"هيئة تحرير الشام"... الاعتقالات بتهمة العمالة تجدد الصراع

"هيئة تحرير الشام"... الاعتقالات بتهمة العمالة تجدد صراع الجناحين الأمني والعسكري

27 فبراير 2024
عناصر من "تحرير الشام"، أغسطس 2023 (عمر حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

لا تزال الحملة الأمنية التي شنها الجناح الأمني في "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) منتصف العام الماضي واستهدفت قياديين في الصفين الأول والثاني وعناصر في الهيئة بـ"تهمة العمالة"، تُلقي بظلالها على المشهد في شمال غربي سورية، لا سيما أن التحقيقات أبطلت هذه التهم، فيما برزت أنباء عن تعرّض معتقلين لتعذيب أودى بحياة البعض.

واتهم الجهاز الأمني المعتقلين بـ"العمالة لأجهزة استخبارات مختلفة"، غير أن "هيئة تحرير الشام" اضطرت في النهاية إلى إطلاق سراح معظم من اعتقلهم جهازها الأمني، بعد إعلانها انتهاء التحقيقات التي لم تثبت أياً من هذه التهم.

وخرج قياديون في جناح الهيئة العسكري من المعتقل، ومنهم أبو مسلم آفس، وأبو أسامة منير، وفواز الأصفر، وأبو عبدو وأبو القعقاع طعوم، وآخرون. ونقل موقع "تلفزيون سورية"، أول من أمس الأحد، عن مصادر محلية قولها إن "هيئة تحرير الشام"، تنوي إطلاق سراح القيادي البارز فيها "أبو ماريا القحطاني"، العراقي الجنسية، بعد أشهر من اعتقاله بتهمة "العمالة لجهات خارجية"، والتحضير لـ"انقلاب" على قيادة الهيئة.

حملة "هيئة تحرير الشام"

كما شارك العشرات، يوم الأحد الماضي، في وقفة احتجاجية في بلدة سرمدا، للتنديد بعمليات التعذيب التي تجري في السجون، التي وُصفت بـ"المسالخ"، مطالبين بـ"قضاء مستقل نزيه يحاكم القوي قبل الضعيف"، وفق إحدى اللافتات التي رُفعت في الوقفة.

كما أكد فصيل "جيش الأحرار"، التابع لـ"الجبهة الوطنية للتحرير" التي تضم فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، الأحد، مقتل أحد عناصره تحت التعذيب في سجون "هيئة تحرير الشام"، أواخر العام الماضي بتهمة "العمالة"، مطالباً في بيان بـ"محاسبة الظالمين الذين ارتكبوا هذه الفعلة الشنيعة".


عباس شريفة: كان هناك 400 معتقل بعضهم قتل تحت التعذيب

وحاول قائد "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، امتصاص الغضب الشعبي والتململ داخل "الهيئة" نتيجة ما جرى في المعتقلات، من خلال الزعم في بيان نشر الأحد، أنه قام بـ"تشكيل لجنة قضائية تقف معهم (المعتقلون المطلق سراحهم)، حتى تسمع ادعاءاتهم".

وأشار إلى أنه "تم توقيف بعض المتسببين"، واصفاً ما جرى بـ"الجريمة النكراء". وادعى أن هناك إجراءات لـ"تحسين أداء الرقابة على الأجهزة الأمنية أو الشرطية".

وتضم المنطقة التي تسيطر عليها "هيئة تحرير الشام"، وهي نحو ثلثي محافظة إدلب وبعض محيطها، ملايين السوريين وجلهم نازحون من مناطق أخرى، تحيط بهم الأزمات المعيشية من كل جانب، في ظل فقدان أي أمل بحلول سياسية لحسم مصير هذه المنطقة التي تخضع لقوانين وسياسة الهيئة المتشددة.

ووفق الباحث في الجماعات الإسلامية عباس شريفة، فإن "سبب الانقسامات والخلافات التي تعصف حالياً بهيئة تحرير الشام يعود إلى حملة الاعتقالات التي قام بها الجهاز الأمني ضد قياديين في الصفين الأول والثاني في الجهاز العسكري بتهمة العمالة والعمل على تنفيذ انقلاب داخل الهيئة".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، "هناك تحميل مسؤولية غير مباشرة للجولاني، باعتباره المشرف الأول على الجهاز الأمني، وكان على اطلاع ودراية بالحملة التي قام بها في العام الماضي".

