مقاربات متباينة لروسيا وأوكرانيا تجاه انتخابات فرنسا

مقاربات متباينة لروسيا وأوكرانيا تجاه انتخابات فرنسا

16 ابريل 2022
من زيارة لوبان إلى الكرملين عام 2017 (ميخائيل كليمنتياف/فرانس برس)
+ الخط -

مع اقتراب الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية الفرنسية المقررة في 24 إبريل/نيسان الحالي بين الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون وزعيمة "التجمع الوطني" اليمينية المتطرفة مارين لوبان، تترقب روسيا وأوكرانيا نتائجها حتى تتبلور ملامح سياسة واحدة من الدول الأوروبية الأكثر تأثيراً حيال الحرب الروسية الأوكرانية.

وفيما تشير التوقعات إلى رهان روسي على فوز لوبان التي جددت اعترافها بالسيادة الروسية على شبه جزيرة القرم، فإن كييف قد تكون مرتاحة أكثر لفوز ماكرون المنحاز للموقف الأوروبي الموحد المندد بغزو أوكرانيا والداعم لتشديد العقوبات على روسيا.

روسيا تفضّل مارين لوبان

وفي هذا الإطار، اعتبر أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، أن فوز لوبان هو أقرب لمصالح موسكو مقارنة مع ماكرون، من دون أن يستبعد في الوقت نفسه احتمال عجزها عن مواجهة الإستبلشمنت الفرنسي المناهض لتطبيع العلاقات مع روسيا.

وقال كوكتيش، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "لوبان أفضل بالنسبة إلى روسيا، ولكن تجرى في الداخل الفرنسي حملات لشيطنتها ومنع فوزها"، معتبراً أنها "تتبنى مواقف أكثر رصانة حيال حلف شمال الأطلسي، ولا تريد تقاسم تلك المخاطر التي تُفرض على فرنسا". ومع ذلك، لم يستبعد احتمال أن يتكرر سيناريو عجز لوبان عن التغلب على التوجهات السائدة في الإستبلشمنت الفرنسي، مثل ما فشل في ذلك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي لم يتمكن من تحسين العلاقات مع موسكو خلال السنوات الأربع من ولايته.

كوكتيش: لوبان أفضل بالنسبة إلى روسيا، ولكن تجرى في الداخل الفرنسي حملات لشيطنتها ومنع فوزها

وعلى الرغم من استمرار الترابط بين الاقتصادين الروسي والأوروبي في مجال الطاقة، قلل كوكتيش من أهمية تأثير الاضطرابات الاقتصادية التي قد تنجم عن انتخاب لوبان.

وقال "أعتقد أن الأسواق الروسية والعالمية قد واجهت بالفعل كافة الأزمات الممكنة، فلن يؤثر عليها حتى خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي في حال فازت لوبان". واعتبر أن "الأزمة المالية العالمية الحالية ناجمة بدرجة كبيرة عن أعمال الولايات المتحدة".

أسباب تطبيع إيمانويل ماكرون مع روسيا

لكن على عكس حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية في عام 2017، حين استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المرشحة لوبان في موسكو، لا يبدي الكرملين انحيازاً صريحاً لطرف على حساب آخر هذه المرة، في مؤشر لسعيه لتجنب الاتهامات بالتدخل في الانتخابات الفرنسية على غرار تلك التي واجهها بعد انتخاب ترامب في عام 2016.

في المقابل، ومع تحوّل العلاقات مع روسيا وأوكرانيا إلى إحدى أبرز قضايا حملة الانتخابات الفرنسية، كان لافتاً تخفيف لهجة ماكرون نفسه حيال موسكو، ورفضه وصف ما يجري في أوكرانيا بـ"الإبادة الجماعية".

ومع ذلك، اعتبر الإعلامي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف أن تصريحات ماكرون المثيرة للجدل لا تعكس بالضرورة موقفاً مطبّعاً مع روسيا، وإنما قد تندرج ضمن الصراع على أصوات زعيم اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، الذي حل ثالثاً في الجولة الأولى من الانتخابات، ويُعرف بدعواته لتعزيز العلاقات مع موسكو.

وقال بورتنيكوف في حديث مع "العربي الجديد": "ليس لدي شك في أن فوز ماكرون سيخدم المصالح الوطنية الأوكرانية. أما التصريحات التي تدلي بها لوبان، فتدل على أنها معنية بإضعاف حلف الأطلسي وتغيير سياسة التضامن الأوروبي حيال أوكرانيا، والتي بلغت ذروتها بعد اعتداء روسيا على بلادنا".

بورتنيكوف: تصريحات ماكرون لا تعكس بالضرورة موقفاً مطبّعاً مع روسيا، وإنما قد تندرج ضمن الصراع على أصوات ميلانشون

ورأى أنه "في حال انتخاب لوبان رئيسة، فستتوفر بين يديها كافة الإمكانيات لتغيير السياسة الخارجية الفرنسية بأكملها والتأثير على السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وهي التي أكدت عشية الجولة الثانية لأنصارها أنها لن تفرض حظراً على استيراد موارد الطاقة الروسية".

أما التصريحات الإيجابية بشأن روسيا الصادرة من ماكرون، فأرجعها إلى سعيه لحشد أصوات ميلانشون، قائلاً: "على الرغم من الكره المتبادل بينهم، إلا أن السياسيين اليساريين واليمينيين الراديكاليين في أوروبا يتعاطفون على حد سواء مع روسيا البوتينية. أصوات ميلانشون هي التي ستحدد من سيكون رئيس فرنسا المقبل، فيسعى ماكرون لنيل إعجاب أنصاره حتى لا يروا فيه سياسياً يتبنى مواقف سلبية بامتياز تجاه روسيا".

وكان ميلانشون قد شارك، أثناء زيارته إلى روسيا في عام 2018، في فعالية "الفوج الخالد" التي تُقام في 9 مايو/أيار من كل عام لتخليد ذكرى من حاربوا ضد ألمانيا النازية، كما سبق له أن دعا مراراً إلى تحسين العلاقات الروسية الفرنسية وندد بتبعية بلاده للولايات المتحدة.

ولا يستبعد بورتنيكوف أن يدلي ماكرون في الأيام المقبلة بتصريحات جديدة لنيل دعم أنصار ميلانشون، وقد تضطر السلطات الأوكرانية للرد عليها، لكنه اعتبر أن "ماكرون هو أقرب إلى فهم الواقع من لوبان"، و"سيدعم العقوبات على روسيا في مجال الطاقة في حال إعادة انتخابه".

وكانت وزارة الخارجية الأوكرانية قد أعربت، الأربعاء الماضي، عن خيبة أملها من موقف ماكرون لعدم تسميته "الأعمال الوحشية للغزاة الروس" في أوكرانيا أنها إبادة جماعية.

وقال المتحدث باسم الخارجية الأوكرانية، أوليغ نيكولينكو، إن انعدام رغبة ماكرون في الاعتراف بـ"الإبادة الجماعية بحق الأوكرانيين، بعد كل التصريحات الصريحة للقيادة الروسية والأعمال الإجرامية للعسكريين الروس، مثير للإحباط"، مضيفاً أن "أوكرانيا وروسيا قريبتان لأسباب موضوعية، ولكن أسطورة الشعبين الشقيقين بدأت في الانهيار بعد احتلال القرم والعدوان في دونباس عام 2014". يُذكر أن ماكرون زار موسكو وكييف في الأسابيع التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، في محاولة للبحث عن دور فرنسي في التهدئة، من دون أن تتوج جهوده بمنع اندلاع الحرب.