خلافات "الحشد الشعبي": وساطات لمنع انفصال فصائل النجف

خلافات "الحشد الشعبي": وساطات لمنع انفصال فصائل النجف

12 ديسمبر 2020
يضمّ "الحشد الشعبي" نحو 115 ألف مقاتل (الأناضول)
+ الخط -

للأسبوع الثاني على التوالي، تواصل أطراف عدة في بغداد والنجف، في العراق، مساعي كثيفة للتوصل إلى تسوية بين الفصائل المسلحة داخل "الحشد الشعبي"، التابعة للنجف والمعروفة باسم "حشد العتبات"، وتلك المرتبطة بإيران ويطلق عليها "الولائية". مع العلم أن "الولائية" تسيطر على كل المفاصل القيادية ودوائر القرار في هيئة "الحشد الشعبي"، المظلة الجامعة لأكثر من 80 مليشيا مسلحة تشكَّل معظمها بعد اجتياح تنظيم "داعش" للعراق عام 2014، ويبلغ مجموع عناصرها وفقاً للتقارير الحكومية العراقية 115 ألف مسلح يتقاضون مرتبات شهرية من الدولة العراقية.


الفصائل الولائية صادرت القرار في الحشد الشعبي وجعلته خارج إطار المصلحة العراقية

ومطلع الشهر الحالي، نظّمت الفصائل التابعة للنجف، مؤتمراً هو الأول من نوعه وحمل اسمها "حشد العتبات"، في أول إقرار رسمي منها بتمييزها عن باقي الفصائل المرتبطة بإيران والتي تشكل أكثر من 60 في المائة من مجموع فصائل "الحشد الشعبي". وحضر المؤتمر وكلاء المرجع الديني في النجف علي السيستاني وكذلك ممثلون عن العتبات الدينية المقدسة في النجف وكربلاء، وشيوخ حوزة النجف التاريخية التي تناظر حوزة قم دينياً.

وخلص المؤتمر الذي استمر ثلاثة أيام إلى جملة من القرارات التي اعتُبرت موجهة بالدرجة الأولى للفصائل "الولائية"، ومن أبرزها منع مشاركة عناصرها من الترشح للانتخابات تحت أي عنوان، أو التدخل بالسياسة، والالتزام بقرارات الحكومة والقانون والدستور، والعمل بموجب أوامر القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة)، والعمل على تعزيز وحدة العراقيين. ونوه المؤتمر في ختام أعماله إلى أن "حشد العتبات هو أساس الحشد الشعبي"، في إشارة إلى فتوى المرجع الديني علي السيستاني.

ويضم "حشد العتبات" فصائل مسلحة عدة، أبرزها "فرقة الإمام علي"، و"لواء علي الأكبر"، و"فرقة العبّاس القتالية"، و"لواء أنصار المرجعيّة". وتُشكّل أكثر من 40 في المائة من تعداد عناصر "الحشد الشعبي"، وعادة ما تغيب تلك الفصائل عن الذكر في ملف الانتهاكات والجرائم الطائفية، إذ توصف بأنها الأكثر التزاماً.

وكشفت مصادر سياسية وأخرى مقرّبة من "حشد العتبات"، لـ"العربي الجديد"، عن وجود "مساعٍ كثيفة لاحتواء الأزمة بين الفصائل الموالية العراقية وتلك المرتبطة بإيران"، على حد تعبير عضو في ائتلاف "النصر"، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي. وأضاف المتحدث لـ"العربي الجديد"، أن "الفصائل (الولائية) صادرت القرار في الحشد الشعبي وجعلته خارج إطار المصلحة العراقية. وهو ما ظهر ذلك بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة مع أزمة صواريخ "كاتيوشا" التي شهدتها بغداد ضد القوات الأميركية وسفارة واشنطن في المنطقة الخضراء. وصار لزاماً تصحيح الأوضاع باستعادة القرار العراقي في الحشد". ولفت إلى أن "أطرافاً تحاول اختزال المشاكل بموضوع تقاسم المناصب بين فصائل حشد العتبات وتلك الولائية، لكن الحقيقة أن الموضوع يتعلق بتصرفات تلك الفصائل ومحاولة ابتلاع الحكومة والدولة ككل".

وتعد "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"النجباء"، و"الطفوف"، و"البدلاء"، و"الخراساني"، و"الإمام علي"، و"سيد الشهداء"، و"جند الإمام"، و"أئمة البقيع"، و"بدر"، ومليشيات أخرى، أبرز تلك التي تصنف بعبارة "المليشيات الولائية"، في إشارة لارتباطها بإيران، وولائها الديني مرتبط بالمرشد الإيراني علي خامنئي، لا بمراجع النجف. كما تمتلك أغلب تلك المليشيات أجنحة مسلحة تدعم نظام بشار الأسد في سورية.

وكانت أولى بوادر الخلاف بين "حشد العتبات" والفصائل الموالية لإيران، قد برزت في فبراير/شباط الماضي، بعد اختيار عبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ"أبو فدك" و"الخال"، بديلاً لقائدها العسكري أبو مهدي المهندس، الذي قُتل مع زعيم "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد الدولي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي. وسبق أن أعلنت فصائل النجف رفضها لاختياره بديلاً عن أبو مهدي المهندس، لتتفاعل الخلافات بطلب رسمي من فصائل "حشد العتبات" بـ"الارتباط عملياتياً" بمكتب رئيس الوزراء وليس بهيئة "الحشد الشعبي".

في السياق، قال قيادي بارز في "حشد العتبات"، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "الانفصال عن هيئة الحشد بات أقرب من أي وقت سابق"، كاشفاً أن "التوجه العام هو الارتباط الكامل بمكتب القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي)، من ناحية عسكرية وإدارية، وعمليّاتية تكون مع وزارة الدفاع. وحالياً هناك لقاءات مع مسؤولين وأطراف عدة ببغداد، من أجل العمل على هذا الانفصال بشكل قانوني، لأنه يحتاج إلى موافقات رسمية من جهات عدة، والعمل جار على ذلك".

