معابر جديدة في الشمال السوري... حسابات أمنية واقتصادية

معابر جديدة في الشمال السوري... حسابات أمنية واقتصادية

25 فبراير 2024
عنصر من الشرطة العسكرية التابعة للجيش الوطني بتل أبيض، 2019 (بكير قاسم/الأناضول)
+ الخط -

يتجه "الجيش الوطني" المعارض في الشمال السوري، إلى اتخاذ تدابير جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرته، بغية تحصينها عسكرياً واقتصادياً، في ضوء الثغرات التي تكشفت عنها الفترة الماضية، خصوصاً على صعيد العلاقة مع مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) في محافظة إدلب ومحيطها.

معبر جديد في الشمال السوري

وفي هذا السياق، افتتح "الجيش الوطني السوري"، أول من أمس الخميس، معبراً في منطقة الغزاوية جنوبيّ عفرين، يفصل بين محافظة إدلب ومحيطها الخاضعين لسيطرة "تحرير الشام"، ومنطقة ريف حلب الشمالي، حيث السيطرة لـ"الجيش الوطني" المدعوم من تركيا.

ووفق مصادر وشبكات محلية، يقع المعبر في بلدة الغزاوية جنوب عفرين، في مواجهة معبر "تحرير الشام"، حيث كان الموقع حاجزاً لفصيل "فيلق الشام"، فيما رُفعت بجوار الحاجز، وفق ما تداول ناشطون، لافتة على بوابته، كُتب عليها "أهلاً بكم في منطقة غصن الزيتون"، في إشارة إلى تبعية المنطقة لمناطق سيطرة "الجيش الوطني".

وتثار مخاوف من أن الخطوة الجديدة، المتوقع أن تتبعها خطوات مماثلة خلال الفترة القريبة في الجهة المقابلة، ستسهم في تقييد وتعقيد تنقلات الأفراد والحركة التجارية بين مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام" و"الجيش الوطني".

المعبر الجديد يقع في بلدة الغزاوية جنوبي عفرين، في مواجهة معبر "تحرير الشام"

وذكرت مصادر من "الجيش الوطني" لـ"العربي الجديد"، أن من المقرر افتتاح معبر آخر بين المنطقتين قريباً، في دير بلوط، وذلك بإشراف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة.

وكان هشام اسكيف، من مكتب العلاقات العامة في الفيلق الثالث التابع لـ"الجيش الوطني"، قد قال لـ"العربي الجديد"، إن هذه الإجراءات تأتي في سياق خطة هدفها تفعيل قيادة الأركان لـ"الجيش الوطني"، في ضوء الانكشافات الأمنية التي ظهرت في الفترات الأخيرة لمنطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" الخاضعتين لسيطرة "الجيش الوطني"، مضيفاً أن إقامة المعابر هي "لضبط المنطقتين".

ولفت اسكيف إلى أن "تحرير الشام" هي التي قسّمت المناطق في الشمال السوري بهذا الشكل، وتفرض إجراءات أحادية الجانب، وهو ما ألحق ضرراً بالوضعين الأمني والاقتصادي في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون".

وأوضح اسكيف أن البضائع التي تنطلق من مناطق "الجيش الوطني" باتجاه إدلب توضع رسوم عليها من "تحرير الشام"، أما البضائع التي مصدرها إدلب باتجاه مناطق "الجيش الوطني" فلا يتم ترسيمها، مشيراً إلى أن العديد من التجار في مناطق "الجيش الوطني" اضطروا إلى فتح متاجرهم، ونقل رأس مالهم إلى منطقة سرمدا شمال إدلب، بهدف تجنب الرسوم التي تفرضها "تحرير الشام" على البضائع القادمة من منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون". ولفت إلى أن الإجراءات الجديدة التي يقوم بها "الجيش الوطني" تحظى برعاية الحكومة السورية المؤقتة، والجانب التركي.

أهداف أمنية واقتصادية

من جهته، قال القيادي في "الجيش الوطني"، أبو بكر فاروق، لـ"العربي الجديد"، إن ما افتُتِح ليس معبراً بمعنى الكلمة، بل "حواجز لضبط المنطقة ذهاباً وإياباً، خصوصاً بالنسبة إلى تحركات العسكريين الذين قد يحدثون فوضى في مناطق سيطرة الجيش الوطني". وأضاف أن هذه الحواجز ستكون تحت إشراف الشرطة العسكرية، وليس لها أي بُعد اقتصادي.

