اعتقالات "المبادرة المصرية": السيسي يختبر الردود الدولية ويرهب الحقوقيين

25 نوفمبر 2020
الحملة على ناشطي المبادرة جاءت بعد أيام من استضافتها مسؤولين أوروبيين (تويتر)
+ الخط -

عقدت أول من أمس الإثنين، جلسة تحقيق في نيابة أمن الدولة العليا بالقاهرة مع النشطاء الحقوقيين الثلاثة المعتقلين من "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، جاسر عبد الرازق وكريم عنارة ومحمد بشير، وسط تضامن حقوقي واسع في مصر والعالم، وتوقعات مختلطة بعضها يرى إمكانية إقدام النظام المصري على تحقيق انفراجة، استجابة للضغوط الغربية السياسية والدبلوماسية، وبعضها يتوقع عدم تغيير النظام سياسته في الوقت الحالي انتظاراً لمزيد من الإشارات الآتية من واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي.

وبعيداً عن الإجراءات القانونية التي تغلّف الطبيعة السياسية للقضية، قالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إنه على الرغم من التناول الإعلامي المكثف خارج مصر للقضية ودعوات الإفراج عن النشطاء الصادرة من معظم وزارات الخارجية وهيئات أممية وقيادات كبرى بالحزب الديمقراطي الأميركي، فإنّ تقييم المخابرات العامة والأمن الوطني للموقف يختلف تماماً عما قد يبدو عليه الأمر. إذ يرى النظام أنّ الضغوط حتى الآن ضعيفة وليست على قدر مستوى الحدث، وأن التوقعات الأمنية تحديداً كانت تحذّر من اتخاذ بعض العواصم قرارات أو خطاباً أكثر حدة، لكن هذا لم يحدث. وفي الوقت نفسه، فإنّ تقارير تقدير الموقف الدبلوماسية التي قدمت لدائرة الرئيس عبد الفتاح السيسي تبدو أقل تفاؤلاً، فمع الإقرار بصعوبة تحول البوصلة في العلاقات ذات الطبيعة العسكرية والاستخباراتية والاقتصادية، إلا أنّ هناك تحذيرات من تحولات بطيئة يمكن أن تصيب مجالات التعاون الأمني والتنموي على المدى الطويل.


يرى النظام المصري أنّ الضغوط حتى الآن ضعيفة وليست على قدر مستوى الحدث

وأضافت المصادر أنّ قرار اعتقال مدير المبادرة جاسر عبد الرازق، وهو ناشط يساري ينتمي لعائلة شهيرة لها احترامها وصلاتها القوية، صدر خصيصاً للتعرّف على ما يمكن للعواصم الغربية المهتمة أن تفعله في مثل هذه الظروف. وبمعنى آخر، اختبار إلى أي مدى سيصل رد الفعل الغربي وهل سيقتصر على الشجب والإدانة الخاوية غير المؤثرة على العلاقات الثنائية بين مصر ودول لها مصالح اقتصادية كبرى ومتنامية معها كألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبالطبع الولايات المتحدة.

وذكرت المصادر أنّ التصور القائم حالياً لدى الأجهزة، يتجه إلى إمكانية استخدام مسألة معتقلي المبادرة لتقديم قربان للرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن عقب دخوله البيت الأبيض، إلا في حالة صدور قرار من دائرة السيسي شخصياً بتسوية القضية سريعاً.

وأوضحت المصادر أن هذا السبب السياسي كان وحده وراء ضم النيابة المعتقلين إلى القضية 855 لسنة 2020، التي تتضمن عدداً كبيراً من المتهمين الذين لا تجمعهم أي روابط تنظيمية أو تنسيقية وتوجه لهم اتهامات متنوعة بعضوية جماعة إرهابية محظورة، واستخدام حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الإشاعات الهادفة للإخلال بالسلم والأمن العام. إذ إنّ مثل هذه القضايا، يسهل غلقها وعدم استكمال التحقيقات فيها وصولاً للمحاكمة، وبالتالي فهي من نوعية القضايا التي تفتح فقط ليستمر اعتقال المواطنين تحت مظلتها لحين البت في مصيرهم من منظور سياسي بحت.

