ضربات متلاحقة لفرنسا في النيجر... خيارات محدودة للرد

ضربات متلاحقة لفرنسا في النيجر... خيارات محدودة للرد

27 اغسطس 2023
نيجريون رافضون للوجود الفرنسي، في نيامي، أغسطس الحالي (سولي عبدولاي/ Getty)
+ الخط -

لم يتأخر المجلس العسكري في النيجر في تصعيد التوترات مع فرنسا، إثر طلبه مساء أول من أمس الجمعة من سفيرها في نيامي سيلفان إيتي مغادرة البلاد خلال 48 ساعة. 

وعلى الرغم من أن باريس رفضت الطلب، معتبرة أن "لا سلطة للانقلابيين في اتخاذ مثل هذا القرار"، إلا أن القرار يشكّل ضربة جديدة للسياسة الفرنسية المتراجعة في العمق الأفريقي، في ظلّ تدهور علاقات باريس مع عدد من الدول الأفريقية، خصوصاً تلك الواقعة في غرب القارة، والتي تشهد مشكلات أمنية واسعة النطاق. ولا تعاني باريس فقط من ملء موسكو فراغها في الدول الأفريقية، بل أيضاً من أنّ حلفاءها في المعسكر الغربي، خصوصاً الأميركيين، يحافظون على تواصلهم مع السلطات الشرعية في نيامي ومع الانقلابيين.

وجاء قرار النيجر في بيان صادر عن وزارة الخارجية في الحكومة المعينة من قبل المجلس العسكري، ونشره الإعلام الرسمي. وعلّلت الخارجية قرارها بالقول إنه "نظراً لرفض سفير فرنسا في نيامي الاستجابة لدعوتها إلى إجراء مقابلة أول من أمس الجمعة، وتصرفات أخرى من الحكومة الفرنسية تتعارض مع مصالح النيجر، قررت السلطات النيجرية المختصة سحب موافقتها من السيد سيلفان إيتي ومطالبته بمغادرة أراضي النيجر في غضون 48 ساعة".

فرنسا ترفض مطلب الانقلابيين بالنيجر

على الفور ردّت الخارجية الفرنسية على الطلب، بإعلانها أن لا سلطة للانقلابيين في النيجر تخولهم مطالبة سفيرها بالمغادرة. ونقلت قناة "فرانس 24" عن الخارجية الفرنسية قولها إن انقلابيي النيجر "ليست لهم الأهلية لمطالبة سفيرنا بالمغادرة".

ويكرّس هذا التطور محطة إضافية في العلاقة المتردية بين عسكر النيجر والإليزيه، عقب انقلاب 26 يوليو/ تموز الماضي، الذي أطاح الرئيس محمد بازوم. ويطالب المجلس العسكري الانقلابي باريس بعدم التدخل في سياساته الداخلية، ويتهم حكومة بازوم بأنها تابعة سياسياً للإرادة الفرنسية، التي تمثل القوة الاستعمارية السابقة في النيجر.

فرنسا: لا سلطة للانقلابيين في طلبهم مغادرة سفيرنا
 

كما يتهم الانقلابيون باريس بأنها المحرّض الأبرز على التوجه نحو التدخل عسكرياً من قبل المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا "إيكواس" لإعادة بازوم إلى السلطة، ودفعها لفرض عقوبات على نيامي، فيما تسعى أطراف دولية أخرى أبرزها الولايات المتحدة لتكثيف الجهود الدبلوماسية لإنهاء الأزمة.

محاصرة القاعدة الفرنسية في نيامي

في غضون ذلك، حاصر متظاهرون من النيجر القاعدة الجوية في نيامي، التي ينتشر فيها جنود فرنسيون، وأمهلوهم 10 أيام لمغادرة البلاد، قبل اقتحامها. ورفع بعض المتظاهرين صور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال تجمعهم، واصفين القوات الفرنسية، البالغ عديدها 1500 جندي في النيجر، بـ"الغازية".

وكانت الأيام الأولى عقب الانقلاب قد شهدت توتراً مع باريس عقب اقتحام متظاهرين لسفارتها لدى نيامي، مطالبين بخروج فرنسا من بلادهم وتوقفها عن التحكم بمصيرهم ومقدّراتهم وأبرزها اليورانيوم، علماً أن النيجر تغطي 35 في المائة من احتياجات البلد الأوروبي من هذه المادة الثمينة. وتنشر فرنسا نحو 1500 جندي في النيجر تقضي مهمتهم المعلنة بمساعدة السلطات بقيادة بازوم في مواجهة نشاطات المسلحين في بلاده ودول أخرى بمنطقة الساحل الأفريقية.

وفي 4 أغسطس/ آب الحالي، طالب العسكر في النيجر القوات الفرنسية بمغادرة البلاد في أقرب وقت. ووفقاً للبيان الصادر في حينه، فإن الطلب جاء بعد الاطلاع على الاتفاقيات العسكرية التي تربط البلدين، لا سيما الاتفاقيات الموقعة في أعوام 1977 و2013، و2015، و2020. غير أن فرنسا أعلنت رفضها ذلك، معتبرة أن الرئيس محمد بازوم وحكومته هما السلطات الشرعية في نيامي.

تدهور النفوذ الفرنسي في أفريقيا

ولم تكن خطوة نيامي الجديدة سوى ترسيخ لتدهور النفوذ الفرنسي في القارة الأفريقية عموماً، ونكسة لاستراتيجية الرئيس إيمانويل ماكرون في أفريقيا، التي طرحها في 27 فبراير/ شباط الماضي، وتتمحور حول "التحلي بالتواضع" والدعوة إلى ضرورة "بناء علاقة جديدة ومتوازنة ومسؤولة مع دول القارة الأفريقية"، معلناً انتهاء "عصر فرنسا الأفريقية". 

