لائحة قانون العمل الأهلي في مصر: بين النصوص السيئة والتهديدات

28 نوفمبر 2020
تخشى جهات التمويل الأجنبية إهمال ملفات التحول الديمقراطي (الأناضول)
+ الخط -

تترقب الأوساط الحقوقية في مصر صدور اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي، عقب إعلان الحكومة إقرارها في اجتماعها أول من أمس، الخميس، بعد نحو تسعة أشهر من التأخر غير معلن الأسباب، إذ كان من المفترض إصدارها قبل 21 فبراير/ شباط الماضي، وذلك بعد عام تقريباً من صدور القانون الذي عجزت الدولة ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية والاجتماعية عن تطبيقه بلا لائحة.

ويتضمن القانون 149 لسنة 2019 الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في صيف العام الماضي، نصوصاً عديدة كانت تهدف وقت إصدارها لمغازلة الدول الأجنبية والجهات المانحة لاستئناف إرسال مساعداتها ودعمها المالي لمصر، وتمويل الأنشطة التنموية والثقافية والصحية والدراسية، بعد توقفها بصورةٍ شبه كاملة منذ صدور القانون السابق الملغى سيئ السمعة رقم 70 لسنة 2017.

وأصدر السيسي القانون الحالي مباشرةً بعد قرار المفوضية العليا لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة إلغاء المؤتمر الذي كان مقرراً عقده في مصر يومي 4 و5 سبتمبر/ أيلول من العام الماضي حول مكافحة التعذيب، إثر انتقادات وجهتها منظمات حقوقية للمكان الذي اختارته المنظمة لعقده، وانتقادات دولية لسجل مصر في التعذيب الممنهج.


المخابرات العامة هي صاحبة قرار وتوقيت إصدار اللائحة

ويعكس تأخر إصدار اللائحة التنفيذية طوال هذه المدة، اعتياد النظام الحاكم على عدم الالتزام بالمواعيد التي تنص عليها التشريعات بصورها المختلفة، وعلى رأسها القوانين التي ينص الدستور على إصدارها لتنظيم مجالات معينة، وكذلك عدم الالتزام بمواعيد إصدار اللوائح التنفيذية للقوانين باعتبارها "مواعيد تنظيمية وليست إلزامية".

كما يعكس التأخر فشل الحكومة في الوصول إلى صيغة ملائمة لجميع الجهات المهتمة بالعمل الأهلي، داخلياً وخارجياً، وانغماسها في محاولات فاشلة للتغلب على تعدد وتناقض الآراء الصادرة من تلك الجهات؛ مع الصياغات التي تقترحها وزارة التضامن الاجتماعي وضدها.

وفي السياق، قال مصدر حكومي في الوزارة لـ"العربي الجديد"، إنّ المخابرات العامة هي صاحبة قرار وتوقيت إصدار اللائحة في المقام الأول، وليست وزارة التضامن الاجتماعي المسند إليها قانوناً تطبيق القانون، خصوصاً أنها الجهة صاحبة التدخل الأكبر في النصوص المقترحة، وتفصيل مواد القانون التي من المنتظر أن تحدث ارتباكاً في التطبيق، لا سيما بشأن الجمعيات الحقوقية والمنظمات الأجنبية المانحة وأنشطة العمل الأهلي المختلفة.

وذكر المصدر أنّ الوزارة أعدت خلال العام الحالي خمس مسودات للائحة، كانت للمخابرات دائماً اعتراضات عليها. كما اعترض الأمن الوطني على بعض النصوص، فيما اعترضت بعض الجهات الأجنبية، وبصفة خاصة السفارات - التي طلبت الاطلاع على اللائحة من باب الاطمئنان لإبداء مصر حسن النوايا إزاء الجهات المانحة - على عدد من النصوص التي تضمنتها مسودة عرضت في الصيف الماضي. وكشف أن المسودة التي ستصدر اللائحة بمعظم نصوصها الآن لم تعرض على السفارات، مشيراً إلى أن هذا الأمر من المسائل التي أثارت حساسية بين الأخيرة والحكومة خلال الفترة الماضية، حتى قبل الهجمة الأمنية الأخيرة على "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" على خلفية زيارة 13 سفيراً لها في مطلع الشهر الحالي.

