سعيّد يكتب دستوره ويرسم جمهوريته الجديدة

سعيّد يكتب دستوره ويرسم جمهوريته الجديدة

تونس
D8A6CEA0-1993-437F-8736-75AB58052F84
وليد التليلي
صحافي تونسي. مدير مكتب تونس في العربي الجديد.
01 يوليو 2022
+ الخط -

نشرت الجريدة الرسمية التونسية، مساء الخميس، مشروع الدستور الجديد الذي يعرضه الرئيس قيس سعيّد على التونسيين للاستفتاء يوم 25 يوليو/تموز القادم.

ولم يشارك في صياغة هذا الدستور سوى بعض المقربين من سعيّد، بعد إقصاء ومقاطعة أهم الأحزاب والمنظمات وأساتذة القانون الدستوري، ولكن الرئيس كالعادة لم يهتم لذلك، وواصل سيره في اتجاه جمهورية الأمر الواقع، بل ذكر في توطئة الدستور على لسان الشعب التونسي: "وقد عبرنا عن إرادتنا واختياراتنا الكبرى من خلال الاستشارة الوطنية التي شارك فيها مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات في تونس ومن خارجها، وبعد النظر في نتائج الحوار الوطني حتى لا ينفرد أحد بالرأي أو تستبد أي جهة بالاختيار".

ويمكن الاستنتاج سريعا بأن هذا الدستور هو دستور قيس سعيد، يحمل رؤاه وأفكاره التي تحدث عنها أكثر من مرة في خطبه: النظام القاعدي وتركيز السلطات بيد الرئيس وإضعاف دور البرلمان والقضاء والهيئات الدستورية، "والانتماء للأمة"، والدولة التي لا دين لها "ولكنها تعمل على تحقيق مقاصد الإسلام وتحفظ العرض والمال والدين والحرية".

وحتى المصطلحات والمفردات اللغوية والقانونية التي جاءت في الدستور، تكاد تتردد وكأننا في اجتماع لسعيد، خصوصا ما تعلق بالتوطئة، وكتب سعيد كذلك قراءته الشخصية لتاريخ البلاد وثوراتها وذهب إلى حد دسترتها وفرضها على التونسيين لتصبح قراءة رسمية دستورية.

ويؤكد عميد المحامين، ابراهيم بودربالة، أحد أهم داعمي الرئيس سعيد، في تصريح لاذاعة شمس، الجمعة، أن "نص المشروع المنشور لا يتطابق مع ما قدمته اللجان الاستشارية".

ومن بين ما تذكره التوطئة كذلك: "نحن الشعب التونسي الذي صبر وصابر لمدة أكثر من عقد من الزمن إثر هذه الثورة المباركة... لم يلق في المقابل سوى شعارات زائفة، ووعود كاذبة، بل وزاد الفساد استفحالا، وتفاقم الاستيلاء على ثرواتنا الطبيعية والسطو على المال العام دون أي محاسبة. فكان لا بد من موقع الشعور العميق بالمسؤولية التاريخية من تصحيح مسار الثّورة بل ومن تصحيح مسار التاريخ، وهو ما تم يوم 25 من شهر يوليو من سنة 2021، تاريخ ذكرى إعلان الجمهورية".

وفي انتظار تبلور ردود فعل المعارضة، يطرح السؤال اليوم على الساحة التونسية إذا ما كان سعيد قد نجح فعلا في فرض الأمر الواقع، ونجح في اللعب على تناقضات مشهد تونسي متأزم لا يجتمع تحت أي ظروف حتى وإن كان الجميع سيخسر كل شيء.

لانقلاب على الثورة ومسارها فكرة ولدت مع لحظة هروب بن علي، لذلك كان تاريخ الانتقال إلى الديمقراطية تاريخ محاولات الانقلاب عليها

ويعتقد رئيس المعهد العربي للديمقراطية، الوزير الأسبق خالد شوكات: "من المبكر القول بأن الرئيس سعيّد نجح، لأنني لا أعتقد أن تمرير دستور بقوة الأمر الواقع أمر ممكن، كما أن الشعب لم يقل كلمته بعد".

ويضيف، لـ"العربي الجديد": "علينا انتظار نسبة المشاركة، التي يجب ألا تقل في رأيي عن خمسين بالمائة ممن يحق لهم الانتخاب (حوالي 9 ملايين و300 ألف ناخب)، فالدستور المقترح لا يمكنه اكتساب شرعية حقيقية إذا لم يذهب خمسة ملايين تونسي إلى صناديق الاقتراع، ناهيك عن أن يقول ثلثاهم على الأقل نعم لهذا الدستور الذي كتب في الغرف المظلمة التي لطالما هاجمها سعيّد".

