جولة ظريف الإقليمية: ترجمة الاتفاق النووي دبلوماسياً

جولة ظريف الإقليمية: ترجمة الاتفاق النووي دبلوماسياً

13 اغسطس 2015
وجّه ظريف دعوة لعقد حوار إيراني ــ خليجي(فرانس برس)
+ الخط -
انطلق وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في جولة إقليمية جديدة، وهي الثانية له منذ توصّل بلاده إلى الاتفاق النووي مع الغرب، في يوليو/تموز الماضي. بدأ ظريف محطته الأولى من لبنان التي وصلها، يوم الثلاثاء الماضي، وتوجّه، يوم أمس الأربعاء، إلى سورية، حيث التقى الرئيس السوري، بشار الأسد، فور وصوله، ليغادر بعدها إلى الهند وباكستان لينهي جولته في روسيا.

هذه الجولة التي أتت بعد زيارته إلى كل من الكويت، قطر والعراق، تحمل في طيّاتها معانيَّ ورسائل عديدة، كما يرى مراقبو الساحة الإيرانية. فطهران التي تفرّغت لعلاقاتها مع دول المنطقة إبان التوصل إلى الاتفاق النووي مع الدول الكبرى، يبدو أنها بدأت تقوم بدور واضح في عدد من الملفات الإقليمية العالقة، أو على الأقل، تحاول أن تبدأ بتحقيق هذا الهدف عملياً، بحسب المراقبين.

ويرى المراقبون، أنّه من الطبيعي، أن يكون لتطوير العلاقات بين إيران وهذه البلدان الحصة الأكبر من عناوين هذه الجولة. فعلى طهران أن تبدأ بترميم علاقاتها التي تدهورت مع عدد من بلدان المنطقة، خلال السنوات الماضية، إما بفتح حوار مباشر معها، أو بالبحث عن وسيط يقوم بالمهمة. لكن العمل الأهم، أن تستفيد طهران قدر المستطاع من إمكاناتها الدبلوماسية ومن علاقاتها مع الدول الغربية التي تتجه نحو تحسن واضح، وهذا سيساعدها على القيام بدور فاعل في بعض المسائل الإقليمية دون غيرها، وفقاً للمراقبين.

يقول الدبلوماسي السابق في وزارة الخارجية الإيرانية، هادي أفقهي، إنّ "ظريف بحث مع المسؤولين في لبنان موضوع ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في هذا البلد في أسرع وقت ممكن، وهو ما سيسهّل مهمة النقاش حول قضايا أخرى، أوّلها الحرب على الإرهاب". ويرى أفقهي أنّ ظريف حمل، في الوقت عينه، رسائل عديدة يريد إيصالها إلى أطراف إقليمية بعينها، ويدور فحواها، أنّه على الرغم من توصل إيران إلى اتفاق نووي وعلى الرغم من التقارب مع الغرب، إلّا أنّ هذا لا يعني أنّها ستغيّر من مواقفها الرئيسية إزاء بعض القضايا الاستراتيجية التي تعني سياستها الخارجية.

ويضيف أفقهي في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ ظريف كان حريصاً على أن يلتقي الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في بيروت ليقول للعالم، إن طهران لن تستغني عن حلفائها، ما يعني أنه لن يكون هناك أي تغير جذري في المواقف الاستراتيجية الإيرانية حول عدد من القضايا الإقليمية. ويتوقّع أفقهي أن تبحث طهران، خلال هذه الجولات، عن وسيط لعقد حوار مباشر مع الأسد وأفراد من حكومته. مشيراً إلى أن سلطنة عُمان قد تقوم بهذا الدور، ما سيفتح باب المحادثات مع السوريين في محاولة لتقريب وجهات النظر الإقليمية حول ما يجري هناك.

لكن إيران تختلف بشكل حاد مع السعودية، وعلى الرغم من كل التقارب الذي تتحدث عنه طهران والدعوات إلى الحوار، إلّا أن هذا لا يعني أن الأزمة بين البلدين ستحلّ قريباً في سبيل إيجاد مخرج لما يجري في سورية. وكان ظريف قد أكد في مؤتمر صحافي عقده في لبنان، أمس الأربعاء، أنّه وجّه دعوة خلال وجوده في الدوحة سابقاً، لعقد حوار إيراني ــ خليجي، لكن يبدو أن الرد الإيجابي، على هذا الموضوع، لن يكون جاهزاً في وقت قريب.

