قيس سعيّد يدعو التونسيين للتصويت على مشروع دستوره مهاجمًا معارضيه

قيس سعيّد يدعو التونسيين للتصويت على مشروع دستوره مهاجمًا معارضيه: "قولوا نعم"

05 يوليو 2022
الكثير من الصلاحيات سيصبح بيد سعيّد في حال التصويت بنعم (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

نشر الرئيس التونسي، قيس سعيّد، بياناً انتخابياً، صباح اليوم الثلاثاء، دعا فيه التونسيين إلى التصويت بـ"نعم" على مشروع الدستور الجديد في الاستفتاء الذي سيُجرى يوم 25 يوليو/تموز الحالي.

وقال سعيّد مخاطباً التونسيين: "قولوا نعـم حتى لا يصيب الدولة هرم، وحتى تتحقق أهداف الثورة، فلا بؤس ولا إرهاب ولا تجويع ولا ظلم ولا ألم".

وأضاف في بيانه: "الجميع يعلم ما عانته تونس منذ عقود، وآخرها العقد الأخير، يعلم المحاولات المتكررة لضرب وحدة الدولة والتنظّم داخل مؤسساتها للانحراف بها عن خدمة المواطنين وفق ما تقتضيه مبادئ تسيير المرافق العمومية وأهمها الحياد والمساواة"، مشيراً إلى أن "الجميـع يتذكر كيف أفلت الكثيرون من المحاسبــة، فزاد الفساد انتشارا، وتفاقمت أوضاع الشعب على كل صعيد. فساد وافتعال للأزمات، فلا يكاد ينتهي التصدي لأزمة، إلا ويتم اختلاق أزمة جديدة لصرف أنظار الشعب عن مطالبه المشروعة التي رفعها في ديسمبر 2010 (الثورة التونسية) وما فتئ يرددها منذ ذلك التاريخ".

ووصف الوضع بأنه "تفقير وتنكيل ومغالطات ومناورات، وقوانين توضع، ويعلم من وضعها أنها لن تجد طريقها إلى التنفيذ، وقوانين أخرى توضع على المقاس لخدمة هذا الطرف أو ذاك كما وضع دستور سنة 2014، يجد فيه كل طرف نصيباً".

وقال إنهم "أفرغوا خزائن الدولة وسائر المؤسسات والمنشآت العمومية، وزاد الفقراء فـقـرا وإملاقا، وزاد الذين أفسدوا في كل مكان ثراء خارج أي إطار شرعي ومشروع، وكان الشعب التونسي في الداخل والخارج يتابع ويحتج لأنه لم تعد تخفى عليه خافية".

وزعم سعيد كذلك أن الشعب التونسي "كان يتابع، وكله حسرة على ما يحصل داخل مجلس نواب الشعب المنحل، فلا تشريعات تحقق مطالبه وآماله، ولا ممارسات مقبولة على أي مقياس من المقاييس. سب وشتم وهتك للأعراض، بل وتبادل للعنف حتى سالت الدماء"، مضيفا: "وقد طالب في إحدى المناسبات، عدد غير قليل من أعضاء هذا المجلس المنحل حله، هذا فضلا عن الدعوات الشعبية، في كل مكان التي كانت تتصاعد مطالبة بهذا الحل".

وادعى أن "الواجب المقدس والمسؤولية التاريخية اقتضيا أن يتم تجميد عمل المجلس قبل حله لإنقاذ الشعب وإنقاذ مؤسسات الدولة التي كانت على وشك الانهيار"، مضيفاً أنه "كان لا بد من التفكير الجدي في وضع دستور جديد، ولأن عملية الوضع يجب أن تكون ديمقراطية، تم الاختبار على تنظيم استشارة وطنية علاوة على حوار وطني قبل وضع مشروع دستور جديد ليعرض يوم 25 من جويلية (يوليو/تموز) الحالي على صاحب السيادة، عليكم أنتم يا شعبنا العظيم".

وأوضح "لم يوضع هذا المشروع، إلا بناء على ما عبر عنه الشعب التونسي منذ اندلاع الثورة إلى غاية اتخاذ قرار تصحيح مسارها يوم 25 جويلية 2021".

وأكد سعيّد أن "هذا المشروع المطروح عليكم، يا أبناء شعبنا العظيم، هو من روح الثورة ومن روح مـسـار التصحيح، ولا خوف على شعب قدم آلاف الشهداء والجرحى وردد شعاره التاريخي "الشعب يريد"".

