نتنياهو في الأمم المتحدة: سيمفونية "داعش" مع إيران و"حماس"

نتنياهو في الأمم المتحدة: سيمفونية "داعش" مع إيران و"حماس"

27 سبتمبر 2014
نسب نتنياهو كل الانجازات لنفسه (جاك جوز/فرانس برس)
+ الخط -
اعتادت الصحافة الإسرائيلية في كل عام، مع حلول السنة العبرية الجديدة، أن تأتي لقرّائها بصيد ثمين، يكون عادة مقابلة مع رئيس الحكومة، وأخرى مع وزير الدفاع وثالثة مع رئيس الدولة. لكن الصحف الإسرائيلية في هذا العام، وبعد أن يئست من "مقابلة نتنياهو" انصرفت لتلخيص العام العبري المنتهي، من دون جهد الوصول إلى نتنياهو، باستثناء إجراء صحافيتين مقابلات معه.

يخرج القارئ لدى تصفّحه المقابلتين، بانطباع بأنهما كانتا بطلب من نتنياهو نفسه، بعد أن اختار هو الصحافيتين الوحيدتين، للتواصل عبرهما مع الجمهور الإسرائيلي. ولم يكن الاختيار عبثياً بل مقصوداً واستمراراً لنهج واضح في تعزيز مكانة الصحف "التي لا تنتقد نتنياهو" والتي تحمي "الرواية الصهيونية"، وهما "مكور ريشون" و"يسرائيل هيوم"، بعد أن بات نتنياهو، على قناعة أن "يديعوت أحرونوت" تعمل للإطاحة به، أما "هآرتس" فهي بمثابة الصحيفة الخارجة عن الإجماع الإسرائيلي، بفعل انتقاداتها المتواصلة لسياسات الحرب والعدوان والتمييز العنصري، وإن كانت منطلقاتها "صهيونية صرفة".

وحرص نتنياهو، في كلتا المقابلتين، على توجيه رسائل واضحة، لا لبس فيها، لمن يريد أن يقرأها كما هي، من دون تأويل "متفائل"، مع استغلال هذين المنبرين المواليين، لتصحيح وتكريس صورته بعيداً عن انتقادات خصومه له. فهو وفق المقابلتين، رجل الأمن، وهو من شخَّص قبل غيره في إسرائيل (وتحديداً الوزير نفتالي بينيت، الذي انتزع معلومات خلال الحرب من الضباط الميدانيين) خطر الأنفاق الهجومية الحمساوية، وأول من وضع خطة لضربها. وصوّر نفسه أنه أدرك حقيقية الرفض المسبق لحركة "حماس" لاتفاق وقف إطلاق النار الذي طرحته مصر في بداية العدوان الأخير، فقبل به لتقديره أن المقاومة سترفضه، وكسب بذلك التأييد والشرعية الدولية وأنقذ إسرائيل من حملة إدانة دولية. ويرى نتنياهو، أنه احتاج إلى كل خبراته التي كسبها على مدار مشواره السياسي، لإدارة الحرب بعملياتها العسكرية وتحركاتها الدبلوماسية والسياسية.

يوجه نتنياهو، باختصار شديد، رسائله الأولى إلى الإسرائيليين، مستغلاً ومنتشياً من نتائج الاستطلاعات الإسرائيلية، التي كرّسته باعتباره الشخص الأكثر ملاءمة لرئاسة الحكومة و"إدارة دفة سفينة شعب إسرائيل في مواجهة البحر المتلاطم في الشرق الأوسط"، وكل ذلك من دون تقديم تنازلات جوهرية، مع إبقاء الوهم بتحريك أفق سياسي.

وتتسم رسائل نتنياهو، الداخلية بعد انتهاء العدوان، حالياً بغرور شخصي، مع أنه حرص طيلة أيام العدوان ضد غزة، على الحديث بلغة الجمع عبر التشديد على مشاركة كل من وزير الدفاع موشيه يعالون، ورئيس هيئة الأركان، الجنرال بني غانتس، في كل صغيرة وكبيرة. لكن في المقابلتين ينسب نتنياهو كل إنجاز وكل خطة نجحت إليه هو، باعتباره صاحب الفكرة وصاحب التوجيهات، حتى في تقييمه لنجاحات الوزير المستقيل جدعون ساعر، فإنه لا يفوت الفرصة ليخبر الإسرائيليين أنه هو من عين ساعر، في بداية طريقه سكرتيراً لحكومته الأولى، ثم رئيساً للائتلاف في الحكومة السابقة. ويضيف نتنياهو، أن كل إنجازات ساعر، في وزارة التربية والتعليم، وخصوصاً "زرع القيم اليهودية والقومية في نفوس تلاميذ إسرائيل"، كانت بموجب تعليماته وتوجيهاته هو.

وعلى الصعيد الخارجي، يستغلّ نتنياهو، منبرين مريحين له (مكور ريشون ويسرائيل هيوم) ليحدّد من دون مواربة أن مباحثات القاهرة، تهدف بالأساس إلى ضمان المصالح الأمنية الإسرائيلية، فهي مفاوضات أمنية بالدرجة الأولى، لا تنطوي على أي اعتراف بالمقاومة أو بمكانتها. وهي رسالة واضحة للوفد الفلسطيني والوسيط المصري، تكشف عملياً ما ينتظر هذه المفاوضات لاحقاً مع استئنافها. ولن يكون بمقدور الطاقم الأمني الإسرائيلي في المفاوضات الخوض في مسائل ذات أبعاد سياسية، وهذا بحدّ ذاته يعني زرع العبوة الناسفة التي ستؤدي بالمفاوضات، منذ الآن إلى طريق مسدود ثم تفجيرها على وقع الضربات التي يتلقاها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من التحالف الدولي الآن.

