عزمي بشارة: دستور قيس سعيّد تمويه بائس للديكتاتورية

عزمي بشارة: دستور قيس سعيّد تمويه بائس للديكتاتورية

05 يوليو 2022
استعرض بشارة بعض البنود من دستور قيس سعيّد ليشير إلى تناقضات وديكتاتورية وشعبوية تعتريها
+ الخط -

رأى مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، المفكر العربي عزمي بشارة، أن أقصى ما يمكن توقعه قريباً في ما يتعلق بحرب أوكرانيا، هو مفاوضات على وقف إطلاق نار أو هدنة. وعن مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران، اعتبر بشارة أن إدارة الرئيس جو بايدن معنية حقاً بالتوصل إلى اتفاق، لكن من دون تقديم تنازلات تتعلق بالعقوبات المفروضة على الحرس الثوري.

أما عن زيارة الرئيس الأميركي المرتقبة إلى المنطقة بعد أيام، فقد أشار بشارة إلى أن ما يظهر من أهدافها حتى الآن يتعلق بعلاقات واشنطن مع الأنظمة العربية المعنية بالزيارة، من دون أن يكون واضحاً أن الإدارة الأميركية تضغط بالفعل باتجاه تشكيل تحالف إسرائيلي - عربي. أما في الشأن التونسي، فقد لفت بشارة إلى أن مشروع دستور الرئيس قيس سعيّد ليس دستور نظام رئاسي، بل هو تمويه بائس للديكتاتورية.

وقال بشارة، في برنامج "حديث خاص" مع التلفزيون العربي من الدوحة، إن من العوامل الرئيسية، التي جعلت الديمقراطيين الأميركيين حاسمين ضد روسيا، التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وفي أوروبا عموماً، في دعم اليمين الشعبوي هناك. وفي السياق، اعتبر بشارة أن حرب أوكرانيا كانت فرصة لأميركا لكي تعزز قيادة المعسكر الغربي واستعادة مكانة حلف شمال الأطلسي بعد ما تعرض له من نكسات أيام الرئيس السابق دونالد ترامب. ولفت إلى أن المعسكر الغربي نجح في هذه المسألة، وبدأت عملية إعادة نظر في كل بنية "الناتو" ودور الأعضاء فيه.

ورداً على سؤال عما إذا كانت المواجهة الأميركية - الأوروبية مع روسيا هي تعويض عن معركة أكبر مؤجلة مع الصين، استبعد بشارة ذلك، ورجح أن "التركيز كان ينصب على تحجيم (الرئيس فلاديمير) بوتين"، لكنه توقف عند التقارب الحاصل بين بكين وموسكو بفعل الحرب، "وهو ما كان الغرب لا يرغب بحصوله". وخلص إلى أنه من الصعب تحجيم الصين اليوم، فضلاً عن أنها هي أيضاً تتفق مع روسيا لجهة وضع حد للتفوق الأميركي.

وبالنسبة للتمايز بين الأوروبيين والأميركيين حيال مصير الحرب، أوضح بشارة أن بايدن وجدها فرصة مناسبة للانتصار على بوتين، بينما الأوروبيون يريدون التوصل إلى اتفاق. وصحيح أن بوتين لم يُهزم بعد برأي بشارة، إلا أنه يدفع الثمن غالياً، فحجم العقوبات غير مسبوق، وهناك التزام حقيقي غربي لمصلحة أوكرانيا، والرئيس الروسي قلّص أهدافه بالسيطرة على منطقة دونباس (شرق أوكرانيا) وربما مرافئ البحر الأسود. ووصف بشارة تقليص الأهداف الروسية باتجاه منطقة دونباس والمرافئ الجنوبية بأنه "تقليص بهدف رجعي"، لأن الهدف الأساسي للحرب كان السيطرة على كييف. لكن بشارة استدرك بأن الغرب لن يعترف بهذه المعطيات الجديدة التي فرضها بوتين، "لذا لا يُتوقع التوصل إلى حل قريب يعترف بموجبه الغرب بهذه الإنجازات الروسية"، فضلاً عن أن "عودة بوتين عن هذه الإنجازات قد تكلفه منصبه". من هنا، توقع بشارة أن "أقصى ما يمكن التفكير فيه حالياً هو مفاوضات لوقف إطلاق النار أو لهدنة".

