لبنان: دياب يسحب ملف التعيينات بالقطاع المصرفي بعد خلافات

لبنان: دياب يسحب ملف التعيينات بالقطاع المصرفي بعد خلافات حزبية هددت الحكومة

02 ابريل 2020
صراع بين "المردة" و"الوطني الحر" (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -
بعدما أدى ملف التعيينات المالية إلى خلافات داخل أركان الحكم في لبنان، وكاد يهدد الحكومة اللبنانية، إثر صراع على المناصب، سحب رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، بند التعيينات من جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في قصر بعبدا برئاسة الرئيس ميشال عون اليوم، والتي تغيّب عنها الوزيران ميشال نجّار ولميا يمّين دويهي، المحسوبان على رئيس تيار المردة سليمان فرنجية (من فريق 8 آذار وحليف حزب الله) الذي هدّد بالاستقالة من الحكومة إذا لم يحصل على حصّته من التعيينات.

وبعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء، أعلنت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، نقلاً عن رئيس الحكومة، سحب ملف التعيينات المالية من الجلسة، باعتبار أن التعيينات "يجب أن تكون وفقاً للكفاءة، لا المحاصصة السياسية"، على حدّ تأكيد دياب.

ورأى رئيس الحكومة أنّ "هناك ضرورة لوضع آلية شفافة في التعيينات يكون لها طابع قانوني، ربما إعداد مشروع قانون لتعديل القانون المعمول به حالياً، أو عبر قرار من مجلس الوزراء على غرار الآلية التي اعتمدها في التعيينات الإدارية، ومن دون تدخل سياسي". 

وسأل دياب: "كيف يمكن أن نعيّن في مواقع برواتب مرتفعة، وخيالية أحياناً، بينما البلد يمرّ بأزمة مالية كبيرة، وأزمة اجتماعية خطيرة، وأزمة صحّية مخيفة؟"، معتبراً أنّ "هناك مسؤولية وطنية تحتّم علينا أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار".

ووفقاً لذلك، طلب مجلس الوزراء تخفيض رواتب نواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية. 

وفضح ملف التعيينات (يشمل انتخاب أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان، ورئيس هيئة الرقابة على المصارف وأعضائها، وهيئة الأسواق المالية وغيرها) الحكومة اللبنانية التي تحاول في كلّ استحقاق تقديم نفسها كحكومة "تكنوقراطية مستقلّة"، قبل أن تكشف التطورات وصاية القوى السياسية عليها، ليأتي تأجيل التعيينات اليوم بهدف إنضاج تسوية حولها، بعدما أحدث الملف انقساماً كبيراً بين القوى السياسية، ولا سيما بين الحلفاء في فريق 8 آذار، بعد رفع فرنجية منسوب التهديد، ما فرض من جديد تدخل حزب الله على خطّ التهدئة والمفاوضات لإنقاذ الحكومة.

وتعدّ المواجهة الأقوى بين المرشحين الطامحين إلى رئاسة الجمهورية سليمان فرنجية وجبران باسيل، رئيس التيار الوطني الحرّ وصهر رئيس الجمهورية، إذ طالب الأول بمرشحين اثنين من حصة المسيحيين (6 أعضاء)، وإلا فسيخرج من الحكومة، في وقت يعتبر فيه فريق فرنجية، بحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، أنّ باسيل يسعى إلى الاستئثار بكلّ مواقع الدولة.

وبالتزامن مع انعقاد الجلسة، غرّد مسؤول الإعلام في تيار المردة سليمان فرنجية بأنّ المبدأ هو أن "المردة" لا يطلب حصة في التعيينات، إنما جلّ ما يطلبه هو اعتماد آلية شفافة علمية، أما وقد اعتمدت المحاصصة عبر سعي باسيل لاحتكار أغلبية المقاعد المسيحية، فعندئذ طالب المردة بوضوح بما يتلاءم مع التمثيل المسيحي في الحكومة المحصور به وبـ"الوطني الحر".

كذلك، يستكمل باسيل معركته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، منافسه الثاني على موقع رئاسة الجمهورية، التي بدأت مع التحرّك الذي دعا إليه التيار الوطني الحرّ في فبراير/ شباط الماضي أمام مصرف لبنان، واستكمله في مجلس الوزراء للخروج بقرار إجراء وزير المالية تدقيقاً في حسابات البنك المركزي لمعرفة الأسباب التي أوصلت الوضع المالي والنقدي كما الاقتصادي إلى ما هو عليه اليوم.

بدوره، رفع رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري، الذي انضم إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين، سقف المواجهة، مهدداً باستقالة نواب "المستقبل" من البرلمان في حال استئثار فريق رئيس الجمهورية بالمقعدين السُّنيَّيْن، أي النائب الثالث لحاكم مصرف لبنان ورئيس لجنة الرقابة على المصارف، واضعاً الخطوة أيضاً في إطار عزل الطائفة السُّنيّة. فيما يعدّ التوافق سيّد الموقف على خطّ الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل برئاسة نبيه بري). بينما يترقب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط التطوّرات، وهو الموعود بوصول مرشح له إلى مركز من أصل مركزين يتقاسمهما مع غريمه التقليدي رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، المحسوب على فريق 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه). 

وبحسب معلومات "العربي الجديد"، فإنّ جنبلاط سيحصل على مرشح وسطي أقرب إلى خطّه مثلما حصل في حكومة دياب مع تعيين وزيرة الإعلام منال عبد الصمد المقربة من البيت "الاشتراكي".

نائب سابق لحاكم مصرف لبنان رفض الكشف عن اسمه، "لدقة الملف" بحسب تعبيره، قال لـ"العربي الجديد" إنّ كلّ حزب من أحزاب السلطة يستغلّ هذا الاستحقاق لتحقيق غايات خاصة، من ضمنهم حزب الله الذي يجده فرصة لمحاربة رياض سلامة ومحاولة تطويقه رقابياً، انتقاماً من العقوبات الأميركية التي فرضت عليه بضوء أخضر من حاكم مصرف لبنان ومساعد نائبه الحالي محمد بعاصيري. 

فيما يصرّ الحريري على التجديد لبعاصيري، كما تضغط واشنطن (التي تلعب دوراً مؤثراً على المصارف اللبنانية) في هذا الاتجاه عبر سفيرتها الجديدة في بيروت دوروثي شيه، التي نقلت إلى دياب رسالة واضحة بإصرار وزارة الخزانة الأميركية على رابطها الأقوى مع البنك المركزي بعاصيري، الملقب بـ"الوديعة الأميركية في مصرف لبنان"، وهو الذي عمل على ملف "جمال ترست بنك" (شملته العقوبات الأميركية وأدت إلى تصفيته)، تماماً كـ"رَجلها" الأول في القطاع المصرفي رياض سلامة.

من جهته، قال رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود، الذي ينتظر تسليم منصبه لخلفه الجديد، لـ"العربي الجديد": "نحن خدمنا مهمتنا خلال خمس سنوات بكل أمانة وصدق"، مشيراً إلى أنّ "المحاصصة السياسية لا تزال سارية لناحية التعيينات، وهذا للأسف واقع البلد".

وفي مستهلّ جلسة مجلس الوزراء، شدد عون على ضرورة الإسراع في إنجاز الخطة الاقتصادية المالية، على الرغم من الوضع الصحي المستجد، مؤكداً أن عودة اللبنانيين من الخارج تتطلب تنظيماً دقيقاً، لأن التزايد المطرد للأعداد يفرض إجراءات استثنائية تؤمّن سلامة العائدين كما سلامة محيطهم.