من المنتظر أن تساهم زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى الأردن، والمتوقعة اليوم الثلاثاء، حيث يلتقي العاهل الأردني عبد الله الثاني، ضمن جولة تشمل أيضاً مصر وتركيا، في ترميم العلاقات بين عمّان والرياض، وتنسيق المواقف قبيل زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة الشهر المقبل. وكانت العلاقات بين البلدين قد شهدت خلال السنوات الأربع الماضية بروداً، بسبب محاولات الرياض التأثير في بعض الملفات التي تمس عمّان مباشرة.
تنافر بين الأردن والسعودية
وعلى الرغم من العلاقات الاستراتيجية بين الأردن والسعودية، إلا أن نوعاً من عدم التوافق في المواقف ووجهات النظر أدى إلى حدوث تنافر ومناكفة سياسية غير معلنة بينهما في السنوات الأخيرة.
وزادت من حدة هذا التنافر قضية "الفتنة"، المرتبطة بالأمير حمزة بن الحسين، الأخ غير الشقيق لعاهل الأردن. وتعزز ذلك مع اتهام رئيس الديوان الأردني الأسبق باسم عوض الله، والذي عمل سابقاً مستشاراً لولي العهد السعودي، في القضية.
فقبل عام، اتهمت الحكومة الأردنية الأمير حمزة بالتورط في ما سُميت "أحداث الفتنة"، والمشاركة في مخططات هدفها زعزعة أمن الأردن ونظام الحكم. كما أصدرت محكمة أمن الدولة، في يوليو/ تموز الماضي، حكماً بالسجن 15 عاماً بحق عوض الله والشريف حسن بن زيد (سبق له أن شغل منصب مبعوث الملك عبد الله الثاني إلى السعودية) في القضية، بعد إدانتهما بمناهضة نظام الحكم وإحداث الفتنة.
ويدرك الأردن واقعه السياسي ومعاناته من أزمة اقتصادية عميقة في إقليم غير مستقر، وأنه ليس من مصلحته العداء مع أي جهة، حفاظاً على استقراره وللحيلولة دون تفاقم تداعيات الأزمات المحيطة به عليه.
كما تعي السعودية أهمية التنسيق مع الأردن خصوصاً أن الملك عبد الله الثاني يرتبط بعلاقة وثيقة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، ما يستدعي ضرورة التنسيق المشترك قبيل الزيارة المرتقبة للأخير إلى السعودية في 15 و16 يوليو/ تموز المقبل، وحضوره قمة خليجية مصرية أردنية عراقية هناك.
هناك حد أدنى من العلاقة بين الأردن والسعودية لا يمكن للبلدين التخلي عنه
جوانب اقتصادية وسياسية في زيارة بن سلمان للأردن
وفي السياق، قال وزير الإعلام الأردني الأسبق سميح المعايطة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "العلاقات الأردنية السعودية كانت مستمرة خلال الفترة الماضية، وهناك حد من العلاقة لا يمكن للبلدين التخلي عنه، وزيارة بن سلمان تعطي العلاقات أبعاداً أخرى وقوة دفع جديدة".
وبرأيه، فإن "الجانب الاقتصادي للزيارة بالنسبة للأردن مهم، لكن الجانب السياسي أكثر أهمية"، مشيراً إلى أن الرياض وعمّان "في إقليم يزخر بالأزمات والقضايا، وهما لديهما رؤى ومصالح مشتركة لناحية طريقة التعامل مع هذه الأزمات؛ سواء القضية الفلسطينية أو إيران، أو قضايا العراق واليمن وغيرها، فهناك مصلحة مشتركة لكلا البلدين في الاستقرار لمواجهة هذه الملفات".
ووفق المعايطة، فإن "الملف الإيراني قديم، والجديد اليوم ليس هذا الملف وتطوراته، بل إدخال إسرائيل إلى التحالفات العربية الإقليمية"، مذكراً باجتماع النقب الذي عُقد بين وزراء خارجية إسرائيل والولايات المتحدة ومصر والمغرب والإمارات والبحرين في مارس/ آذار الماضي، بينما غاب عنه الأردن.
وقال المعايطة إن "الأردن لن ينخرط بأي مسار لا يخدم القضية الفلسطينية، ولن يتحمّس له، وكذلك السعودية"، التي يرى أنها "لن تقدم شيئاً كبيراً في العلاقات مع إسرائيل من دون تقديم تنازلات إسرائيلية في القضية الفلسطينية".
واعتبر أن "الصورة التي يحاول الإسرائيليون رسمها لتحالف جديد في المنطقة هي أمانيّ"، مستدركاً بالقول "صحيح أنه يوجد تقارب في الموقف تجاه قضية إيران، لكن الدول العربية لا تريد الدخول في حرب مع الأخيرة، فهي دولة جارة، وهم حريصون على أن تبقى العلاقة معها مستقرة".
المعايطة: الصورة التي يحاول الإسرائيليون رسمها لتحالف جديد في المنطقة هي أماني
ترتيب ملفات قبيل زيارة بايدن للمنطقة
بدوره، لفت رئيس "الجمعية الأردنية للعلوم السياسية" خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن زيارة ولي العهد السعودي إلى الأردن تأتي قبيل زيارة الرئيس الأميركي إلى المنطقة، مشيراً إلى أن "هناك ارتباطاً وثيقاً بين الزيارتين".