وعن دور الوزيرة السابقة فايزة أبو النجا، مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي، والتي شاركت بفاعلية في صياغة النص النهائي للقانون، قال المصدر إنها سبق واعترضت على بعض الأفكار الواردة في اللائحة التي أعدتها الوزيرة السابقة غادة والي قبل تركها الوزارة للعمل بالأمم المتحدة. وفي المسودة الأخيرة، أصرت أبو النجا على وضع نصوص تشدد قبضة الجهة الإدارية على المنظمات من خلال الإجراءات العقابية الإدارية المتمثلة في الغلق والحل ومصادرة الأموال.


المسودة التي ستصدر اللائحة بمعظم نصوصها الآن لم تعرض على السفارات

وذكر المصدر أنه على الرغم من وجود تعاون بين الجهات الغربية المانحة ووزارة التعاون الدولي والجمعيات الأهلية الموالية للنظام التي تسيطر عليها المخابرات، فإن هناك قصوراً كبيراً في التمويل منذ صدور قانون عام 2017 بسبب عزوف عدد كبير من الجهات المانحة، لا سيما في مجالات الثقافة والتعليم والحقوق السياسية، عن ضخ أموالها في مصر، لحساب دول أخرى في المنطقة العربية أو المحيط الأفريقي، وتحديداً الأردن وتونس والسودان وإثيوبيا.

وتخشى جهات التمويل الأجنبية من استخدام اللائحة الجديدة في تحديد أنماط بعينها للأنشطة محل التمويل، وإهمال الملفات الخاصة بالتحول الديمقراطي والمساعدة القانونية للسجناء والتثقيف والتعليم والتدريب، وذلك باستخدام الألفاظ المائعة وحمّالة الأوجه التي يزخر بها القانون وتثير شكوك الجهات الغربية في نوايا النظام الحاكم. مثل "النظام العام، والأمن القومي، والآداب العامة" في ما يتعلق بضوابط عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ما يمنح الوزارة المعنية، والوحدة الجديدة التي ستنشأ بها لمتابعة عمل تلك المنظمات، مساحةً للتضييق والعقاب، وحتى التصفية.

وهناك خمس مواد في القانون تستخدم تلك التعبيرات كأمورٍ لا يجوز الإخلال بها لحماية الجمعية الأجنبية من الحل، إذ يُشترط لإنشائها أن يكون لها نظام أساسي مكتوب يتفق مع نموذج تحدده اللائحة التنفيذية التي ستصدر للقانون، وموقع عليه من جميع المؤسسين. ويجب ألا يتضمن هذا النظام الأساسي أي مواد تنص على الإخلال بتلك المصطلحات الثلاثة، التي تزخر بها التشريعات المصرية، وتستخدم غالباً لتوسيع رقعة التجريم.

كما يحظر القانون على الجمعيات ممارسة أنشطة حزبية أو نقابية أو تكوين جمعيات بشكل سري، وهذا يعتبره الغربيون أمراً طبيعياً، لكن ليس من الطبيعي أن يحظر القانون على الجمعيات "ممارسة أنشطة من شأنها الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة أو الوحدة الوطنية أو الأمن القومي"، من دون توضيح المقصود بهذه المصطلحات. فهناك العديد من الفعاليات والأنشطة التي يمكن اعتبار أنها تهدد النظام العام من قبل سلطات أو أجهزة متطرفة في تقييد المجال العام، أو أنها مغالية في تطبيق القانون.

ويعيد القانون في موضعٍ آخر التأكيد على "حظر تمويل نشاط يدخل في نطاق عمل الأحزاب، أو النقابات المهنية، أو العمالية أو ذي طابع سياسي أو ديني، أو يضر بالأمن القومي للبلاد، أو النظام العام، أو الآداب العامة، أو الصحة العامة، أو يحض على التمييز أو الكراهية أو إثارة الفتن". وهو ما يعبّر، بحسب تلك الجهات خلال مفاوضاتها مع المسؤولين المصريين، عن قلق الحكومة من تحركات المنظمات الأجنبية غير الحكومية، ورغبتها في إحكام وثاقها وعدم فتح مساحات أمام هذه المنظمات للعمل في المجالات السياسية والثقافية والحقوقية تحديداً، خصوصاً مع استخدام مصطلح "إثارة الفتن" الذي يمكن استغلاله لمنع أنشطة كثيرة في تلك المجالات المزعجة للنظام المصري.


