها مسألة المرأة في السعودية، والتي أحدثت بدورها تغييرات كبيرة على مستوى الخطاب الرسمي ـ الإعلامي.

من الممكن إعادة التذكير بردة الفعل الرسمية على الحملة الأولى لقيادة المرأة، والتي عبّر عنها بيان وزارة الداخلية، في نوفمبر/تشرين الثاني 1990، ونُشر في الصحف الرسمية، وجاء فيه "تودّ وزارة الداخلية أن تعلن لعموم المواطنين والمقيمين، أنه بناء على الفتوى الصادرة في تاريخ 20/04/1411هـ، بعدم جواز قيادة النساء للسيارات، ووجوب معاقبة من تقوم منهن بذلك العقوبة المناسبة، فإن وزارة الداخلية توضح للعموم تأكيد منع جميع النساء من قيادة السيارات في المملكة العربية السعودية منعاً باتاً، ومن يخالف هذا المنع سوف يطبق في حقه العقاب الرادع".

ومن الملاحظ أن الركيزة الأساسية في هذا البيان، قامت على أن الحظر جاء بناء على الفتوى، التي لن تتكرر مستقبلاً. إذ أن ما في مرحلة بعد سبتمبر 2001، دأب الإعلام الرسمي على بثّ رواية جديدة، تتلخّص في أن حسم قضية قيادة المرأة للسيارة عائدٌ إلى المجتمع.

على أن أحد أشهر الأمثلة على ذلك، تمثّل في تصريح ولي العهد السعودي السابق الأمير، سلطان بن عبدالعزيز، في ديسمبر/كانون الأول 2005، الذي قال فيه إن "مسألة قيادة المرأة السيارة تخصّ الآباء والأزواج والإخوانن ولا علاقة للحكومة بها، ومتى ما طلب هؤلاء أن تقود المرأة السيارة سننظر في ذلك، وإذا طالبوا بالعكس فلن نجبرهم".

وفي لقاء العاهل السعودي، عبدالله بن عبدالعزيز، في فبراير/شباط 2007، مع وكالة "إيتار تاس" الروسية للأنباء، أجاب عن سؤال ميخائيل غوسمان، عن قيادة المرأة السيارة، "هذا الموضوع يعتبر قراراً اجتماعيّاً، ودور الدولة هو ضمان توفير المناخ الملائم لأي قرار يراه المجتمع مناسباً".

على أثر ما حصل من ثورات في المنطقة العربية، ترافقت مع التحركات الداخلية، والبيانات الإصلاحية التي صدرت وانتشرت على المواقع الإلكترونية، تعالت أيضاً الأصوات المُطالبة بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، وانطلقت حملة "سأقود سيارتي بنفسي"، حدّدت فيه 17 يونيو/حزيران 2011، يوماً تقود فيه النساء سياراتهن الخاصة لقضاء شؤونهن وحوائجهن.

وشاركت الناشطة السعودية، منال الشريف، في إطلاق الحملة بعد نشرها على موقع "يوتيوب" مقطعاً يصوّر قيادتها السيارة في مدينة الخُبر، شرق السعودية، ليتم إيقافها فيما بعد في أحد مراكز الشرطة وتحويلها إلى السجن، قبل أن يُفرج عنها بعد أن تم احتجازها حوالي 10 أيام.

وتعرّضت الشخصيات الرئيسية المشاركة في الحملة إلى ضغوطات كبيرة، إضافة إلى رفع قضايا عليهن في المحاكم، فالناشطة الشريف، كانت قد قدمت استقالتها من عملها في شركة النفط السعودية "أرامكو"، جرّاء ضغوط كبيرة تعرّضت لها، وفق ما قالت للصحافي، غاي آدامز، في صحيفة "الاندبندنت" البريطانية، بعد مشاركتها في "منتدى أوسلو للحرية" قبل عامين، وكشفت "دعاني رئيسي في العمل وقال لي: ستفقدين وظيفتك إذا تحدثت في مؤتمر آخر".

وتُعتبر حملة "26 أكتوبر" الأكثر شهرة بعد الربيع العربي، كونها انطلقت في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2013، وشارك في إطلاقها حينذاك عدد من الناشطات المعروفات، كان منهن الناشطة السعودية، لجين الهذلول، والتي ظهرت في مقطع مصور على "يوتيوب" تدعو فيه إلى المشاركة في الحملة، وتحث النساء على ذلك.

وكانت الهذلول قد شاركت بالفعل بعد ذلك، إذ قادت سيارة والدها بعد عودتها من الابتعاث (إرسال الطلاب السعوديين إلى جامعات غربية للتخصص في اختصاصات تحتاجها البلاد) للمملكة، من المطار إلى المنزل، لتتعرّض هي الأخرى أيضاً للإيقاف في أحد مراكز الشرطة. وتمّ الاكتفاء وقتها باستدعاء والدها، وتوقيع تعهّد بالتزام قوانين البلاد، كما جاء في الخبر المنشور على موقع "العربية. نت". كما تعرّضت الهذلول إلى ضغوط عائلية أيضاً بعد قيادتها السيارة.

ولم تغب وزارة الداخلية السعودية عن "26 أكتوبر"، وأصدرت بياناً في ذروة الحملة، نُشر في وسائل الاعلام الرسمية، وجاء فيه "عطفاً على ما يُثار في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض من وسائل الإعلام من دعوات إلى تجمّعات ومسيرات محظورة بدعوى قيادة المرأة للسيارة، فإن وزارة الداخلية تؤكد للجميع أن الجهات المختصة سوف تباشر تطبيق الأنظمة في حق المخالفين كافة بكل حزم وقوة، وتقدّر في الوقت ذاته ما عبّر عنه كثير من المواطنين من أهمية المحافظة على الأمن والاستقرار والبعد عن كل ما يدعو إلى فرقة وتصنيف المجتمع".

وأثار جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي حينها، وفي تفسيره، وذهب كثيرون إلى تفسيره بأنه ليس منعاً للقيادة، وإنما منع للتجمّعات والمسيرات، مثل التظاهرات والاحتجاجات. الأمر الذي دفع بالمتحدث الرسمي لوزارة الداخلية اللواء، منصور التركي، إلى التصريح حينها لأحد المواقع الالكترونية الإخبارية المحلية، "البيان واضح في الإشارة إلى منع قيادة المرأة للسيارة".

وتكرّر الأمر مجدداً مع الدعوات الأخيرة التي تدعو إلى إحياء الحملة هذا العام. فأصدرت وزارة الداخلية بياناً نُشر في وكالة الأنباء الرسمية "واس"، مساء الخميس 23 أكتوبر، وجاء فيه "إلحاقاً بما سبق الإعلان عنه بتاريخ 18/ 12/ 1434هـ، بشأن ما يثار في شبكات التواصل الاجتماعي وبعض من وسائل الإعلام من دعوات لتجمّعات ومسيرات محظورة بدعوى قيادة المرأة للسيارة، فإن وزارة الداخلية تؤكد تطبيق الأنظمة بحزم في حق كل من يساهم وبأي أسلوب، في أي أعمال أو أفعال تؤدي الى توفير الفرصة للمتربّصين، للنيل من اللُحمة الاجتماعية ببث الفرقة وتصنيف المجتمع".

ليعود فيما يبدو الجدل ذاته مجدداً في تفسير البيان، وكما ظهر من خلال ردّ الحملة على حسابها في موقع "تويتر"، وفي تغريدة منشورة لها تقول إنها "لم تناد منذ بدايتها بأي تجمّعات وغير ذلك من افتراءات وبيانات مزيفة لم تأتِ من حسابات قيادة 26 أكتوبر".

ولم تدخل الحكومة السعودية في مواجهة مباشرة مع المرأة السعودية وحسب، وإنما أيضاً فيما يظهر أنه لم يعد بمقدورها الاستمرار في ذات الرواية والخطاب الإعلامي، الذي كانت تروّجه في موضوع قيادة المرأة، في مرحلة ما قبل عام 2011 في كونها مسألة "عائدة إلى المجتمع"، مواجهة كان من شأنها الدفع بالعديد من النساء إلى مساءلة هذا الخطاب والتشكيك فيه.

وتقول الناشطة السعودية، إيمان النفجان، وهي من الشخصيات النسوية المعروفة والمشاركة في حملة "26 أكتوبر"، في تدوينة منشورة لها على موقع منظمة "العفو الدولية": "لا تقتصر أهداف الحملة على مطالبة الحكومة بالتخلي عن موقفها الغامض إزاء منع القيادة فحسب، ولكن لتظهر أن المسؤولين لا يستطيعون استخدام المجتمع كعذر بعد الآن".