اقرأ أيضاً ظريف: لا نتدخل بشؤون لبنان الداخلية ونتمنى استمرار الحوار

في هذا السياق، يعتبر أفقهي أنّ ظريف وجّه رسائل علنية ورسمية إلى الرياض، فضلاً عن رسائل غير معلن عنها، دعا فيها السعودية رسمياً إلى عقد طاولة حوار مع إيران. مشيراً إلى أنّ "الخلاف بين البلدين لا يزال قائماً ويتعلق أساساً بما يجري في سورية، ويبدو أن رحيل الأسد أو بقاءه هو عنوان الخلاف".

وبعدما أعلنت الخارجية الإيرانية عن تعديل مبادرتها ذات البنود الأربعة إزاء سورية، وهي المبادرة التي يبحثها ظريف خلال جولته هذه أيضاً، وفقاً للخارجية الإيرانية، إلّا أنّ بعض النقاط لا تزال تصعّب على طهران القيام بمهمتها هذه، وتتعلق أساساً بالخلاف مع الرياض.

وفي ردٍّ لعضو لجنة الأمن القومي، إسماعيل كوثري، على سؤال "العربي الجديد" عما إذا كانت طهران قد طرحت أساساً أو ما إذا كانت ستطرح سيناريو الاستغناء عن الأسد مستقبلاً كجزء من هذه المبادرة، يقول إن "هذا أمر غير مطروح وغير قابل للنقاش بالنسبة لبلاده"، معلناً أن البنود الأربعة للمبادرة الجديدة تنص على وقف إطلاق النار من كل الأطراف، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والاستفتاء على دستور سوري جديد، وإجراء انتخابات مبكرة في سورية من دون أن يحدد ماهيتها، وما إذا كانت انتخابات تشريعية أم رئاسية. ويضيف كوثري أن طهران أجرت التنسيقات اللازمة حول هذه المبادرة مع الحكومة السورية أولاً، ووضعتها في أجواء التطورات، قائلاً إن "طهران تناقش هذه المبادرة، حالياً، مع الأطراف الفاعلة إقليمياً".

ويعتبر محللون سياسيون إيرانيون، أنّ طهران تحاول الاستفادة من فرصة التقارب مع بعض الأطراف، لتقوم بدور أكثر تأثيراً، فيما يتعلق بالملفات الحساسة. ويشير رئيس تحرير وكالة أنباء "مهر" الإيرانية، حسن هاني زاده، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ طهران سبق وناقشت مع أميركا وفرنسا وأطراف دولية أخرى موضوع الحرب على الإرهاب وملف سورية، قائلاً إن "هذه الأطراف المؤثرة باتت معنية أن تصبح إيران جزءاً من الحرب على الإرهاب وعلى تنظيم داعش في المنطقة، وهذا الأمر قد يجعل المبادرة الإيرانية تحظى بفرصة فتح حوار حولها، وفرصة التقارب مع الغرب قد تساعد على تحقيق هذا الأمر".

ويوضح محللون إيرانيون، أنّ طهران تلعب، في الوقت الحالي، على وتر هذه المبادرة، بعيداً عن سيناريو الحوار وتقريب وجهات النظر مع السعودية، وهو الأمر الذي يبدو أنه صعب في الوقت الحالي، على الرغم من توجيه طهران رسائل علنية، وأخرى غير علنية للرياض في محاولة للتقارب معها، وهو ما سيجعلها قادرة على تحقيق مكانة أكبر في المنطقة.

ويرى محللون أنّ هذا الخلاف، جعل طهران ترمي الكرة في ملعب الرياض، من دون أن تستغني عن سياساتها الرئيسية، ما يعني أن إيران تسعى إلى الاستفادة من كل الأوراق التي تمتلكها، في الوقت الراهن، لتسترجع مكانتها ودورها الإقليميين، وهو ما يعني، أيضاً، أن صراع الأقطاب الإقليمية سيستمر في المستقبل القريب، ولا سيما في ظلّ وجود الخلاف السعودي ــ الإيراني.

اقرأ أيضاً المبادرة الإيرانية: تقسيم سورية بحجة محاربة "داعش"