فقد بات "داعش" اليوم، أفضل ورقة دعاية لإسرائيل، وتحديداً لنتنياهو، الذي دأب منذ ثلاثة أسابيع وبوتيرة متزايدة، وفق نسق واضح، على المساواة المباشرة والكلية بين تنظيم "داعش" وبين المقاومة الفلسطينية، مع إلحاق "حزب الله" اللبناني بهما، والإشارة إلى وجوب التمييز، بحسب نتنياهو، بين مطامع "القاعدة" و"داعش" و"حماس"، وبين إيران و"حزب الله". فالصنف الأول يبحث ويسعى لفرض خلافة إسلامية سنية، أما إيران و"حزب الله" فيطمعان بحكم إسلامي شيعي لا يقل ضراوة وتطرفاً عن "داعش" و"القاعدة".

ومع أن نتنياهو، حاول في المقابلات الصحافية الظهور، مجدداً، بأنه الإسرائيلي الأكثر دراية ومعرفة بحالة الحلبة الدولية ومسالك الدبلوماسية، فإنه يقر بأنه خلافاً لوزراء "الكابينيت" (المجلس الوزاري المصغّر) والحكومة، ملزم أيضاً بأن ينتبه لما يدور على الساحة العالمية وفي الحلبة الإقليمية. وهو يرى بحركة "حماس" مصدر خطر، لكنها تلقت ضربة لم تتلقها منذ سيطرتها على القطاع عام 2007. يقول نتنياهو للصحافيتين، إن "حماس تنتظرنا في الجنوب، وفي الشمال هناك القاعدة وداعش، وهما مع خطرهما أقل خطراً من حزب الله ومن إيران".

تعود إيران في مقابلات نتنياهو، في الظروف الراهنة وفي أوج الحرب على "داعش"، باعتبارها الممول الأكبر للإرهاب، والخطر الاستراتيجي لأنها تقترب من أن تكون "دولة ذرية"، وهي تطلب تسهيلات مقابل حربها ضد "داعش"، وهذا لا يروق لنتنياهو، الذي يقول "تصوروا لو أن سورية برئاسة بشار الأسد، طلبت استعادة ترسانتها الكيماوية مقابل مشاركتها في الحرب على داعش، هل يمكن تصور قبول ذلك. الأمر نفسه يجب أن يطبق على إيران".

تحضر إيران في خطاب نتنياهو، المقبل أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، كراعية للإرهاب وممولة لـ"حزب الله"، و"صاحبة حلم بخلافة شيعية متطرفة"، وإلى جانبها بطبيعة الحال "حزب الله" كتنظيم تابع لها، ومع الاثنين خطر "القاعدة" و"داعش"، لكن الأخيرين لا يحملان الخطر نفسه الذي تحمله إيران ومشروعها الذري. أما المقاومة الفلسطينية و"حماس" فتبقى على الرغم من الضربات التي تلقتها، مصدر القلق نفسه، وفقاً لنتنياهو.

وهنا يجد رئيس الوزراء "المغرور"، ما يسميه هو بـ"لقاء المصالح بين إسرائيل والدول السنية المعتدلة"، أو بعبارة أخرى الدول المناهضة للثورات العربية، فهي تلتقي في حربها ضد إرهاب "داعش" و"القاعدة" والخطر الأصولي. يؤكد نتنياهو، أن "لقاء مصالح يشكل بعض المصالح وليس جميعها"، ويضيف أن "هناك درجات تعاون مختلفة مع الدول العربية المعتدلة، واليوم بات شعب إسرائيل يشاهد هذا التعاون بالعين ولا يعرف بوجوده فقط".

يلقي نتنياهو، خطابه في الأمم المتحدة، خلال الأسبوع المقبل، وسيكون مطعّماً بحديث مكرر عن أفق سياسي والسعي لتسوية سياسية، وسيطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، "تحديد وجهته".

وسيؤكد أن "على أبو مازن أن يقرر هل يريد السلام مع إسرائيل أم مع حماس؟" ليعود بإسرائيل والمفاوضات إلى مربعها الأول بنظره، وسيوضح أنه "لا شريك فلسطيني للمفاوضات الآن، وإسرائيل ستنتظر نضوج هذا الشرط".

في غضون ذلك، يستحضر نتنياهو، في مقابلته مع "مكور ريشون"، أساطير "المكابيين اليهود" (مجموعة عسكرية يهودية قامت بثورة على حكام سورية السلوقيين عام 164 قبل الميلاد، بحسب الرواية الإسرائيلية)، ليدعي أن الجدار الذي تريد إسرائيل بناءه حول مستوطنات "غوش عتصيون" على مدرجات قرية بتير في الضفة الغربية، ليس فارغاً من مضمون تاريخي يهودي. فـ"بتير" ومدرجاتها الزراعية هي برأي نتنياهو، قرية "بيتار" التاريخية ومدفن بطل "ثورة المكابيين" بار كوخفا، وكان نتنياهو، الوحيد بين وزراء حكومة إسرائيل الذي عرف ذلك.