واعتبر شوكات أن "الدستور وثيقة تاريخية ذات أهمية قانونية وسياسية استثنائية، ويحتاج إلى مسار تشاركي حقيقي في صياغته وهو ما لم يتوفر للأسف، كما أن الهيئة التي ستشرف على الاستفتاء هيئة مشبوهة بالنسبة لعدد كبير من التونسيين، ولهذا فإن النتيجة سيكون مطعونا في مصداقيتها مهما كان حالها".

تقارير عربية
التحديثات الحية

وعن الخطوات المستقبلية في ظل تواصل انقسام المعارضة، يرى شوكات أن "المعارضة التونسية رغم تشتتها ليست ضعيفة وقد خرجت في عشرات المناسبات وعلى نحو لم يحدث في أي بلد عربي، والمعارضة قادمة من خلفيات أيديولوجية متعددة، ولكنها موحدة في هدفها، أما توحيد الوسائل فهو أمر صعب في كل مكان".

وعن مواجهة الساحة التونسية للأمر الواقع، وكيف نجح الرئيس سعيد في القفز فوق المعارضة واستغلال تناقضاتها، يرد الباحث زهير إسماعيل، عضو تنفيذية مواطنون ضد الانقلاب، أن "مواجهة الأمر الواقع، إذا أريد به إلغاء دستور الثورة، فقد حصل يوم 25 يوليو 2021 عندما أنهى قيس سعيّد تلاوة بيانه الانقلابي حول ما سُمّي بالإجراءات الاستثنائية. يومها صرّح كبار مراجع القانون الدستور في تونس وفي مقدّمتهم البروفيسور عياض بن عاشور بأنّ ما حصل انقلاب على الدستور وعلى كلّ البناء الديمقراطي".

ويضيف إسماعيل، في تصريح لـ"العربي الجديد": "يومها كان موقف القوى الديمقراطية بأنّ ما سمي تصحيح مسار هو انقلاب على المسار الديمقراطي، ولم يترك من سبيل للتعاطي معه إلاّ مقاومته واستعادة الديمقراطية ومؤسسات الدولة المختطفة. وأنّ الخطأ تحت سقف الديمقراطية لا يبرّر خطيئة الانقلاب وهدم المشترك وتمزيق العقد السياسي الاجتماعي المُضَمَّن في دستور 2014".

ويوضح إسماعيل "أمكن لقيس سعيّد أن ينجح، بين قوسين، في كلّ هذا الفعل لأسباب عديدة، منها البعيد العميق ومنها القريب الذي نلحظه على سطح المشهد السياسي، فالانقلاب على الثورة ومسارها فكرة ولدت مع لحظة هروب بن علي، لذلك كان تاريخ الانتقال إلى الديمقراطية تاريخ محاولات الانقلاب عليها، وفي سنوات الانتقال العشر وما عرفته من منعرجات أدلة قوية على هذه المحاولات التي لم تتوقف، وكان انقلاب 25 يوليو تتويجا لهذه المحاولات".

ما مكّن سعيد من النجاح ليس قدرته على المناورة والخداع وإنّما تناقضات المعارضة وقابلية قسم منها لكي يكون قوة وظيفية في خدمة الانقلاب، واستعادة شعار: مشهد سياسي بلا إسلاميين، وهو في عمقه القبول بمشهد سياسي بلا ديمقراطية

ويدعو إسماعيل إلى "الانتباه إلى أنّ من كتبوا دستور قيس سعيد وحرّضوا على دستور الثورة هم من رموز هذا اليسار الوظيفي ونواته، تيار الوطد (الوطنيين الديمقراطيين)، وقد لعبوا دورا حاسما في شق الصف الديمقراطي في مرحلة الاستبداد (18 أكتوبر 2005)، وكانوا وراء الاستقواء بالمنظومة القديمة (جبهة الإنقاذ بقيادة الباجي قايد السبسي) وشق الصف الثوري بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 لإجهاض المسار التأسيسي".

ويرى اسماعيل أن "ضعف الثقافة الديمقراطية والعجز عن بناء مشترك وطني وأداء مَن تم تفويضهم لتسيير المرحلة من بين الأسباب التي لا يمكن التغاضي عنها".