وفي قراءته لجانب من خلفيات الحرب، رأى بشارة أن "بوتين أساء التقدير، وبدأ يشعر بأن الديمقراطية الليبرالية ضعيفة ورخوة، وكان الرد الأميركي والأوروبي على ما فعله في جورجيا وفي سورية ضعيفاً، وقد حقق اختراقات بالفعل في أوروبا وفي أميركا، لكن الاتحاد في الغرب ضده حصل بشكل حقيقي".

عزمي بشارة: أقصى الطموح قريباً أن نصل إلى مفاوضات على وقف لإطلاق النار أو هدنة في أوكرانيا

وفي قراءته لمصير الحرب، اعتبر بشارة أن بوتين أدرك مسبقاً أن بعض العقوبات ستنقلب إلى أزمة اقتصادية عالمية، "لكن استراتيجياً في ما يتعلق بالصناعة الروسية، تضررت روسيا حقاً" على حد تعبير بشارة الذي جدد التعبير عن رأيه بأنه "لن تحصل مواجهة أميركية - روسية بسبب وجود السلاح النووي".

وفي السياق، ذكّر بشارة بأن السلاح الروسي غير النووي متخلف جداً مقارنة مع الغرب، كذلك، فلا روسيا ولا الصين قادرتان على اقتراح نظام عالمي يحتذى بأي معنى من المعاني. وحذّر من مغبة مقاربة القوة فقط في الناتج الإجمالي المحلي وفي القدرات النووية لمحاولة تقدير ظهور أقطاب عالمية جديدة في نظام دولي جديد ما، وذكّر بأن الصين ما زال ترتيبها خلف أميركا في كل المعايير الاقتصادية والعلمية والعسكرية، "والفارق يصبح شاسعاً عندما يقاس الناتج القومي بالدخل الفردي، لأن هذا له علاقة بنوعية الحياة وبالحرية والإبداع والاكتشافات العلمية الأساسية الموجودة في الدول الغربية الديمقراطية".

وفي هذا الإطار، لفت بشارة إلى أن الصين وروسيا لا تظهران بين أول عشرين دولة في العالم في مستوى التعليم مثلاً. وفي حين ذكّر بشارة بأن بوتين لديه أفكار واضحة وصريحة بشكل أيديولوجي ومنهجي في معاداة الديمقراطية، فإنه لفت إلى أن روسيا والصين لا تطرحان مشروعاً بديلاً للبشرية ولا رسالة فكرية ولا نموذجاً لكي نتحدث عن أقطاب جديدة تحل مكان الأحادية الأميركية. لكن رغم كل ذلك، توقع مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات أن "أميركا ستكون مضطرة للتعامل مع نظام متعدد الأقطاب، لكنها ستبقى لفترة طويلة الأقوى اقتصادياً وعسكرياً وعلمياً".

عزمي بشارة: عودة بوتين عن إنجازاته الحربية التي حققها، قد تكلفه منصبه

المنطقة العربية وحرب أوكرانيا

ولاحظ بشارة عدم وجود لكيان عربي فاعل اليوم في ما يتعلق بالحرب وبنتائجها على المنطقة، "وكل ما يجري عربياً هو تبعاً لمصالح النظام القائم في هذا البلد أو ذاك" على حد وصفه. وعاد بشارة بالذاكرة إلى زمن حرب 1973، حين كان هناك دور عربي فاعل تمثل باستخدام سلاح النفط آنذاك. ولاحظ بشارة أن اليوم سنحت فرصة، وارتفعت أسعار النفط، والغرب يريد من الخليج زيادة إنتاج النفط، وهذه فرصة لا تفوّت لفرض شروط، لكن هذا لا يحصل وتُفوّت الفرصة مجاناً.