أما الناشط من ريف حلب، محمد الشمالي، فاعتبر أن إقامة معابر جديدة من جهة مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في الشمال السوري، لها هدفان: أمني واقتصادي، من وجهة نظر القائمين عليها، لكنها على أرض الواقع قد تلحق ضرراً بحركة التنقلات للمدنيين والتجار بين المنطقتين، خصوصاً إذا تضمنت فرض رسوم موازية لتلك التي تفرضها "تحرير الشام" على البضائع الداخلة إلى مناطق سيطرتها في إدلب ومحيطها.

الخطة هدفها تفعيل قيادة الأركان لـ"الجيش الوطني" في ضوء الانكشافات الأمنية

وأوضح الشمالي، لـ"العربي الجديد"، أن المعابر الجديدة قد تحدّ من تحركات المدنيين بين المنطقتين، خصوصاً في حال اضطرار الأهالي إلى النزوح من مناطق إدلب باتجاه منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون"، في ضوء مواصلة قوات النظام قصفها لتلك المناطق واحتمالات نشوب معارك جديدة في المنطقة، محذراً من تحول العلاقة بين المنطقتين إلى وضع يشبه العلاقة مع مناطق سيطرة النظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد).

ورأى الناشط أن الهدف الأساسي لهذه الإجراءات قد تكون محاولة للحد من تمدد "هيئة تحرير الشام" باتجاه مناطق سيطرة "الجيش الوطني" في ضوء ما جرى في الفترات الأخيرة من محاولة حثيثة من جانب الهيئة لبناء مرتكزات لها في منطقتي "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، وهي إجراءات تحظى بدعم من الجانب التركي الذي أعرب أخيراً عن انزعاجه من محاولات التمدد تلك من جانب "تحرير الشام"، واستخدم أحياناً القوة أو لوّح بها لدفع "الهيئة" إلى التراجع باتجاه مناطق نفوذها في إدلب ومحيطها.

وكان وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المؤقتة، عبد الحكيم المصري، قد قال في تصريحات صحافية قبل أيام، إن عدداً من التجار والصناعيين في ريف حلب الشمالي، اشتكوا من الرسوم العالية التي يفرضها معبر الغزاوية الخاضع لسيطرة "تحرير الشام" على البضائع القادمة من ريف حلب إلى إدلب، خلافاً للبضائع القادمة من إدلب إلى ريف حلب، التي لا تخضع لضرائب تذكر.

الخطوة قد تكون مضرّة خصوصاً إذا تضمنت فرض رسوم موازية لتلك التي تفرضها "تحرير الشام"

مصادر عاملة لدى فصائل "الجيش الوطني السوري"، رفضت الكشف عن اسمها لأسباب أمنية، ذكرت لـ"العربي الجديد" في وقت سابق أن وزارة الدفاع لدى الحكومة السورية المؤقتة، بتخطيط من الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، ودعم تركي، تسعى لإعادة هيكلة "الجيش الوطني"، وتحسين الواقع الاقتصادي في منطقتي "درع الفرات" و"غصن الزيتون" شمال شرقي محافظة حلب.

وتقضي الخطة، وفق المصادر، إضافة إلى إقامة المعبرين الجديدين، بإبعاد "هيئة تحرير الشام" عن مناطق سيطرة "الجيش الوطني"، بعد تغلغلها ضمن بعض فصائل الجيش خلال الأحداث التي شهدتها المنطقتان خلال العامين الماضيين، مستغلةً حالة الفوضى بين الفصائل والفلتان الأمني في المنطقتين.

وأضافت المصادر أن الجهود تتجه إلى إعادة هيكلة "الجيش الوطني" من خلال تفعيل هيئة الأركان والكلّية الحربية في قرية راعل القريبة من بلدة الراعي، المحاذية للحدود السورية - التركية، شماليّ محافظة حلب.

وأشارت المصادر إلى أنّ جميع الفصائل الصغيرة التي تعمل تحت مظلة "الجيش الوطني" ستُدمَج ضمن الفصائل الكبيرة، وذلك بهدف تقليل عدد الفصائل، وتحسين قدراتها القتالية، وتحسين الواقع الأمني من خلال إعادة هيكلة بعض التشكيلات العسكرية والأمنية العاملة في المنطقتين، مع التركيز على الدور المحوري لوزارة الدفاع والشرطة العسكرية، بهدف الحد من الروح الفصائلية، والوصول إلى جيش احترافي. وأكدت أن أي فصيل سيحاول اعتراض هذا المشروع سيُستبعَد إلى خارج المنطقتين، مع تأكيد الدعم التركي القوي لهذا التوجه.

المساهمون