خلافات سدّ النهضة: السودان ينسحب من اجتماع وزراء الريّ

خلافات سدّ النهضة: السودان ينسحب من اجتماع وزراء الريّ

22 نوفمبر 2020
يصرّ المسؤولون السودانيون على منح الخبراء الأفارقة دوراً أكبر (الأناضول)
+ الخط -

اتسعت هوة الخلاف في ملف سد النهضة الإثيوبي بين مصر والسودان أخيراً، وتجلّت في رفض السودان، أمس السبت، المشاركة في اجتماع وزراء الري المصري محمد عبد العاطي، والسوداني ياسر عباس، والإثيوبي سيليشي بيكيلي، والذي كان مقرراً أن يبدأ أمس، ويستمرّ لمدة 10 أيام. ووجّه الوزير السوداني رسالة إلى نظيره الإثيوبي أكد فيها "موقف السودان الداعي لمنح دور أكبر لخبراء الاتحاد الأفريقي لتسهيل التفاوض، وتقريب الشقة بين الأطراف الثلاثة، انطلاقاً من أن الطريقة التي اتبعت في التفاوض خلال الجولات الماضية أثبتت أنها غير مجدية". وجددت الرسالة تأكيد "تمسك السودان بالعملية التفاوضية برعاية الاتحاد الأفريقي، للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم للأطراف الثلاثة".

وترجمت الرسالة الخلاف المصري ـ السوداني، على الرغم من التقارب الواضح بين القاهرة والخرطوم في العديد من المجالات الأخرى، لا سيما العسكرية والاستخباراتية والأمنية، إلا أن الجانبين الفني والدبلوماسي السودانيين يبدوان في تباعد مستمر مع نظيريهما المصريين في ملف سد النهضة. وكان هذا الأمر منذ بضعة أسابيع محوراً لمناقشات سرية بين البلدين، نظراً لاعتراض مصر على اللهجة والنهج اللذين يستخدمهما المفاوضون السودانيون في ملف سد النهضة، وميلهم الواضح للجانب الإثيوبي في بعض المواضيع الفنية، وعدم تحميل أديس أبابا أي مسؤولية على تأخر المفاوضات، والمشاكل المختلفة التي برزت منذ إفشال مفاوضات واشنطن في الربيع الماضي.

اعترضت مصر على ميل الجانب السوداني الواضح لإثيوبيا
 

في السياق، أفادت مصادر دبلوماسية مصرية ذات صلة بالملف لـ"العربي الجديد"، بأن أعضاء عسكريين في مجلس السيادة السوداني، أبلغوا مسؤولين استخباراتيين ودبلوماسيين في القاهرة، بأنهم يعترضون على الطريقة التي تدير بها حكومة عبدالله حمدوك الملف. لكنهم في الوقت نفسه ووفقاً لتوازنات القوى حالياً داخل النظام السوداني، عاجزون عن اتخاذ خطوات جذرية للتغيير. كما أن المسؤولين الفنيين السودانيين لديهم مخاوف عميقة بشأن تأدية العسكريين والسياسيين دوراً لصالح مصر أو إثيوبيا على حساب المصالح السودانية الأصيلة في القضية. بالتالي، فهم يبادرون باتخاذ مواقف تعبّر عن هذه المصالح وحدها. لكن المصادر رجّحت في الوقت نفسه أن تلقى هذه الطريقة "ترحيباً غير معلن من جانب بعض الأعضاء العسكريين في مجلس السيادة"، لاستغلالها لمطالبة مصر بتقديم المزيد إلى السودان. وأضافت المصادر أن المسؤولين العسكريين السودانيين طلبوا من مصر تكثيف التواصل على الصعيدين الفني والدبلوماسي مع الخرطوم، للوصول من جديد إلى أرضية مشتركة، غير أن المشكلة تكمن في أن "الاعتراضات السودانية منطقية للغاية، خصوصاً على الاستمرار في انتهاج الطريقة ذاتها التي جرت بها الجولات السابقة من المفاوضات". لكن في هذه النقطة تكمن عقدة أخرى، هي طبيعة الخبراء الذين يمكن الوثوق فيهم من كل طرف لحلحلة الأزمة على الصعيد الفني. ووفقاً للمصادر، فإن مصر ترغب في إبعاد كل دور ممكن للخبراء الأفارقة المنتمين للاتحاد الأفريقي أو المختارين من أي دولة به، خوفاً من انحيازهم الذي كان ظاهراً خلال بداية اجتماعات رعاية الاتحاد الأفريقي للطرف الإثيوبي، وهو ما يعتبره المفاوضون السودانيون أمراً غير منطقي. ففي ظل تمسك مصر بعدم اللجوء لهؤلاء الخبراء، ورفض إثيوبيا والاتحاد الأفريقي الاستعانة بخبراء أميركيين وأوروبيين، يرى السودانيون أن اللجوء لهؤلاء الخبراء على ضوء صلاحيات واختصاصات محددة ومتفق عليها، هو الحل الوحيد لتغيير خريطة التفاوض، وجعل تلك العملية قابلة للاستمرار والإثمار.