زيارة بايدن

رداً على سؤال حول زيارة بايدن المقررة إلى المنطقة في 13 الشهر الحالي، أعرب بشارة عن اعتقاده بأن ما هو مطروح يتعلق بالعلاقات بين واشنطن وكل من العواصم العربية المعنية بالزيارة، خصوصاً الرياض، ومسألة زيادة إنتاج النفط. أما عن تلميح بايدن بأن أهداف زيارته تتعلق بالتطبيع العربي مع إسرائيل، فقد اعتبر بشارة أن هذا الكلام يترجم رغبة بايدن بعدم إحراج نفسه لناحية عهده الذي سبق أن قطعه لجهة العلاقات مع القيادة السعودية، لكنه رجح أن أميركا لا تدفع حقاً باتجاه التحالف بين إسرائيل وبعض العرب، على اعتبار أن هذه العلاقات العربية مع إسرائيل من تطبيع وتحالف قائمة بالفعل ولا تحتاج إلى دفع أميركي.

ورغم اعتبار بشارة أن خروج أميركا نسبياً من قضايا المنطقة، في عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أدخل قوى أخرى إلى المنطقة مثل تركيا وإيران وروسيا والصين، وصحيح أن الدول الحليفة لأميركا بدأت تتململ وتنظراً شرقاً لإيجاد بدائل عن أميركا حتى في مصادر التسلح، وبدأ الحديث عن احتمال وجود حلفاء آخرين غير أميركا، "لكن ثبت في فترة قصيرة أن لا الصين ولا روسيا تقدمان بدائل عسكرية عن أميركا، لذلك في الجوهر لم تغادر أميركا المنطقة" على حد تعبير بشارة.

عزمي بشارة: أميركا مضطرة للتعامل مع نظام متعدد الأقطاب لكنها ستبقى لفترة طويلة الدولة الأقوى في العالم

إيران وإسرائيل ومفاوضات النووي

وعن الصراع الإسرائيلي - الإيراني الذي يتحوّل مع الوقت إلى مباشر، رجح بشارة أن يكون التصعيد الإسرائيلي في الشهرين الماضيين "حصل بضوء أخضر أميركي، وربما بأكثر من ضوء أخضر"، وربط بين هذا التصعيد وبين توقف مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي. وعلّق بشارة عن حجم العمليات الإسرائيلية ضد إيران بالقول: النظام الإيراني يجب أن يسأل نفسه لماذا تتمكن إسرائيل من اختراق المجتمع الإيراني، ولماذا لا تستطيع إيران اختراق المجتمع الإسرائيلي؟

ورداً على سؤال حول تقديراته لمصير مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، جدد بشارة التذكير برأيه الذي يفيد بأن القيادة الإيرانية براغماتية جداً وأنها معنية بالتوصل إلى اتفاق، "لكن الإصرار الأميركي على عدم مناقشة أي شيء يتعلق بالعقوبات التي فُرضت بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، يجعل رفع العقوبات عن إيران من دون جدوى بالنسبة لطهران". وخلص بشارة إلى أن المسؤولين الإيرانيين "يجب أن يشعروا أنهم سيستفيدون من رفع العقوبات، ويجب أن يفهموا أن بإمكانهم الاستفادة من رفع العقوبات في الفترة الفاصلة بين الرفع وبين وصول إدارة أميركية جديدة إلى الحكم في واشنطن".

ووفق ملاحظة بشارة، كان المفاوضون الإيرانيون في الدوحة، الأسبوع الماضي، يريدون تنازلاً ما من الأميركيين خاصاً بالعقوبات على الحرس الثوري، وهو ما لم يقدمه الأميركيون. من هنا، أعرب عن ثقته بأن إدارة بايدن "لا تزال معنية بالتوصل إلى اتفاق مع إيران لكن من دون تقديم تنازلات". ونبّه بشارة من أن الفرصة تضيق "لأننا لا نعرف ماذا سيحصل في الانتخابات الأميركية الرئاسية المقبلة، وفي انتخابات التجديد النصفي للكونغرس (في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل)، لذلك تصبح المفاوضات أصعب في ظل هذه الظروف".

