لا يزال المشهد الليبي يترقب نتائج الزيارات واللقاءات التي يجريها المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي، في الداخل والخارج، وعلاقتها بجهوده الرامية لإجراء الانتخابات خلال العام الجاري، وسط تباين في الآراء بخصوص تقديمه القيادات العسكرية إلى الصورة، على حساب مجلسي النواب والدولة.
وقال باتيلي، الإثنين، إنّ المجلس الرئاسي شريك أساسي في خطة الأمم المتحدة لتنظيم الانتخابات.
وجاءت تصريحات باتيلي، خلال لقائه رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي في العاصمة طرابلس، وفق بيان للمكتب الإعلامي للمجلس.
وبحسب البيان، فقد "قدّم باتيلي للمنفي خلال اللقاء إحاطة كاملة حول زياراته الأخيرة لبعض دول الجوار ولقاءاته مع عدد من الأطراف المحلية واللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، واستعراض ملف خروج المرتزقة والقوات الأجنبية، دون أن يتطرق البيان إلى مزيد من التفاصيل.
وفي السياق ذاته، أكد رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة على دعم حكومته لجهود المبعوث الأممي في كافة المسارات للوصول إلى الانتخابات.
وجاءت تصريحات الدبيبة خلال استقباله، الإثنين، باتيلي والوفد المرافق له، بحضور وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش، بحسب بيان لمنصة "حكومتنا" (تابعة للحكومة).
كما التقيت اليوم برئيس الوزراء السيد عبد الحميد الدبيبة ووزيرة الخارجية نجلاء المنقوش وعدد من وزراء الدولة. أطلعتهم على نتائج زيارتي إلى السودان وتشاد والنيجر بشأن اخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من الأراضي الليبية. pic.twitter.com/ms5TX7ne2M
— SRSG Abdoulaye Bathily (@Bathily_UNSMIL) April 10, 2023
وأضاف البيان أنّ باتيلي قدّم للدبيبة إحاطة حول زيارته إلى دولتي السودان وتشاد، ولقائه رئيسيهما ووزيري الدفاع لمناقشة خروج المقاتلين الأجانب وفق تنسيق دولي، ولقاء بنغازي (شرق) خلال اليومين الماضيين بشأن التنسيق الأمني، وزيارته لمدينة سبها (جنوب) ونتائج اجتماعاته فيها.
وذكر البيان أنّ باتيلي "أشاد باللقاء الذي عُقد خلال الأيام الماضية بحضور كافة عمداء ليبيا تحت رعاية الحكومة، الذي يُعتبر تأكيداً على وحدة ليبيا واستقرارها، حسب وصفه.
وخلال اللقاء "قدمت وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش إحاطة حول جهود وزارة الخارجية بشأن الملف التشادي والسوداني، والمصالحة بين الأطراف المتصارعة للبناء عليها ضمن جهود البعثة الأممية"، وفق المصدر نفسه.
وشهد حراك باتيلي نشاطاً في المسار العسكري أخيراً، فبعد مشاركته في المشاورات العسكرية بين أعضاء لجنة "5+5"، وعدد من القادة العسكريين والأمنيين من غرب وشرق البلاد التي انعقدت في طرابلس، في 26 مارس/ آذار الماضي، أجرى عدة زيارات لدول السودان وتشاد والنيجر لمناقشة ملف إخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا، الأسبوع الماضي، قبل أن يعود للمشاركة في الاجتماع الثاني للقادة العسكريين والأمنيين الذي احتضنته بنغازي، السبت الماضي.
ولم يظهر بيانا الاجتماعات العسكرية في بنغازي وطرابلس أي نتائج جديدة، فقد تضمنا تعهد المجتمعين بتقديم "كافة أشكال الدعم لتأمين الانتخابات"، وكذلك "مواصلة العمل في طريق توحيد المؤسسات العسكرية من خلال رئاسات الأركان، وتوحيد المؤسسات الأمنية وباقي مؤسسات الدولة".
وفي ملف المقاتلين الأجانب والمرتزقة، دعا المشاركون في اجتماعي بنغازي وطرابلس المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لإخراج المقاتلين الأجانب والمرتزقة، ورفض استمرار وجودهم في الأراضي الليبية.
وفي كلمته الافتتاحية لاجتماع بنغازي، عبّر باتيلي عن أمله في أن يهيئ تعاون القادة العسكريين "الظروف اللازمة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا"، وقال متوجهاً بحديثه للمجتمعين: "آمل أن تكونوا قادرين على المُضي قدماً نحو اعتماد ميثاق شرف يرسم معالم بيئة سياسية مؤاتية، تلتزم بتأمين انتخابات حرة ونزيهة في عام 2023 وبتأييد نتائجها".
ووصف باتيلي اجتماع بنغازي بأنه "رمز لليبيا الجديدة، بأن تقف على قدميها مرة أخرى، وتكون ذات سيادة"، وقال: "هذا الاجتماع بين الإخوة هدية كبيرة، تعزز المصالحة، وتفتح الباب أمام عقد اجتماعات داخل ليبيا"، مشيراً إلى أنه يأتي في إطار النهج الشامل الذي نتبعه لمعالجة أزمة البلاد التي طال أمدها.