وذكرت المصادر أن جنوب أفريقيا والاتحاد الأفريقي يدركان هذه المسألة الخلافية، ولكنهما يريان أن الحل الوحيد على المدى المنظور هو الاستجابة للمطالبة المصرية باستمرار المفاوضات على النهج نفسه، مع التركيز على انتزاع إقرار سياسي سيادي من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بالمضي قدماً في المفاوضات، من دون إبطاء. لكن هذا التعهد أصبح صعب المنال، في ظل تذرّع أحمد المستمر خلال الفترة الأخيرة بالأوضاع الداخلية الصعبة في بلاده، والحرب التي يشنها على إقليم تيغراي.

من جهته، كشف مصدر فني مصري في وزارة الري والموارد المائية لـ"العربي الجديد"، أنه "من الصعب، بل يكاد يكون مستحيلاً، التوصل إلى اتفاق متكامل قبل موعد الملء المقبل لسد النهضة وبدء السد في توليد الطاقة الكهربائية، حسبما ترغب الحكومة الإثيوبية في ربيع العام المقبل". وذكر المصدر أن الإسهام المنتظر لأي خبير بأي جنسية كانت ما زال محل شك كبير لدى القاهرة والخرطوم. وعلى المستوى الفني، كشفت فترة توقف المفاوضات في الخريف اختلاف أولويات الطرفين، فبينما تولي مصر اهتماماً كبيراً بفكرة الربط بين السدود وكمية التدفق السنوية ونوعية المياه والتصريفات التي ستجرى عليها، يهتم السودانيون في المقام الأول بضرورة وضع برنامج واضح للملء المستمر والدائم للسد، وبحجم التدفق اليومي من السد والذي سيصل إلى سد الروصيرص، حتى لا تتأثر السلامة الإنشائية للأخير. وتتمسك الخرطوم بأن يكون التغير في حدود 250 مليون متر مكعب وتقترح أديس أبابا 350 مليوناً. وتختلف الرؤية المصرية عن السودانية أيضاً حول فترات الجفاف والجفاف الممتد، إذ تقترح مصر تمرير 37 مليار متر مكعب كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا، وهو 32 مليار وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. لكن السودان يعتبر أن التمسك بالرقم الجديد المقترح من مصر لا يمكن اتفاقه مع جهود إثيوبيا للملء الجاد. كما أن هناك خلافاً أيضاً حول خطة إثيوبيا للاستخدامات الخاصة بالمياه، سواء كانت مخصصة لإنتاج الطاقة أو الزراعة أو غيرها.


من الصعب التوصل إلى اتفاق متكامل قبل موعد الملء المقبل للسد

وعلى الرغم من غياب إثيوبيا عن النقاشات بعد تقديمها ورقة في اجتماعات أغسطس/آب الماضي، فما زال هناك اتفاق فني بينها والسودان على ضرورة إبقاء منسوب المياه في بحيرة سد النهضة أعلى من 595 متراً فوق سطح البحر، لتستمر قدرته على إنتاج الكهرباء. وهو أمر تطالب مصر بإلغائه نهائياً، وتؤكد أنه غير عادل إذا انخفض مقياس المياه في بحيرة ناصر عن 165 أو 170 متراً، ما ينعكس على نقطة خلافية سبق ذكرها حول الربط بين مؤشرات القياس في سد النهضة وجميع السدود وعلى رأسها السد العالي. وابتداء من يونيو/حزيران الماضي، تسبّب فشل خطوة اللجوء إلى مجلس الأمن والاكتفاء بالاتحاد الأفريقي غير المتعاطف مع مطالب مصر في حالة من التشاؤم بين المفاوضين واللجان الفنية بوزارة الري، وكذلك بين المستشارين والخبراء الذين يعدون تقارير الموقف المصري في الإطار القانوني، والذين باتوا متأكدين من أن "إثيوبيا ترغب بشتى السبل في التهرب من أمرين اثنين: أن يكون الاتفاق إلزامياً لها، وأن يتضمن الاتفاق بنداً ينظم فض المنازعات باللجوء للتحكيم الدولي أو الإقليمي".