نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة لبنانية: رمز للمنظومة المطلوب رحيلها

نجيب ميقاتي لتشكيل حكومة لبنانية: رمز للمنظومة المطلوب رحيلها

26 يوليو 2021
ترأس ميقاتي (وسط) حكومتين سابقتين (حسين بيضون)
+ الخط -

بعد نحو عام من استقالة رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب، في 10 أغسطس/آب 2020، بعد أيام من انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة 215 شخصاً، نجحت الطبقة السياسية في لبنان بتسمية رئيس جديد لتشكيل الحكومة هو نجيب ميقاتي، الذي يخلف سعد الحريري في هذه المهمة والذي فشل خلال نحو 9 أشهر من التكليف في تقديم تشكيلة وزارية تحظى بقبول رئيس الجمهورية ميشال عون، علماً أن الحريري كان قد سمي بعد مصطفى أديب الذي كُلف بالمهمة أواخر أغسطس 2020 وفشل أيضاً في هذه المهمة.

ويتكرّر مشهد تكليف ميقاتي، وهو أثرى أثرياء لبنان، تشكيل الحكومة على أنقاض سقوط سعد الحريري، لكن هذه المرة بدعمٍ من الأخير وتأييدٍ "ظاهري" من مناصري "تيار المستقبل" الذين يحصرون معركتهم مع العهد المُمَثَّل برئيس الجمهورية ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل. وقائعٌ كثيرة اختلفت منذ عام 2011 يوم تكليف ميقاتي في استشارات نيابية ملزمة تزامنت مع تحركات احتجاجية دامية سُمِّيت بـ"يوم الغضب" في مناطق محسوبة على الحريري ولا سيما طرابلس (شمال لبنان) التي يتحدر منها ميقاتي، مطالبةً الأخير بالتراجع ومطلقةً عليه أحكام "الخيانة"، لكنه مضى بخطوته وشكّل حكومته بعد نحو خمسة أشهرٍ. يومها وصف قياديون في "المستقبل" ترشيح ميقاتي بـ"الغادر" ويأتي استكمالاً لأجندة "حزب الله" ومن خلفه النظامان السوري والإيراني بعد إطاحة "قوى 8 آذار" بحكومة سعد الحريري مع استقالة وزراء هذه القوى خلال وجود الأخير في واشنطن على خلفية المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، إلى أن دخلت علاقة الحريري - ميقاتي في مرحلة التفاهم والانضواء معاً في نادي رؤساء الحكومات السابقين الذي يضمّ إلى جانبهما فؤاد السنيورة وتمام سلام.

قبل ذلك كان ميقاتي، المعروف عنه بأنه "الملياردير رجل التسويات"، قد تولّى أيضاً رئاسة الحكومة في عهد رئيس الجمهورية السابق إميل لحود، حليف النظام السوري و"حزب الله"، في 19 إبريل/نيسان 2005، قبل الاستقالة في 19 يوليو/تموز من العام نفسه، وها هو اليوم يعود تحت شعار "إنقاذ البلاد" مدعوماً من "المستقبل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (بزعامة وليد جنبلاط) و"حركة أمل" برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري، و"تيار المردة" برئاسة سليمان فرنجية، والحزب السوري القومي الاجتماعي، و"حزب الله" الذي يختلف في مقاربته لميقاتي مع حليفه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل.

عُرِف ميقاتي باستثماراته المالية والاقتصادية الضخمة في سورية ولصالح نظام الأسد

ميقاتي الذي شغل مناصب وزارية في حكومات عدة، والنائب حالياً في البرلمان بعدما دخله للمرة الأولى عام 2000، عُرِف باستثماراته المالية والاقتصادية الضخمة في سورية ولصالح رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي رأى في ميقاتي حليفاً سنّياً أساسياً بوجه الحريري، ولعلّ أبرز الاستثمارات كانت في القطاع الخلوي مع منح الحكومة السورية عام 2000 شركة "إنفستكوم" لمالكيها السابقَيْن نجيب وشقيقه طه ميقاتي رخصة لتشغيل شبكة الهاتف النقال لمدة 15 عاماً. كذلك، ارتبط اسمه بتمويل إحدى المحطات التلفزيونية المحسوبة على النظام السوري والداعمة لـ"حزب الله".

وارتبط اسم ميقاتي أخيراً بصفقة شراء شركة خليوية في ميانمار، علماً أن شركة "أم 1" التي أسسها ميقاتي وشقيقه طه متهمة بالارتباط بأعمال مع المجلس العسكري الحاكم في ميانمار بعد الانقلاب على الزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي. وهذه الشركة مدرجة على اللائحة السوداء التي تعدها حركة "حملة ميانمار-بريطانيا" التي تحصي الشركات الدولية المرتبطة بأعمال مع العسكريين في ميانمار.

قضائياً، ادعت مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون (محسوبة على الرئيس ميشال عون) إبّان انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 على ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه و"بنك عودة" بجرم الإثراء غير المشروع لحصول شركاتهم على 10 قروض سكنية مدعومة يفترض أنها مخصصة للفئات محدودة الدخل، وذلك لشراء شقق في مبنى مطل على نادي اليخوت في بيروت تبلغ قيمتها الإجمالية 34.1 مليون دولار. وكالعادة جرى الالتفاف على القرارات القضائية والإطاحة بها من بوابة "التلطي خلف الحصانات"، و"تصفية الحسابات السياسية".