وصرح مصدر عسكري مقرب من اجتماعي طرابلس وبنغازي، في حديثه مع "العربي الجديد" بأنّ بياني الاجتماعين يترجمان حالة عدم التقدم، مشيراً إلى أنّ الاجتماعين كانا بمثابة جس نبض واستكشاف للنوايا، رغم تأكيده أنّ أهم بند كانت المشاورات الجارية تهدف لمناقشته قد طُرح خلال الاجتماعين.
وأوضح المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أنّ البند يتعلق بتشكيل قوة عسكرية مشتركة "ينتشر عناصرها في مناطق حيوية في جنوب البلاد لتأمينها، خاصة الحدود الجنوبية وحقول النفط، وكذلك لتأمين العملية الانتخابية في حال الاتفاق على إجرائها"، معتبراً أنّ إعلان معسكري شرق وغرب البلاد عن عزمهما إطلاق سراح محتجزين لديهما "يعد انعكاساً واضحاً لأجواء الاستكشاف وجس النبض لدى قادة الطرفين".
وأكد المصدر أنّ الأجواء كانت إيجابية في كلا الاجتماعين، إلا أنّه قال إنّ تشكيل القوة العسكرية تعثر لأسباب عديدة، موضحاً أنّ منها "انتظار نتائج اتصالات تجريها البعثة الأممية مع قيادات عسكرية من الجنوب الليبي لضمها لأعمال لجنة (5+5)، وهناك مواقف متحفظة من قبل بعض الدول بسبب مخاوفها من عدد من المسائل المتصلة بالتسليح وضمان التزام الأطراف بمهام القوة".
وينتقد الأكاديمي والباحث السياسي أحمد العاقل، نشاط باتيلي في المسار العسكري مقابل تراجع نشاطه في دفع مجلسي النواب والدولة ولجنة "6+6" المنبثقة عنهما لصياغة القوانين الانتخابية، معتبراً أنّ اتجاهه في طريق تنشيط المسار العسكري "يهدف إلى تسريع خطوات جمع كلمة القادة العسكرية لضمان تأمين العملية الانتخابية أولاً، ولضمان قبولهم بالنتائج".
وأقرّ العاقل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بأنّ "أفكار باتيلي منطقية جداً، فهو يدرك أنّ من يملك السلاح هو من يملك على حقيقة قبول أو رفض نتائج الانتخابات"، إلا أنّه يرى في ذات الوقت أنها "غير واقعية، فحصد نتائجها يحتاج مساراً أطول من المتوقع، ونحن نرى الآن اجتماعين في طرابلس وبنغازي في مستوى تمثيل القادة العسكريين، إلا أن أي شيء لم ينبثق عنهما، ولو وصل باتيلي إلى شيء لسارع للإعلان عنه".
وأضاف أنّ "على باتيلي البحث أيضاً عن مواقف القوى الخارجية التي تقف وراء قادة السلاح في ليبيا، وهو ما لم يحدث حتى الآن"، ولذا فمسار المشاورات العسكرية لا يزال طويلاً "إذا كان باتيلي يعتبر أنّه الخطوة الأولى في طريق إنجاح إجراء الانتخابات خلال العام الجاري، يبدو أنّ الأمر يلزمه وقت أطول من زاوية تفاهم العسكريين، وكان عليه ألا يهمل صياغة القوانين الانتخابية بدفع مجلسي النواب والدولة نحوهما".
لكن في المقابل، يرى الناشط السياسي مالك هراسة، أنّ تراخي باتيلي في تنشيط التقارب بين المجلسين "يبدو مقصوداً، فقد تمكّن من عزلهما، أو على الأقل التقليل من هيمنتهما على قرار الانتخابات وإجرائها".
ويضيف هراسة لـ"العربي الجديد": "صار الرأي العام يدرك قدرات الأطراف وحجم قوتها، فبعدما كان الجميع يعتقد أنّ مجلسي النواب يملكان قرار إجراء الانتخابات، أوضح باتيلي أنّ هناك قوى أخرى يمكنها أنّ تقوض نفوذ المجلسين، وأعني القوى العسكرية وقادتها".
ووفقاً لهراسة، فإنّ عدم إفصاح باتيلي عن التفاصيل "يهدف إلى كسر الانسداد في طريق الانتخابات بتشكيل لجنة ليبية موسعة تعمل على التوافق على أسس قانونية ودستورية للانتخابات".
وتابع هراسة: "الجدل كان يدور حول صلاحيات وعضويات هذه اللجنة، والآن اتضح أنّ القوى العسكرية وقادتها سيكونون الأكثر فاعلية فيها"، لافتاً إلى أهمية مشاركتهم، موضحاً: "العائق الأساسي في القوانين الانتخابية يتعلق بمادتي ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية، ويبدو أنّ باتيلي أدرك أنّ العسكريين هم من يملكون الكلمة الفصل بين المادتين الخلافيتين، وبالتالي فالمشاورات العسكرية يمكن أنّ يبني عليها باتيلي الكثير من النجاحات".