وشدّد ماكرون في حينه على رفضه "المنافسة الاستراتيجية التي يفرضها من يستقرون هناك مع جيوشهم ومرتزقتهم"، في إشارة إلى مجموع "فاغنر". وأوضح ماكرون أن فرنسا تخطط لـ"خفض ملحوظ" لوجودها العسكري في أفريقيا، مؤكداً أنّ "فرنسا ستنهي استضافة قواعد عسكرية منتظمة في أفريقيا وستنشئ بدلاً من ذلك أكاديميات تشارك في إدارتها الجيوش الفرنسية والأفريقية".

ميشال غالي: من المستبعد أن تتدخل القوات الفرنسية بالنيجر

غير أنّ استراتيجية ماكرون، التي أتبعها بجولة على عدة أفريقية، لم تتمكن من إرساء ركائزها، لعدة أسباب. أبرز هذه الأسباب تتمثل في دعوات سابقة من العسكريين في مالي، الذين طلبوا من القوات الأوروبية، الفرنسية خصوصاً، مغادرة البلاد. وتلاهم في ذلك عسكر بوركينا فاسو. كما أنّ الاضطرابات في العلاقات الأفريقية ـ الفرنسية، طاولت دولاً عدة، رغم أنها لم تطلب خروج الفرنسيين منها، لكنها كانت واضحة في تأكيد مبدأ التمايز عن باريس.

وحول القرار النيجري، اعتبر المتخصص في شؤون جنوب الصحراء الأفريقية ميشال غالي أن طلب مغادرة السفير "عنيف نسبياً في العالم الدبلوماسي". ولفت في حديث لـ"فرانس إنفو"، أول من أمس الجمعة، إلى أن "المشاعر المعادية للفرنسيين أو بالأحرى المعادية للسياسة في فرنسا تسبق الانقلاب". وهو عملياً ما حصل في مالي وبوركينا فاسو، وبدرجة أقل في غينيا، حين دعا الانقلابيون إلى مغادرة الفرنسيين البلاد. وحمل بعض أنصارهم أعلاماً روسية وصوراً لـ"فاغنر". 

ووفقاً لغالي، وهو مؤلف كتاب "الحرب في مالي: فهم الأزمة في الساحل والصحراء - قضايا وظلال"، فإنّ طلب مغادرة السفير كان "متوقعاً تماماً، لأنه يبدو أن هناك نوعاً من التفكيك بين فرنسا وعدد من دول غرب أفريقيا. هذا بالضبط ما حدث في مالي وفي بوركينا فاسو". وأوضح: "لقد شجبوا اتفاقيات الدفاع (بين فرنسا وهذه الدول)، وطلبوا من القوات الفرنسية المغادرة، ثم طلبوا مغادرة سفير فرنسا".

وحول الخيارات المتاحة أمام فرنسا، رأى غالي أنه "من وجهة نظر دبلوماسية بحتة، فإن الوضع قد تصاعد لأن الحكومة الفرنسية لا تعترف بالرئيس (المجلس العسكري عبد الرحمن) تياني وحكومته". وأضاف: "يعلم الجميع أننا (كدولة فرنسية) نتحدث مع أعدائنا وليس مع أصدقائنا"، في إشارة إلى أن باريس ليست حليفة للحكام الجدد للنيجر.

وحول احتمال أن يعجّل هذا التطور من التدخل العسكري في النيجر، اعتبر غالي أنه "من المستبعد أن تتدخل القوات الفرنسية، تحديداً تلك الموجودة في النيجر، وكذلك القوات الأميركية، على الأقل رسمياً. أما من إيكواس فإن الخيار العسكري متروك بحسب سير المفاوضات". وحول مستقبل القوات الفرنسية في النيجر، اعتبر غالي أنه "إذا نظرنا إلى تسلسل الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، فمن المحتمل أن تضطر هذه القوات إلى مغادرة النيجر"، مشيراً إلى احتمال انتقالها إلى تشاد أو ساحل العاج أو السنغال.

وسبق لوكالة "بلومبيرغ" أن اعتبرت في مطلع الشهر الحالي، أن ماكرون كان يعوّل على النيجر لإعادة تشكيل استراتيجيته في منطقة الساحل الأفريقي، وعدّ هذه المنطقة قلب طموحه. ورأت أن "استراتيجية فرنسا في أفريقيا في حالة يرثى لها في الوقت الذي تكافح فيه لإقناع دول منطقة الساحل بأن وجود قوة استعمارية سابقة يمكن أن يحقّق نتائج إيجابية".

وفي مالي المستعمرة الفرنسية السابقة، تم التخلي عن استخدام اللغة الفرنسية كلغة رسمية في الأيام الأخيرة. وخلق الانقلاب الأخير في النيجر قطاعاً من الدول المحكومة بمجالس عسكرية يمتد من المحيط الأطلسي حتى البحر الأحمر، وأغلبها تنحاز بوضوح إلى روسيا وليس للدول الغربية.

وكانت النيجر صوتاً نادراً في أفريقيا عندما صوتت في الأمم المتحدة لصالح إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا. في الوقت نفسه ترتبط مجموعة "فاغنر" بعلاقات أمنية مع مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، وهو ما يؤكد تزايد النفوذ الروسي في المنطقة. وتجري "فاغنر" محادثات مع الحكام العسكريين في بوركينا فاسو.
(العربي الجديد، الأناضول)