ويذهب اسماعيل إلى التأكيد على أن "ما مكّن سعيد من النجاح ليس قدرته على المناورة والخداع، رغم نجاحه فيهما، وإنّما تناقضات المعارضة وقابلية قسم منها لكي يكون قوة وظيفية في خدمة الانقلاب مثلما كان في خدمة الاستبداد واستعادة شعار: مشهد سياسي بلا إسلاميين، وهو في عمقه القبول بمشهد سياسي بلا ديمقراطية، ما دام الخصم الأيديولوجي مُقصى".

وبخصوص تطورات المشهد يقول إسماعيل "في الظاهر يبدو الطريق سالما أمام قيس سعيّد، بعد أن أكمل طعنته للديمقراطية بتلفيق دستور في أيام معدودة وإيجاد مرجعية دستورية لانقلابه، والدستور في حقيقته توسيع للأمر 117 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 والذي يجمّع كل السلطات بيد قيس سعيّد".

ويؤكد وجود "ضوء أخضر، وإن خافتا، من قبل جانب من شركاء تونس التقليديين يزكّي الاستفتاء والمضيّ في شرعنة الوضع الانقلابي ودسترته، بعد أن فشلت القوى المدافعة عن الدستور في إزاحة سعيد المدعوم من الأجهزة لأكثر من عشرة أشهر".

ويتدارك إسماعيل "لكن الاستفتاء نفسه قد يكون العقبة التي سيسقط عندها الانقلاب إذا فشل، وسعيّد سيعلن نجاح الاستفتاء على دستور لم يشارك في كتابته من كُلّف بكتابته، وإن كانت نسبة المقاطعة عالية جدّا".

ويعتبر أنه "مع هذا التقدّم الذي يحققه سعيّد في مساره الانقلابي فإنّه سيرتطم بعقبتين كبيرتين: الأزمة المالية الاقتصادية الخانقة المهددة بالانهيار الكامل لاقتصاديات البلاد، إلى جانب مؤشرات العجز الطاقي في قادم الأسابيع…كل ذلك مهدد بانفجار اجتماعي مخيف، وكذلك التوتر مع الاتحاد العام التونسي الذي أقر من جديد مبدأ الإضراب العام في القطاع العام والوظيفة العمومية".

من جهة أخرى فإنّ "سعيد أثبت عجزه عن التسيير رغم امتلاكه لكل السلطات على مدى سنة وهو ما لم يُتح لأيّة حكومة منذ 2011. وهو لتفرّده بالرأي غير مستعد لإحاطة نفسه بفريق استشاري وحكومي من الخبراء والكفاءات للخروج من الأزمة. وسيكتشف التوانسة أنّهم خسروا الديمقراطية ولم يربحوا الاقتصاد".

ويؤكد أن "مشروع الاستبداد بدستوره الأصفر لا يملك عوامل البقاء ولا يشده إلا إسناد الأجهزة وهو موقف غير ثابت في ظل شارع ديمقراطي لن يقبل بالتنازل عن دستور الثورة وشرعية ما بني من مؤسسات ديمقراطية".

ذات صلة

الصورة
تونس تحقيق

تحقيقات

كيف جرت صناعة خطاب التحريض على المهاجرين من دول جنوب الصحراء في تونس؟ ومن المسؤول عن ترويج أكاذيب تتهمهم بنشر الإيدز والأمراض المعدية؟ سؤالان يجيب عنهما تحقيق "العربي الجديد" الذي يتتبع من أطلق الشرارة
الصورة

منوعات

قالت محامية، اليوم الأربعاء، إن الشرطة التونسية ألقت القبض على شابين بسبب أغنية ساخرة تنتقدها، في خطوة تعزز المخاوف من تآكل حرية التعبير منذ انفراد الرئيس قيس سعيّد بمعظم السلطات.
الصورة
من المؤتمر الصحافي (العربي الجديد)

مجتمع

طالب "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" و"محامون بلا حدود"، اليوم الخميس، بضرورة التعجيل بحماية المهاجرين وطالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء من اللاجئين وطالبي اللجوء، وخصوصاً بعد مناوشاتهم مع الأمن التونسي أمس.
الصورة
ندوة صحفية لجبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس (العربي الجديد)

سياسة

طالبت جبهة الخلاص الوطني المعارضة في تونس بكشف الوضع الصحي لرئيس الجمهورية قيس سعيّد، في ظل التساؤلات وحالة الجدل حول عدم ظهوره منذ مدة طويلة.