وعرج سعيّد على بعض الانتقادات التي طاولت مشروع الدستور، وقال إن "بعضهم يردد أن هذا المشروع يهيئ لاختلال التوازن بين الوظائف، ألا ينظرون في القانون المقارن، ألا ينظرون في التاريخ، ألا يعلمون أن التوازن لا يختل بالنصوص، ولكن حين يهيمن حزب واحد أو تحالف واحد على كل مؤسسات الدولة".

وشدد على أن "الدستور روح قبل أن يكون مجرد مؤسسات، وهذا المشروع المعروض عليكم يعبر عن روح الثورة، ولا مساس فيه على الإطلاق بالحقوق والحريات".

وأوضح أن "الغاية من إنشاء مجلس وطني للجهات والأقاليم هي مشاركة الجميع في صنع القرار، فمن تم تهمیشه سيسعى بطبيعته إلى وضع النصوص القانونية التي تخرجه من دائرة التهميش والإقصاء، والمهنة الأولى للدولة هي تحقيق الاندماج، ولن يتحقق هذا الهدف إلا بتشريك الجميع على قدم المساواة في وضع التشريعات التي تضعها الأغلبية الحقيقية تحت الرقابة المستمرة لصاحب السيادة، وهو الشعب".

وأكد سعيّد أنه "لا خوف على الحريات والحقوق إذا كانت النصوص القانونية تضعها الأغلبية تحت الرقابة الشعبية سواء داخل المجلس الأول أو المجلس الثاني، هذا فضلا عن رقابة دستورية القوانين من قبل محكمة دستورية تسهر على ضمان علوية الدستور، بعيدا عن كل محاولات التوظيف بناء على الولاء لهذا أو لذاك".

وردّ سعيّد على "من دأب على الافتراء والادعاء أن مشروع الدستور يهيئ لعودة الاستبداد، لأنه لم يكلف نفسه عناء النظر في كل بنوده وأحكامه، بل لم ينظر لا في تركيبة المحكمة الدستورية، ولا في إمكانية سحب الوكالة، ولا في حق المجلس في مساءلة الحكومة، ولا في تحديد حق الترشح لرئاسة الدولة إلا مرة واحدة".

ومضى يقول: "فما أبعد ما يروجونه عن الحقيقة، وما أبعد ما يفترون ويذيعون عن الواقع. إن التاريخ لن يعود أبدا إلى الوراء، فلا خير في التاريخ إن كان سيعيد نفسه، ولن يعيد نفسه بكل تأكيد، هذا فضلاً على أن المجلسين النيابيين لهما حق مراقبة الحكومة، وللشعب خاصة حق مراقبة أعضاء مجلس نواب الشعب ونواب المجلس الوطني للجهات والأقاليم، وأكثر من ذلك، له حق سحب الوكالة من أعضاء كل واحد من هذين المجلسين".

ويتوج مشروع دستور "الجمهورية الجديدة" مسارا كاملا انطلق في 25 يوليو 2021 فرضه الرئيس قيس سعيد منذ سنة تقريبا، عبر الاستحواذ على جميع السلطات ضمن ما أسماها "إجراءات استثنائية" قال في ما بعد إنها "مسار إصلاحي تصحيحي" لـ"أخطاء العشرية السوداء"، حسب تعبيره، غير أن معارضيه، ضمن طيف واسع من المشهد السياسي، وصفوها بـ"الانقلاب"، وأن قراراته "ضربٌ للثورة التونسية".

وشهدت عملية صياغة الدستور انتقادات واسعة من قبل الخبراء والأحزاب والمنظمات، الذين قالوا إنه يؤسس لـ"الديكتاتورية وحكم الفرد".

وأمس الأول الأحد، فجّر الصادق بلعيد، رئيس اللجنة الاستشارية التي تولت كتابة مشروع الدستور الجديد لتونس بطلب من الرئيس قيس سعيّد، مفاجأة، بإعلانه التبرؤ من مسودة الدستور التي نشرت تمهيداً للاستفتاء عليها، كاشفاً أن سعيّد أدخل تغييرات جوهرية على النسخة المقدمة إليه من اللجنة. وتكمن المفاجأة ليس فقط بتبرؤ بلعيد من مسودة الدستور، بل لأنه كان ينظر إليه خصوصاً على أنه من بين أكثر المقربين للرئيس التونسي.