ولفت إلى أن "حشد العتبات قدّم التضحيات وحقق إنجازات كبيرة في الحرب ضد تنظيم داعش، وعلى الرغم من ذلك تم تهميشه من أي مناصب قيادية ومهمة في هيئة الحشد الشعبي، بل أصبحت الهيئة حكراً على جهات وشخصيات لها أجنحة سياسية وأجندات تابعة لدولة إقليمية، تعمل على تحقيقها من خلال هذه الهيئة"، في إشارة إلى إيران. وأكد أنه "حتى مرجعية النجف (علي السيستاني)، داعمة لعملية انفصال الفصائل المرتبطة به عن هيئة الحشد الشعبي، في حال استمرت هذه الأوضاع داخل الحشد، إذ بدأ يتشكل داخلها جناح سياسي لتنفيذ أجندات ضد مصلحة العراق وتهدد بعزله دولياً. وهناك نوايا لهذا الجناح للمشاركة بالانتخابات المقبلة على خلاف فكرة ما تأسس له الحشد وهدفه".
وأضاف القيادي في "حشد العتبات"، أن "هناك وساطات من قبل رئيس هيئة الحج والعمرة العراقية، الشيخ سامي المسعودي، الذي يمتلك علاقات طيبة مع كافة الفصائل، ومن قبل زعيم منظمة بدر هادي العامري، من أجل تسوية الخلافات، لمنع انفصال حشد العتبات عن هيئة الحشد، لما لذلك من تبعات سلبية كبيرة على مستقل الهيئة". وختم بالقول إن "حشد العتبات يشكّل ما يقارب نصف قوة وتعداد هيئة الحشد الشعبي، ولهذا الكل يخشى فقدان نصف قوة الحشد. كما أن الفصائل الأخرى لا تريد سحب الشرعية الدينية من مرجعية النجف، إذا ما سحبت فصائلها من هيئة الحشد الشعبي، التي دائماً ما تؤكد أنها تعمل بغطاء من المرجعية".

في المقابل، أقرّ القيادي في "الحشد الشعبي" محمد البصري، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، بوجود الخلافات، لكنه اعتبرها "إدارية"، مضيفاً أن "حشد العتبات لغاية الآن لم ينفصل عن الهيئة وهو عائد لها ومرتبط بها. والخلاف هو بسبب هيكلية الهيئة وعدم وجود مناصب مهمة لحشد العتبات داخل الهيئة وهذا الخلاف سيحل قريباً".


حشد العتبات يشكّل ما يقارب نصف قوة وتعداد هيئة الحشد الشعبي

وأوضح البصري أن "الخلاف ليس بسبب التوجهات لهذا الطرف أو ذاك في القضايا بل إداري، وهناك محاولات للتسوية في القريب العاجل من خلال الترضية، وهناك وساطات عالية المستوى، لمنع أي انقسام داخل الحشد الشعبي". وأشار إلى أن "حشد العتبات يريد أن يكون لكل الفصائل تمثيل داخل المناصب الإدارية والقيادية في هيئة الحشد الشعبي، وهذا أمر ممكن تطبيقه والقبول به خلال الفترة المقبلة"، معتبراً أن "انفصال حشد العتبات عن الهيئة مستبعد، والتسوية هي الأقرب، ولم ولن ينقسم الحشد الشعبي مطلقاً".
من جهته، قال المحلل محمد التميمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف بين حشد النجف والفصائل الولائية، ليس وليد اليوم، بل موجود منذ الإعلان عن تشكيل هيئة الحشد بشكل رسمي، وهيمنة الفصائل الولائية عليها. ووصل الأمر في عهد أبو مهدي المهندس إلى درجة التحكّم في حشد النجف. وهذا ما دعا قادة حشد العتبات إلى التحرك وفك الارتباط من الناحية العسكرية بالهيئة، وليكون الارتباط العسكري بمكتب القائد العام للقوات المسلحة".

وأشار التميمي إلى أن "المعلومات جميعها تؤكد فشل كل الوساطات في منع انفصال حشد النجف عن هيئة الحشد الشعبي، خصوصاً أن الخلاف أصبح أكثر من خلاف مناصب ومواقع إدارية وقيادية داخل الهيئة. وأصبح الأمر يخص توجهات وأجندات يريد البعض تنفيذها بغطاء الحشد الشعبي، وخصوصاً بما يخص استهداف المنطقة الخضراء، فكل المؤشرات تؤكد أن الصواريخ تنقل وتطلق بغطاء من عربات وهويات تعريفية تابعة للحشد الشعبي".

وأكد أن "انفصال حشد النجف عن هيئة الحشد الشعبي، يحتاج إلى وقت طويل، إلى ربما نحو خمسة أشهر، لأن هناك موافقات يجب أن تتم من جهات عليا أمنية وإدارية، كما يجب تسوية ملفات الأسلحة وقضايا مالية. لكن الانفصال سيكون حاضرا وبشكل رسمي، قبل فترة الانتخابات المبكرة (6 يونيو/حزيران المقبل)، خصوصاً أن هذه الخطوة ستكون ضربة قوية لعدد من الشخصيات والجهات التي تريد أن تستغل هيئة الحشد والمرجعية في القضايا السياسية والانتخابية". وتوقع أن يكشف الانسحاب ظهر الفصائل التابعة لإيران في العراق، من خلال نزع الثوب المحلي عنها وجعلها أقرب لوكلاء إيرانيين علنيين في العراق من كونها فصائل عراقية.

المساهمون