وفي سياق متصل، قالت مصادر حكومية في مجلس الوزراء ووزارة العدل، لـ"العربي الجديد"، إنّ الهجمة على المبادرة "مقصودة تماماً في هذا التوقيت لاختبار مدى جدية الدول الغربية في الدفاع عن الوضع الحقوقي في مصر واستكشاف المجالات التي من الممكن أن تتأثر بردود الفعل الغاضبة، من جانب. ومن جانب آخر لتوجيه تحذير شديد اللهجة للمجتمع الحقوقي المصري بضرورة الالتزام بالحدود التي سيضعها النظام في اللائحة التنفيذية لقانون العمل الأهلي، والتي من المقرر، وفقاً لمجلس الوزراء، أن تصدر مطلع الشهر المقبل".

وأضافت المصادر أنّ أجهزة النظام تحاول فرض الأمر الواقع على الدول الغربية المانحة المهتمة بالوضع الحقوقي والعمل الأهلي، والتي كانت راغبة في التدخل لتعديل قواعد التعامل مع المنظمات العاملة في هذا المجال، خصوصاً في ظلّ تأخر إصدار اللائحة التنفيذية التي كان من المفترض إصدارها قبل الحادي والعشرين من فبراير/شباط الماضي، بعد عام تقريباً من صدور القانون، وعجز الدولة والمنظمات عن تطبيقه بلا لائحة. وقد طلبت سفارات عدة عرض المسودة النهائية للائحة عليها أسوة بما حدث خلال فترة إعداد القانون والمسودة الأولى للائحة الشتاء الماضي.


هناك إمكانية لاستخدام مسألة معتقلي المبادرة لتقديم قربان لبايدن عقب دخوله البيت الأبيض

وتوقعت المصادر أن تشهد الفترة المقبلة، سواء استمر اعتقال نشطاء المبادرة أو أفرج عنهم، هجمة تصعيدية جديدة على المنظمات الحقوقية بدعوى مخالفتها القانون واللائحة بعد إصدارها وإيجاد مخالفات مالية وضريبية. وفي ظلّ خلو القانون الجديد من أي عقوبة سالبة للحرية في الجرائم العديدة المذكورة فيه، فسوف يكون الأسلوب الأمثل للتنكيل من وجهة نظر الدولة، هو تصفية بعض المنظمات القليلة الباقية ومصادرة أموالها.

وكانت مصادر دبلوماسية أوروبية قد كشفت لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، عن إجراء اتصالات بين عدد من السفارات الأوروبية في القاهرة بهدف التنسيق لاتخاذ خطوات "موحدة وصارمة" على خلفية الهجمة الأمنية الحالية. وتعتبر الدول الأوروبية المعنية أن هذا التصعيد يوجه رسائل عدة إليها بشكل مباشر، إذ تأتي الهجمة الأمنية على "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، بعد أيام من استضافتها عدداً من سفراء ونواب سفراء دول الاتحاد الأوروبي ومفوضية الاتحاد، في لقاء حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر، حضره سفراء ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والسويد وإيطاليا وهولندا وفنلندا، وغيرها من الدول النشطة في علاقاتها مع مصر في مجالات اقتصادية واجتماعية مختلفة.

وانتقدت مصر مرتين خلال خمسة أيام، بيانات الإدانة والشجب الغربية، ناسبةً في الانتقادين لنشطاء المبادرة المصرية اتهامات لم توجهها لهم النيابة حتى الآن، منها تلقي تمويل بالمخالفة للقانون، وأنّ المبادرة مسجلة كشركة وتمارس أنشطة أخرى بالمخالفة لما يقضي به قانون العمل الأهلي. كما اتهمت القاهرة الدول الغربية بمحاولة التأثير على مجريات التحقيق.