وأوضح أن زيارة بن سلمان إلى مصر وتركيا والأردن "تهدف لترتيب بعض الملفات بين دول المنطقة، قبل لقاء القمة الذي يجمع قادة هذه الدول مع بايدن في السعودية"، واصفاً زيارة الأخير للسعودية بأنها "اختراق للجمود الذي ساد العلاقة بين الرياض وواشنطن خلال الفترة الماضية، خصوصاً تلك التي تربط الرئيس الأميركي بولي العهد السعودي".
وأشار شنيكات إلى أن "النقطة المهمة التي ستكون على جدول زيارة بن سلمان إلى الأردن هي مشاريع التعاون الاقتصادي في المنطقة، والتي تحاول الولايات المتحدة الأميركية الدفع بها قدماً إلى الأمام، وخصوصاً تلك التي أفرزتها اتفاقات أبراهام (للتطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب)".
وتابع "هذا بالإضافة إلى إقامة منظومات ومشاريع دفاعية مشتركة بين الأردن والسعودية، ومناقشة مشروع نيوم (مشروع سعودي لمدينة استثمارية مخطط لبنائها وتمتد إلى سواحل البحر الأحمر) الذي يمتد إلى ميناء العقبة الأردني، فضلاً عن مشاريع تعاون اقتصادية أخرى، كان قد طرح ولي العهد السعودي جزءاً منها سابقاً".
ورأى شنيكات أن "العلاقات الأردنية السعودية يمكن وصفها بالمستقرة تاريخياً، إذ لم تتعرض طوال عقود لهزات كبيرة، باستثناء هزة عام 1991، المرتبطة بدخول العراق للكويت" عندما اتخذ الأردن مواقف بدت مؤيدة للعراق.
وتابع "أما الملفات الأخرى، وتحديداً ما عرف بقضية الفتنة، فكلا الطرفين أدارا هذا الملف وتم تجاوزه، بدليل أن العلاقات لم تتأثر بهذه القضية، واليوم ليست لهما مصلحة في تناولها".
وبرأي شنيكات، "من المتوقّع أن يطغى الجانب الاقتصادي على الجانب السياسي في المباحثات المشتركة، نظراً لأهمية هذا الجانب، والظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها المنطقة، والتي زادت من حدتها أزمة الغذاء العالمية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع الأسعار ورسوم النقل العالمية".
وتابع "كما أن المباحثات ستتناول ترتيب الملفات الإقليمية، وربما حرب اليمن والخطوات السعودية المقبلة في هذا النزاع، ومنظومة الأمن الإقليمي، والعلاقات مع إيران وبرنامجها النووي".
ولفت شنيكات إلى أن "الأردن لديه جالية كبيرة في السعودية، وهذه المسألة تؤخذ دائماً في الحسبان عند بحث القضايا الثنائية بين البلدين، وفي لقاءات كبار المسؤولين".
بدوره، اعتبر الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني نضال الطعاني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن زيارة ولي العهد السعودي للأردن "تأتي في ظل العلاقات الأردنية السعودية التاريخية والمتجذرة، والتي شهدت في الوقت نفسه بعض التقلبات صعوداً وهبوطاً خلال السنوات الأربع الماضية".
الطعاني: زيارة بن سلمان تكتسب أهميتها من توقيتها في هذه المرحلة الصعبة
وأشار إلى أن الزيارة "تكتسب أهميتها من توقيتها في هذه المرحلة الصعبة، والتي تشهد تشكيل تحالفات جديدة في الإقليم والعالم"، لافتاً إلى أن "الأردن له مصالح سياسية واضحة تتعلق بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية والمحافظة على الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس. كما أن لديه مصالح اقتصادية مرتبطة بعلاقته بالسعودية، ويوظف دبلوماسيته لخدمتها".
وأعرب الطعاني عن اعتقاده بأنه "على الرغم من الاجتماع الموسّع الذي سيعقده الرئيس الأميركي مع زعماء المنطقة في السعودية الشهر المقبل، إلا أن الأردن لن ينخرط في تحالفات ضد مصالحه العليا".
وتوقّع أن يشهد الاجتماع "تباينات في آراء الدول المشاركة فيه"، لافتاً إلى أن للاجتماع "بُعداً سياسياً حقيقياً ينعكس على الوضع في المنطقة والإقليم، خصوصاً مع وجود تجاذبات سياسية مع الحلفاء الدوليين في المنطقة".
يشار إلى أن الجالية الأردنية في السعودية يقدر عددها بأكثر من نصف مليون مواطن.
من جهة أخرى، وكجزء من المنحة التي قدمتها السعودية إلى الأردن لدعم الموازنة العامة بقيمة 250 مليون دولار، على مدى 5 سنوات (2018-2022)، حوّلت الحكومة السعودية في شهر إبريل/ نيسان الماضي شريحة رابعة من هذه المنحة للأردن وتبلغ قيمتها 50 مليون دولار.
كما جرى خلال الأسابيع الماضية توقيع اتفاقية شراكة استثمارية بين الحكومة الأردنية والصندوق السعودي الأردني للاستثمار، بقيمة 400 مليون دولار، لإقامة مشروع نوعي في مجال الرعاية الصحية، إلى جانب توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء سكة حديد بطول 418 كيلومتراً، تربط ميناء حاويات العقبة بميناء الماضونة البري المقرر إنشاؤه في جنوب عمّان.