واقعة العقرب: ماذا حدث في أشهر سجون مصر؟

واقعة العقرب: ماذا حدث في أشهر سجون مصر؟

25 سبتمبر 2020
مجمع سجون طرة شديدة الحراسة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

وسط تشكيك حقوقي وسياسي في الرواية الأمنية، وتمسك حكومي بتقديمها كمحاولة للهروب، جاء حادث مقتل أربعة من السجناء وأربعة من عناصر وزارة الداخلية في سجن العقرب، شديد الحراسة في مجمع سجون طرة في القاهرة، ليؤكد عدم استقرار الأوضاع في السجون المصرية عامة خلال الفترة الأخيرة، إذ ارتفع بشكل ملحوظ عدد المتوفين، وتعددت حالات المواجهة بين السجناء والضباط وأفراد حرس السجون. ووفقاً للرواية الرسمية، فإن أربعة من المحكوم عليهم بالإعدام والمودعين بحجز الإعدام بسجن طرة حاولوا الهروب، صباح أمس الأول الأربعاء، وأن قوة التأمين تصدت لهم، ما أسفر عن مقتل ضابطين وعنصر شرطة، ومصرع المحكوم عليهم الأربعة، الذين قتلوا أحد الحراس في البداية. وثلاثة من المحكومين كانوا مدانين في قضية عرفت إعلامياً بـ"تنظيم أنصار الشريعة"، وهم السيد السيد عطا محمد، وعمار الشحات محمد السيد، ومديح رمضان حسن علاء الدين. أما الرابع فهو حسن زكريا معتمد مرسي، المدان بقتل طبيب مسيحي بمنطقة الساحل وانتمائه لتنظيم "داعش".

وقالت ثلاث من المنظمات الحقوقية، هي مؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، ومركز الشهاب لحقوق الإنسان، ومنظمة السلام الدولية لحماية حقوق الإنسان، في بيان مشترك، إنها تابعت "بتحفظ شديد" بيان الداخلية، موضحة أن هذه الواقعة - بصورتها المعروضة - تمثل نوعاً جديداً لم يسبق أن حصل داخل السجون بشكل عام، وداخل طرة بشكل خاص، لما هو معروف عنه من استحالة القيام بحوادث الهروب منه نتيجة الاحترازات الأمنية الكبيرة فيه، التي تمنع وقوع مثل تلك الأحداث، ولذلك فهي ترى أن "سياق التصريح الأمني الصادر عن الجهات الأمنية بهذه الطريقة المُبسطة، يُلقي بظلال من الشك والريبة على حقيقة الواقعة وملابساتها".

وحاولت "العربي الجديد" أولاً معرفة الملابسات الحقيقية للواقعة من ثلاثة مصادر أمنية مختلفة، في الأمن العام ومصلحة السجون. وأجمعت المصادر على أن المحكومين الأربعة الموجودين في عنبر الإعدام كان ثلاثة منهم (المدانون في قضية "أنصار الشريعة")، ينتظرون تنفيذ الحكم قبل نهاية العام الحالي، بعدما أيدت محكمة النقض الحكم الصادر ضدهم. أما الرابع فكان مضموناً تأييد الحكم عليه أيضاً، لأن الواقعة المدان فيها واضحة ولا تقبل الشك، كما أنه اعترف بها، وبالتالي فإنهم - شأن باقي مرتدي البدلة الحمراء التي تمثل زي المحكومين بالإعدام بمصر - كانوا يحظون بمساحة أكبر من الوقت للقاء والحديث، مقارنة بزملائهم المحبوسين احتياطياً أو السجناء العاديين في السجن نفسه، فضلاً عن التساهل في إدخال أدوات معدنية لهم تكون ممنوعة على بعض العنابر الأخرى، كأدوات المائدة المعدنية.

ثلاثة محكومين كانوا مدانين في قضية تنظيم أنصار الشريعة

وعلى ذلك، أوضحت التحريات وشهادات حاضري الواقعة من عناصر الحراسة أن السجناء الأربعة كانوا يحوزون ملاعق وشوكا معدنية، حولوا الجزء السفلي منها إلى نِصال حادة، استخدموها في تهديد عنصر الحراسة الذي كان يشرف على عودتهم لعنابرهم بعد فترة التريض الصباحية، واقتادوه بعيداً وحصلوا على سلاحه وطعنوه وقتلوه. ويبدو أن الهدف من ذلك كان اجتذاب عدد أكبر من الضباط والحرس، وهو ما تحقق بالفعل، إذ قدم عدد من الضباط وأفراد الأمن فتمكنوا من طعن وإطلاق النار على ثلاثة منهم، فأردوا اثنين صريعين في الحال، بينما أصيب الثالث إصابة خطيرة طعناً، توفي على أثرها بعد ساعات. لكن انتباه عناصر الأمن وتكاثرهم مكنهم من إطلاق النار من مسافات متفاوتة على المحكومين الأربعة وقتلهم.

