دعوات الحوار السياسي في الجزائر: هل تستجيب السلطة؟

دعوات الحوار السياسي في الجزائر: هل تستجيب السلطة؟

23 ديسمبر 2020
تجاوزت السلطة صدمة المشاركة الضعيفة باستفتاء الدستور (مصعب الرويبي/الأناضول)
+ الخط -

على الرغم من تصاعد الدعوات من أحزاب وشخصيات ومكونات مدنية متعددة في الجزائر إلى إقامة حوار سياسي بين السلطة ومجموع القوى السياسية في البلاد، فإن مؤشرات استجابة السلطة لهذه الدعوات لم تبرز بعد، رغم أنها تأتي متزامنة مع ظروف ضاغطة داخلياً بفعل العجز الحكومي الواضح والإخفاق السياسي. ويطرح غياب المؤشرات للذهاب إلى حوار أسئلة كثيرة عما إذا كانت السلطة مستعدة لذلك، خصوصاً أنها تبدي في المقابل تصميماً على المضي في المسار الانتخابي.

ومع إعلان الرئيس عبد المجيد تبون عن تكليفه لجنة صياغة قانون الانتخابات الجديد تجهيزه في غضون أسبوعين، تمهيداً لإعادة إطلاق المسار الانتخابي الذي يتضمن تنظيم انتخابات نيابية ومحلية مبكرة في الربع الأول من العام المقبل، بدأت شكوك سياسية تلوح بشأن إمكانية قبول السلطة بفتح خطّ حوار مع القوى السياسية، للتوافق على محددات مرحلة انتقال ديمقراطي، والتفاهم على مخرجات مشتركة تتيح مناخاً سياسياً مناسباً لإجراء الانتخابات. هذا المناخ من المفترض أن يؤمنه اتخاذ تدابير تهدئة، والإفراج عن الناشطين الموقوفين، ووقف الملاحقات السياسية وإشاعة الحرّيات، ورفع القيود على الصحافة ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى الإسراع في اعتماد الأحزاب المنبثقة عن شباب الحراك الشعبي.

تبدي السلطة في الجزائر تصميماً على المضي في المسار الانتخابي

وأظهرت القراءات السياسية لتصريحات تبون هذه أن السلطة تجاوزت صدمة المقاطعة الشعبية للاستفتاء على الدستور الذي جرى في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (بلغت نسبة المشاركة 24 في المائة فقط)، وتتجه إلى المراهنة مجدداً على الخيار الانتخابي لتجديد مؤسسات الحكم، واستيعاب كامل المكونات داخل سقف البرلمان والمجالس المنتخبة. هذا الرهان قد يدفع السلطة إلى تجاهل دعوات الحوار، على الرغم من تصريحات كبار المسؤولين في الجيش والحكومة عن الحاجة إلى تعزيز ورصّ الجبهة الداخلية.

أولى الردود المشككة في استجابة السلطة لدعوات الحوار كانت من "جبهة القوى الاشتراكية"، أقدم أحزاب المعارضة الجزائرية. فقد أعلن السكرتير الأول للحزب، يوسف أوشيش، يوم الأحد الماضي، خلال مؤتمر وطني لمنتخبي الحزب في المجالس المحلية والبرلمان، أن الانتخابات النيابية والمحلية المسبقة لا تمثل أولوية بالنسبة للحزب، ما لم يسبقها حوار وطني. واعتبر أوشيش أن السلطة تتسرع باتجاه إدخال كل القوى السياسية في مناخ الانتخابات، هروباً من واقع سياسي متأزم، لا يساعد على إنجاح أي استحقاق انتخابي، مشدداً على تمسك الحزب بطرح مبادرته السياسية للتوصل إلى ما يصفها بـ"الاتفاقية الوطنية لصياغة عقد سياسي وطني".

وحذّر المتحدث باسم الحزب نفسه، جمال بلول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، من "المخاطرة الناجمة عن رفض السلطة الإنصات لأصوات الحكمة الداعية إلى توافق وحوار وطني"، محملاً إياها "مسؤولية عواقب المسارات الأحادية التي لم تنجح في أي فترة من فترات التاريخ السياسي للبلاد في حلّ الأزمة ووضع الجزائر على سكة الانتقال الديمقراطي". وأشار بلول إلى أن السلطة تتهرب بشكل لافت من الأزمة والحوار، وتتحمل مسؤولية أي مغامرة تكرس القطيعة مجدداً بين الشعب ومؤسسات الدولة. وشدّد على أن "كلّ الجزائريين أجمعوا على أنه لا يمكن تفويت الفرصة من أجل التغيير الذي يخدم بناء دولة قوية بمؤسسات شرعية وإعادة السيادة للشعب، الذي يجب أن تؤول له السلطة الفعلية في البلاد". ورأى "أننا نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى التوافق بين القوى الفاعلة لوضع خريطة طريق متفق عليها، تجند كافة شرائح المجتمع والفاعلين السياسيين في البلاد، لبلوغ التغيير السلمي والجذري لمنظومة الحكم". لكن المتحدث باسم "جبهة القوى الاشتراكية" أبدى أسفه "لأن الضبابية والغموض لا يزالان العنوان الرئيسي لتسيير الشأن العام وأمور الدولة في الجزائر".