عزمي بشارة: واشنطن تريد اتفاقاً مع إيران بلا تقديم تنازلات خاصة بالعقوبات المفروضة على الحرس الثوري

ورداً على سؤال حول ما يُقال عن احتمال إنشاء تحالف عسكري إسرائيلي - عربي ضد إيران، أشار بشارة إلى أن التفاهم مع إيران مفيد ويخدم مصلحة العرب، لأنه منذ الثورة الإيرانية حتى الآن، التوتير الطائفي في المنطقة تحول إلى سبب رئيسي لعدم التطور في منطقتنا العربية، لافتاً إلى أن على الإيرانيين أن يلتزموا أيضاً بعدم تحويل الطوائف في البلدان العربية إلى ملف تبعية سياسية لمصلحتهم. وعن هذا الموضوع، وصف بشارة التقارب الحاصل بين مجموعة من البلدان في المنطقة بأنه "أمر إيجابي"، مثل التقارب القطري - المصري والتركي - المصري والسعودي - الإيراني.

وبرأي بشارة، أخطر ما يمكن أن يحصل اليوم هو أن تختار دول عربية التحالف مع إسرائيل، لأن من شأن ذلك أن يشكل ضربة قاضية لآمال الديمقراطية في البلدان العربية، وتساءل في هذا السياق: ما الذي استفاد منه الفلسطينيون منذ بدأت موجة التطبيع؟ وعدّد في هذا السياق زيادة قوة اليمين الصهيوني وارتفاع وتيرة الاستيطان والتهويد...

تونس: دستور بائس لتمويه الديكتاتورية

وفي ما يتعلق بالتطورات التونسية، علّق بشارة على مشروع الدستور الذي طرحه الرئيس قيس سعيّد على الاستفتاء المقرر في 25 الشهر الحالي، واصفاً إياه بأنه "ليس دستور نظام رئاسي، بل تمويه بائس للديكتاتورية مكتوب بلغة ركيكة، وهي نفس لغة خطابات" قيس سعيّد.

ووصف بشارة كلام "المنسق العام للجنة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة" في تونس الصادق بلعيد، للتلفزيون العربي، والذي كشف فيه أن مشروع الدستور الذي قدمه إلى الرئيس قيس سعيّد مختلف تماماً عن النسخة التي نشرت قبل أيام، بأنه "يعبر عن صحوة متأخرة"، كحال الأحزاب التي أيدت انقلاب الرئيس على البرلمان وعلى النظام السياسي وعلى الديمقراطية التونسية، ثم أعربت عن ندمها، لأن نوايا الرئيس قيس سعيّد "كان يفترض أن تكون واضحة منذ البداية"، متسائلاً: "لماذا سمح هؤلاء بأن يكونوا أدوات بيد مهزلة الرئيس؟".

واستعرض بشارة بعض البنود من دستور قيس سعيّد ليشير إلى تناقضات وديكتاتورية وشعبوية تعتريها، ذلك أنها تعبر عن كاتبها، أي سعيّد نفسه، الذي "لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالبرلمان، وهذا تعريف للديكتاتورية وللشعبوية". وتوقف بشارة عند بعض الفصول التي تستخدم حجة "الخطر الداهم" الذي يحدد الرئيس وحده مفهومه، وهي العبارة نفسها التي استخدمها سعيّد لتنفيذ كل انقلاباته، ويطوّعها اليوم في دستوره "لتمديد بقائه في السلطة ولتأجيل انتخاب البرلمان ولفعل ما يشاء". وبرأي بشارة، تكمن المشكلة الرئيسية في أن هذا الدستور "لم يناقَش في أي مكان علني، لا في هيئة ولا جمعية تأسيسية ولا برلمان، فكيف يطرح شيء من هذا النوع على الاستفتاء من دون وجود أي وسيلة لوضع ملاحظات عليه؟".

المساهمون