وارتبط اسم رئيس الوزراء المكلف، بملف الاتصالات وشركة "ليبان بوست" (استلمت قطاع البريد في لبنان منذ عام 1998) التي كان أحد مالكيها ميقاتي بوصفه رجل أعمالٍ، وجرى التمديد لها لسنين طويلة وعرفت بأنها من "مزاريب الهدر" ونهب المال العام.
كما ارتبط اسمه بملف "الخطوط الجوية الملكية الأردنية" الذي أحيل إلى هيئة مكافحة الفساد الأردنية وكان ميقاتي شريكاً أساسياً فيها. إلى جانب غيرها من الملفات التي اتصلت بميقاتي الملياردير الذي أدرجته مجلة "فوربس" الأميركية مع شقيقه على قائمتها لأثرياء العالم لعام 2019 هو الذي يتحدر من أفقر مدينة على الحوض المتوسّط والتي انتفضت ضدّه وغيره من زعماء المدينة في أكتوبر 2019. وتشهد طرابلس اليوم حرماناً كبيراً زاد من معاناة أبنائها الذين انقطعت عنهم أبسط الخدمات من كهرباء ومياه، ومنهم من قرر الهرب في قوارب وآخرون يئنون جوعاً.

ناشط سياسي: حكومة ميقاتي إن شُكّلت ستكون بمثابة استمرار لنهج المنظومة السياسية ومحاولتها الاستمرار في الحكم

يقول المحامي والناشط في "انتفاضة 17 أكتوبر" علي عباس، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "ميقاتي هو جزء من هذه المنظومة التي تحاصصت المال العام لتحقيق أرباح طائلة على حساب اللبنانيين، وهو محاطٌ بملفاتِ وشبهات فسادٍ من الاتصالات والقروض المدعومة من الإسكان التي استفاد منها بمبالغ ضخمة أخذها من درب الشباب اللبناني، عدا عن ملف انفجار مرفأ بيروت ووجوده على رأس الحكومة عندما دخلت مواد نيترات الأمونيوم عام 2013، وطريقة إدارته خلال فترة ولايته، وسكوته أيضاً عن ملفات الفساد".

ويشدد عباس على أن "حكومة ميقاتي إن شُكّلت ستكون بمثابة استمرار لنهج المنظومة السياسية ومحاولتها الاستمرار في الحكم والمحافظة على المكتسبات التي حققتها، والأهم أنها ستكون ظلاً جديداً للقوى التقليدية في الحكم وواجهة لهم وللنواب الذين يسمّونه وغطاءً لحمايتهم من المحاسبة، خصوصاً على صعيد تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، استكمالاً لعرقلة العدالة، وهو ما سيحصل على صعيد عرقلة أي إمكانية للإصلاح". ويجدد عباس التأكيد أن "موقف انتفاضة 17 أكتوبر واضح جداً وصريح بالمطالبة بحكومة مستقلين واختصاصيين من رئيسها إلى أعضائها، أما ميقاتي فهو جزءٌ من المنظومة السياسية التي فشلت في إدارة البلد وأوصلتها إلى الانهيار بفعل صفقاتها وممارساتها القائمة على المحاصصة ونهب المال العام والاستفادة من الامتيازات لصالح مشاريعهم الخاصة".

من جهته، يقول الكاتب السياسي طوني عيسى، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "اختيار ميقاتي مجدداً لرئاسة الحكومة يوحي بأن الوضع اللبناني ما يزال يدور في حلقة مفرغة، وأن الحل لم يأتِ بعد، باعتبار أن الحلّ إذا كان سيولد في هذه المرحلة فيجب أن يكون وفق مقتضيات إنقاذية إصلاحية وإنهاء منظومة الفساد، والمحاسبة والمراقبة والشفافية، وهذه كلها لا يمكن لأي شخص ضمن هذه المنظومة السياسية أن يقوم بها سواء أمام الشعب اللبناني بالدرجة الأولى أو المجتمع الدولي بالدرجة الثانية". ويشدد عيسى على أن "اختيار ميقاتي لا يوحي أننا مقبلون على تسوية سياسية تنهي الأزمة، بل مجرّد مناورة لغايات سياسية معينة لا أكثر، أو ربما لتنفيس الاحتقان الشعبي الكبير مع حلول الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس، ولرمي وعود لخلق جو إيجابي ينعكس على سعر صرف الدولار ويوحي بشيء معين، لكنه ليس في محله ومصطنع ولن يقود إلى تسوية حقيقية لأنها ليست بيد لبنان بل مرتبطة بالموضوع الإقليمي السوري الإيراني بشكل خاص، فعندما تشعر إيران أنه آن الأوان للإفراج عن الحكومة عندها ستعطي تعليماتها بذلك"، لافتاً في المقابل إلى أن "المناورة قد تتوقف عند التكليف أو حتى في التأليف، فالحل غير موجود وسنكون أمام حكومة فشل تكبّدنا أكلافاً تفوق تلك الراهنة".