ورغم أن "اللجنة الاستشارية من أجل بناء الجمهورية الجديدة" أنيطت بدور استشاري غير ملزم، وكان أعضاؤها يدركون أن الرئيس في النهاية هو صاحب القرار النهائي، إلا أن الصدمة كانت واضحة في تصريحاتهم بعد استبدال شبه كامل لمقترحهم، ونشر دستور جديد مختلف بصياغة لا يرقى شكّ إلى أنها من سعيّد نفسه.

وبحسب تصريحات بلعيد وعدد آخر من الأعضاء، تمتد الفروق بين النسختين لتشمل نقاطاً جوهرية عديدة، بما يؤكد أن سعيّد وضع الجميع أمام أمر واقع فارضاً ما يريده فقط. وراوغ سعيّد الجميع، حتى الذين كانوا يتصورون أنهم قريبون من أفكاره، بما في ذلك أعضاء اللجنة الاستشارية الذين ضرب بمسودتهم عرض الحائط، ليظهر أنه استخدمهم كمجرد واجهة تضفي مشروعية حوار شكلي على دستور هو أصلاً في أحد أدراج مكتبه.

"جبهة الخلاص": الدستور المعروض يهدد بالعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي المطلق

إلى ذلك، قالت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة في تونس إنّ "مسار الإعداد لهذا المشروع (مشروع الدستور) جاء في سياق الانقلاب على الشرعية الدستورية والانفرادِ بالقرار واحتكار كلّ السّلطات"، مشددة على أنه خلال الإعداد لمشروع الدستور أقصيت "الأحزاب ومنظّمات المُجتمع المدني والشخصيات الوطنية المستقلة من كلّ حوار أو تشاور حول مُستقبل البلاد وما تقتضِيه من إصلاحات، وأُحيطت صياغته بجوّ من التكتّم والسرية دفع بالكثير من المشاركين في الاستشارة إلى الانسحاب منها حتى بلغ الأمر برئيس اللجنة الاستشارية ذاته إلى التبرؤ من المشروع".

وأكدت الجبهة في بيان لها، اليوم الثلاثاء، أن" مشروع الدستور المقترح يمثل رِدّةً تهدد بالعودة بالبلاد إلى الحكم الفردي المطلق الذي عانت منه لمدة تزيد عن خمسة عقود حتى جاءت ثورة 17 ديسمبر-14 يناير لترسيَ حكما قائما على الفصل بين السلطات أشاع الحريات وضمن الحقوق عبر مختلف الأجيال".

وقالت إن "هذا المشروع فضلا عن إسنادهِ كامل السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية (تعيين الحكومة وإقالة أعضائها، السلطة الترتيبية العامة، الخ) فهو يمنحهُ صلاحيات واسعة في الميدان التشريعي (المبادرة التشريعية، المراسيم، حق الرد، العرض على الاستفتاء، الخ... ) ويجرد عمليا المجلس النيابي من كل سلطة رقابية على الحكومة وعلى أعمال السلطة التنفيذية برمتها".

وتابعت "إضافةً إلى ذلك فهو يضعف السلطة القضائية، إذ ألغى المجلس الأعلى للقضاء المنتخب وعوّضه بثلاث هيئات يُعين أعضاؤها بالأقدمية كما عوض التركيبة المتعددة والمنتخبة للمحكمة الدستورية بأخرى معينة على أساس الأقدمية أيضا".

وذكر البيان أنه "غابَ عن هذا المشروع الباب السابع من دستور 2014 المتعلق بالسلطة المحلية، كما فُقدت الهيئات الدستورية المستقلة عدا الهيئة المستقلة للانتخابات التي لم يُحدّد المشروع كيفية تعيين أعضائها".

وأكدت أنها "ترفض هذا المشروع وتقاطع الاستفتاء عليه لانبنائه على انقلاب على الشرعية الدستورية ولما يُمثله من عودة للنّظام الرئاسوي المقيت"، معلنة تمسكها بدستور 2014، معتبرة في الآن نفسه أن "إصلاحه يكون نتيجة حوار وطني شامل يحافظ على مبادئ الفصل بين السلطات والتوازن والرقابة المتبادلة بينها شرطا لضمان الحقوق والحريات وسيادة القانون".

وتوجّهت "جبهة الخلاص الوطني" بنداء إلى "كافّة القوى الوطنية بأن تتعالى عن خلافاتها، وأن توحد كلمتها استجابةً لنداء الوطن فتتحرّك بصوتٍ واحد لإفشال الاستِفتاء وإسقاطِ الانقلاب والعودة إلى الشرعية الديمقراطية وإنقاذ تونس من التفكّك والفوضى التي تُهدّدها".