وأوضح شريفة أن "كل الإقرارات بالعمالة كانت نتيجة الضغط والتعذيب المهين والمذل"، مضيفاً أنه "كان هناك 400 معتقل بعضهم قتل تحت التعذيب". وأشار إلى أن "هناك الآن خلافاً داخلياً في داخل الهيئة حول ما جرى، إذ كان من الممكن أن يتسبب في انهيار الجناح العسكري في الهيئة، مما يؤدي إلى إضعاف سيطرتها العسكرية في المنطقة، أمام قوات النظام والمليشيات المساندة لها".

وحول مآلات ما جرى، رأى شريفة أن المستقبل "يتوقف على عدة متغيرات وطريقة حدوثها"، مضيفاً أن "ما سيحدث متعلق بطريقة إدارة هذه الأزمة، وطريقة اجتراح الحلول، وهل سيكون هناك تعويض مادي ومعنوي لمن اعتقل فضلاً عن محاسبة المتسببين؟".

وأعرب عن اعتقاده بأن الأمور "ربما تذهب باتجاه إجراء إصلاح بنيوي في الهيئة، لا سيما في الملفات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وربما قد تُجرى عملية مراجعة لدور الهيئة وإمكانية تحويلها إلى مؤسسة، ومشاركة القادة العسكريين في صناعة القرار".


عرابي عرابي: قد يقصي الجولاني مسؤول الجهاز الأمني

ورأى شريفة أنه "في حال الالتفاف على الحلول وارتفاع حدة الاستقطاب، فقد نشهد زعزعة في الهيئة وانشقاقات على مستوى القيادة"، مرجحاً استنباط "الحلول عبر إعادة الاعتبار للمعتقلين ومحاسبة المتسببين والنظر في الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة في الهيئة".

"هيئة تحرير الشام" في مرحلة استقطاب

في السياق، رأى الباحث المختص في الجماعات الإسلامية عرابي عرابي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحملة الأمنية وما رافقها من حوادث تعذيب "لا شك خلقت شرخاً في الهيئة".

واعتبر أن "العسكريين في الهيئة بحالة استقطاب واسع، والأجهزة التقليدية في الهيئة تغيرت، إذ أن هناك داخل ما يُعرف بكتلة بنّش (بلدة في ريف إدلب) جدلا إيديولوجيا، لجهة أن هناك أشخاصاً ثبتت عليهم العمالة ومع ذلك أُخرجوا من السجن، فضلاً عن تعذيب وإهانة المعتقلين في السجون، من دون أي محاسبة للأمنيين الذين قاموا بهذه الأفعال".

وأشار عرابي إلى أن "الكثير من عناصر الهيئة من العسكريين بات لديهم هاجس الثأر من الأمنيين نتيجة ما قاموا به في السجون"، كاشفاً عن "شرخ بين الجناحين الأمني الذي يقوده أبو أحمد حدود، والعسكري وعلى رأسه أبو يوسف حلفايا".

ولم يستبعد عرابي أن "يُقصي الجولاني أبو أحمد حدود أو يدفعه للتواري في الظل"، معتبراً أن "الهيئة دخلت مرحلة استقطاب، وقد تندفع الكتل الناقمة على الجهاز الأمني لضرب مفاصل في الجهاز، أو يحصل حراك شعبي واسع بدعم من العسكريين للضغط على قيادة الهيئة".

و"هيئة تحرير الشام" فصيل متشدد يدور في فلك تنظيم "القاعدة"، على الرغم من إعلان زعيم الهيئة، أبو محمد الجولاني، في يوليو/تموز 2016، فك الارتباط بـ"القاعدة" تحت ضغوط شعبية. وطيلة سنوات الصراع في سورية، كانت الهيئة لاعباً عسكرياً مهماً في مجريات هذا الصراع في أغلب الجغرافيا السورية، لكنها في الوقت نفسه، كانت مدخلاً واسعاً للنظام وداعميه الروس والإيرانيين لوأد الثورة السورية تحت ذريعة "محاربة الإرهاب".

وكانت "هيئة تحرير الشام" قد شكّلت في عام 2017 ما يسمّى بـ"حكومة الإنقاذ" لإدارة مناطق سيطرتها من نواح خدمية. لكن هذه الحكومة لم تستطع انتشال الشمال الغربي من سورية من أزماته الاقتصادية، على الرغم من الأموال التي تجنيها "الهيئة" من المعابر ومن الضرائب والإتاوات التي تفرضها على التجار والصناعيين في المنطقة.

المساهمون