وحدثت كل وقائع الحادث في المسافة بين فناء السجن ومدخل أحد العنابر، وهو ما يؤكد، بحسب جميع المصادر، استحالة نجاة المحكومين أو استطاعة أي منهم الاستفادة من المكان للهروب، لا سيما أن سجن العقرب تحديداً مشدد الحراسة بمراحل متعددة من الداخل والخارج، وأن الواقعة حدثت بعيداً تماماً عن أي مخرج محتمل للهروب أو مكان مؤهل للاختباء.

وتطرح هذه الرواية احتمالاً قوياً أن يكون الحادث متعمداً للانتقام من النظام، والذي يتمثل لديهم في عناصر الشرطة داخل السجون، وليس للهرب، خصوصاً أن المحكومين لم يكن لهم أمل في الحفاظ على حياتهم طالما استمر النظام، الذي لا يستجيب لمناشدات خفض وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام في قضايا الإرهاب السياسي، ولجوئه في العامين الأخيرين إلى تنفيذ الأحكام بعدد كبير من الأشخاص وبموجات متتابعة، رغم الانتقادات الحقوقية الدولية والمحلية لقواعد وظروف المحاكمات في مصر واستهداف المعارضين بمختلف تياراتهم.
والمحكومون الثلاثة المنتمون لما يسمى "تنظيم كتائب أنصار الشريعة بأرض الكنانة" حُكم عليهم بالإعدام في نهاية 2018 من دائرة القاضي محمد شيرين فهمي، المعروفة بأحكامها القاسية ضد الإسلاميين والمعارضين، بدعوى أنهم "أنشأوا جماعة على خلاف أحكام القانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل الدستور والقوانين ومنع مؤسسات الدولة والسلطات العامة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي".

وفي الأول من يوليو/ تموز الماضي، رفضت محكمة النقض طعن المتهمين وغدا حكم إعدامهم نهائياً، رغم أنهم في الوقت الذي اعترفوا فيه بتأسيس التنظيم، فإنهم نفوا ارتكاب وقائع عديدة من تلك المنسوبة إليهم، مثل قتل عدد من عناصر الشرطة. أما المحكوم الرابع فكان قد اعترف بارتكاب جريمة قتل طبيب مسيحي مسن بعيادته، بعد خداعه بزعم أنه مريض ويريد الكشف عليه، كما أصاب مساعدته وهو يلوذ بالفرار.
وحتى مع التسليم بصحة التحريات الأمنية والملابسات التي حكم بها على الأربعة، فإن الأوضاع السائدة داخل السجون المصرية في الآونة الأخيرة تثير حالة من التوتر والاضطراب، خصوصاً بين المحكومين السياسيين والمحبوسين احتياطياً، الذين يتعرضون، بحسب التقارير الحقوقية، للتعذيب والتجاوزات والتشدد خلال فترة الحبس الأولى لهم حتى صدور الأحكام ضدهم، فضلاً عن معاناتهم منذ إعلان وزارة الداخلية استئناف الزيارات للسجناء والسماح لذويهم بالحضور إلى السجون للمرة الأولى منذ بدء اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا في منتصف مارس/ آذار الماضي. 

تؤكد مصادر استحالة نجاة المحكومين أو الهرب من السجن

وأدت سياسة السجون في إدارة آلية الزيارات الجديدة لانتشار حالة من التوتر والغضب والمشادات بين السجناء والإدارات، وتفاقم الحالة النفسية لآلاف السجناء الذين تم منع الزيارات عنهم طوال هذه المدة، وما زالوا محرومين بسبب طبيعة القضايا الخاصة بهم، فضلاً عن أنه من الطبيعي زيادة عدد المرضى والمتوفين خلال ذروة فصل الصيف من كل عام، نتيجة حرارة الجو الخانقة وظروف الطقس السيئة وحرمان المعتقلين في أماكن عديدة من التهوئة الصحية. وتضاف هذه الأسباب المعيشية إلى الأسباب السياسية والقانونية التي تعمق التباين والكراهية بين السجناء والسلطة، وأحياناً المجتمع، مثل حالة الانسداد السياسي التي كرسها نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي، وتصفية المؤسسات التي أفرزتها ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 بإرادة شعبية كاملة.

يذكر أن عدة منظمات حقوقية طالبت بتوضيح ملابسات حادث سجن العقرب بشكل جاد ومحايد وشفاف، ومنع ما قد يُعرض المئات والآلاف من المحتجزين بالسجون ومقار الاحتجاز للتضييق والتعنت الأمني غير القانوني، بذريعة الانتقام من حالات القتل. ولم تعلن النيابة العامة، حتى مساء أمس، عن تدخلها في التحقيقات التي من المقرر أن تباشرها في القضية. كما أنها لم تعلن عن النتيجة النهائية لتحقيقاتها في قضية وفاة شادي حبش حتى الآن، رغم الإشارة سابقاً إلى أنه توفي بتأثير خلط الكحول بالمياه الغازية.