قد تستجيب السلطة بطريقتها لدعوات الحوار، ربما عبر إقامة استشارات سياسية

في الغالب، تذهب الكثير من التحليلات السياسية المتعلقة بتطورات الشأن الجزائري إلى قراءة سطحية لطبيعة تفكير السلطة السياسية في البلاد، حين تربط بين وجود ظروف ضاغطة وتوترات داخلية وبين الحاجة إلى الحوار السياسي، في ظروف كثيرة مشابهة لم تجد السلطة نفسها مضطرة لإجراء حوارات سياسية. وفي المحطات القليلة التي جرى فيها حوار وطني، كان الدافع الضاغط اقتصادياً ومرتبطاً بضعف القدرات المالية للدولة، بما لا يمكنها من شراء السلم المدني والاجتماعي، ومواجهة أعباء المطالبات الاجتماعية. وفي عام 1994، دفعت ظروف الأزمة الأمنية والعوز الاقتصادي السلطة للبحث عن مسارات للعودة إلى سكة الشرعية بعد انقلاب يناير/ كانون الثاني 1992، وأقيمت ندوتان، الأولى للحوار الوطني، والثانية كانت بعنوان الوفاق الوطني، والتي أقرت مرحلة انتقالية لمدة عام باختيار ليامين زروال رئيساً للدولة. وخلال العقدين الأخيرين، لم تشهد الجزائر أي حوار سياسي جدّي وحقيقي، عدا استشارات تقنية جرت عامي 2012 و2016، كانت مرتبطة بتعديل الدستور والإصلاحات الممكنة على القوانين الناظمة للعمل السياسي، لكن لم يكن لها أي انعكاس على الممارسة الديمقراطية وتغيير أساليب الحكم.

وحول إمكان استجابة السلطة لدعوات الحوار، خصوصاً في ظلّ الظروف الضاغطة داخلياً وخارجياً، رأى الناشط السياسي البارز في الحراك الشعبي، سمير بلعربي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "المسار الصحيح لتقوية الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات والأخطار داخلياً وخارجياً في ظل تغييرات إقليمية كبيرة وخطيرة يستدعي الذهاب إلى حوار حقيقي جاد وبنّاء، والقيام بإجراءات تهدئة لإعادة الثقة بين السلطة والشعب والمعارضة وعدم تضييع فرص أخرى". واعتبر بلعربي أن "هذا هو المخرج الحقيقي الذي ينصح به ويتمناه الجميع، لكننا نخشى أن تبقى السلطة على غيّها، وتصرّ على المقاربات السياسية الأحادية في معالجة الأزمة ورفض كل المساعي الحثيثة لأجل ذلك". وتابع بلعربي، الذي قضى فترة في السجن بسبب مواقفه السياسية وحصل أخيراً على حكم بالبراءة بعد إفراج مؤقت: "أنا متخوف فعلاً من أن تتجه السلطة إلى صدّ كل دعوات الحوار، طبيعة السلطة في الجزائر غير متكيفة مع منطق الحوار، وأي إصرار منها على الذهاب إلى المسار الانتخابي دون توفير الظروف المناسبة سيزيد من الهوة التي أفرزتها المقاطعة الشعبية الكبيرة لاستفتاء الدستور".

بخلاف هذه المواقف المتشائمة إزاء استجابة السلطة لدعوات إجراء حوار سياسي وطني، توقع القيادي في حركة "مجتمع السلم"، الرئيس السابق لمجلس شورى الحركة، عبد الرحمن سعيدي، أن تفرض الظروف الراهنة، سواءً داخل البلاد أو في محيطها، على السلطة فتح خطّ حوار مع القوى السياسية. وقال سعيدي في تصريح لـ"العربي الجديد" إن السلطة "قد تستجيب بطريقتها لدعوات الحوار، ربما عبر إقامة استشارات سياسية"، مضيفاً أنه من المهم توضيح وفرز طبيعة الدعوات المختلفة للحوار ومنطلقاتها في الجزائر. ورأى في هذا الصدد أن "هناك دعوات للحوار نعم، لكنها تنطلق من مقاربات مختلفة، مما يجعل تحقيقها صعباً، فهناك من ينطلق من قاعدة الانتقال الديمقراطي وترتيب المرحلة المقبلة سياسياً، وهناك من ينطلق من محددات المرحلة الحالية والتهديدات المحيطة بالجزائر، خصوصاً موضوع التطبيع والتوترات في المنطقة، ويريد حواراً لتحقيق وحدة الجبهة الداخلية". كذلك لفت إلى وجود مقاربة أخرى، وهي "حوار من أجل ضمان انتخابات نزيهة بقوانين جديدة تعدها السلطة لا يراد منها الاستفراد بالقانون وتنظيم المرحلة السياسية المقبلة في سياق عهد جديد بعد الرئاسيات". واعتبر أن "هذا التعدد في المقاربات والمنطلقات يدل على أن الحوار، وإن كان مطلباً لدى الطبقة السياسية وضرورة، إلا أن هذا التنوع والاختلاف يجعلان السلطة في وضعية الخيارات، وستختار الكيفية التي تحقق استقرارها وسياق رؤيتها السياسية".