تخشى جهات التمويل الأجنبية من استخدام اللائحة الجديدة في تحديد أنماط بعينها للأنشطة محل التمويل

وفي مادة أخرى، يجيز القانون لوزير التضامن الاجتماعي أن يصدر قراراً بإيقاف النشاط أو إلغاء التصريح من الأساس، وذلك فقط لـ"أسباب تتعلق بتهديد الأمن القومي أو السلامة العامة أو الإخلال بالنظام العام"، من دون اللجوء إلى القضاء. وهنا تخشى الجهات الغربية من الترصد بالمنظمات الأجنبية والمحلية المدعومة منها، فضلاً عن كون المادة تسمح بتدخلات إدارية مباشرة في أي وقت لوقف الأنشطة أو منع التمويل.

وسبق أن قالت مصادر دبلوماسية لـ"العربي الجديد"، إن الجهات المانحة والسفارات "لن تخاطر بالدخول في تمويل مشروعات كبرى للحكومة أو للمجتمع المدني، قبل اختبار جدية النظام في عدم الاستخدام السلبي لعدد كبير من الألفاظ والأحكام المطاطة التي يزخر بها القانون، من خلال اللائحة التنفيذية وما سيتبعها من تصرفات. إلى جانب مطالبتها بأن تتضمن اللائحة تعريفاً وتحديداً دقيقاً لمعاني تلك الألفاظ، بما لا يفتح باباً للتأويل غير المسؤول".

كما ترغب الجهات المانحة والسفارات في تجريب عمل الوحدة الجديدة داخل وزارة التضامن، والتي تحمل اسم "الوحدة المركزية للجمعيات والعمل الأهلي" التي ستخضع لإشرافها المنظمات الأجنبية، وستقوم بنفس أدوار الإدارة المركزية للجمعيات والاتحادات القائمة حالياً في وزارة التضامن. وستختص هذه الوحدة بالإشراف والرقابة على الجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية، ومتابعة إجراءات تطبيق القانون ولائحته التنفيذية، وإعداد ونشر الدراسات والمعلومات والإحصاءات الخاصة بالجمعيات والاتحادات والمؤسسات الأهلية والمنظمات الأجنبية غير الحكومية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

وقبل أيام، قالت مصادر حكومية في مجلس الوزراء ووزارة العدل لـ"العربي الجديد"، إن الهجمة على "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، أخيراً، عبر اعتقال ثلاثة من أعضائها، "مقصودة تماماً في هذا التوقيت لاختبار مدى جدية الدول الغربية في الدفاع عن الوضع الحقوقي في مصر واستكشاف المجالات التي من الممكن أن تتأثر بردود الفعل الغاضبة، من جانب، ومن جانب آخر، لتوجيه تحذير شديد اللهجة للمجتمع الحقوقي المصري بضرورة الالتزام بالحدود التي سيضعها النظام في اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي، والتي من المقرر، وفقاً لمجلس الوزراء، أن تصدر مطلع الشهر المقبل".

وتوقعت المصادر أن تشهد الفترة المقبلة هجمة تصعيدية جديدة على المنظمات الحقوقية بدعوى مخالفتها القانون واللائحة بعد إصدارها وإيجاد مخالفات مالية وضريبية. وفي ظل خلو القانون الجديد من أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم العديدة المذكورة فيه، فسوف يكون الأسلوب الأمثل للتنكيل، من وجهة نظر الدولة، هو تصفية بعض المنظمات القليلة الباقية ومصادرة أموالها. يذكر أن المعتقل الأول من ثلاثي "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهو مديرها الإداري محمد بشير، صدر قرار بتجديد حبسه، أول من أمس، من دون حضور محاميه أو نقله إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا.