حسن شيخ محمود رئيساً للصومال... اختبار تصفير المشاكل

حسن شيخ محمود رئيساً للصومال... اختبار تصفير المشاكل داخلياً وإقليمياً ومواجهة "الشباب"

17 مايو 2022
حصل شيخ محمود على 214 صوتاً (أبوبكر محمد محي الدين/الأناضول)
+ الخط -

حقق الرئيس الصومالي السابق حسن شيخ محمود فوزاً كبيراً في الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في مقديشو أمس الأول الأحد. 

وحصل شيخ محمود، في الجولة الثالثة والأخيرة من المنافسة الانتخابية، على 214 صوتاً في مقابل 110 حصل عليها الرئيس المنتهية ولايته محمد عبد الله فرماجو، الذي أقر بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، داعياً، بعد إعلان رئيس البرلمان شيخ آدم مدوبي النتيجة، المجتمع الصومالي إلى التعاون مع الرئيس الجديد.

وبعد ساعات من الإعلان عن فوز شيخ محمود بالرئاسة، قال مسؤولان أميركيان إن الرئيس الأميركي جو بايدن أذن بإعادة نشر بضع مئات من القوات الأميركية في الصومال، بعد قرار سلفه دونالد ترامب في العام 2020 بسحبهم من البلاد. 

وقبل قرار ترامب، كان للولايات المتحدة نحو 700 جندي في الصومال يركزون على مساعدة القوات المحلية في إلحاق الهزيمة بحركة "الشباب"

وافق جو بايدن على عودة القوات الأميركية إلى الصومال

وقال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، لوكالة "رويترز"، إن بايدن أقر طلباً من وزير الدفاع لويد أوستن بإعادة تأسيس وجود عسكري أميركي مستمر في الصومال لقتال حركة الشباب بشكل أكثر فعالية، وأوضح أن هذا الأمر عبارة عن "إعادة تموضع للقوات الموجودة بالفعل في مسرح العمليات، والتي سافرت من الصومال وإليه منذ أن اتخذت الإدارة السابقة قرار الانسحاب" من البلاد.

التسامح شعار المرحلة المقبلة

وقال شيخ محمود، أمام الناخبين البرلمانيين، إن "التسامح" سيكون شعار المرحلة المقبلة، وذلك لتحقيق حياة أفضل للصوماليين، والحفاظ على كرامتهم، مؤكداً أنه سيعمل على الوفاء بوعوده، وأن فترة حكمه ستتسم بالتسامح وعدم السعي للثأر من خصومه السياسيين.

وأوضح شيخ محمود، الذي سيتسلم مقاليد الحكم من فرماجو خلال الأيام المقبلة، أن الصومال لديه ما يكفي من القوانين والتشريعات، وإذا كان هناك اختلاف في الرأي أو مشاكل سياسية عالقة بين القيادات فستكون القوانين هي الفيصل لبتها.

واعتبر أنه من الصعب نكران ذكريات الماضي الأليمة، لكن يمكن العفو عنها، "لذا من الضروري أن يسود التسامح في ما بيننا". وبعد انتهاء الاستحقاق الرئاسي وفوز شيخ محمود بالرئاسة، للمرة الثانية في تاريخه، تظاهر العشرات من الشباب في شوارع مقديشو، وسمع دوي الرصاص في أنحاء متفرقة من العاصمة احتفاء بفوزه.

وأشاد مبعوث الأمم المتحدة لدى الصومال جيمس أسوان، في حديث مع "العربي الجديد"، بـ"العرس الانتخابي" الذي حققه الصومال، وإن جاء بعد تأجيل استمر لمدة عام، لكن تكلل أخيراً بنجاح التجربة الديمقراطية في البلاد مجدداً. وفي حين أشاد أسوان بقبول فرماجو بنتيجة الانتخابات، فإنه أكد أنه حان الوقت ليجتمع الصوماليون معاً لدعم الرئيس الجديد بالتعاون مع الشركاء الدوليين.

تحدي مواجهة "الشباب"

وقال الصحافي أويس حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن التحدي الأكبر التي يواجهه الرئيس المنتخب هو خطر وجود حركة "الشباب" في أنحاء متفرقة من جنوب البلاد ووسطها.

واعتبر أنه يمكن التغلب على هذا التحدي، سواء عبر الدخول في مفاوضات معها لإنهاء هذا الصراع سلمياً أو القضاء عليها بالقوة. واعتبر حسين أن ملف المفاوضات مع "صومالاند" أو أرض الصومال الانفصالية المعلنة من طرف واحد من بين التحديات التي يواجهها شيخ محمود، رغم أن هذا الملف حقق تقدماً كبيراً في فترة حكمه السابقة (2012-2017)، في المفاوضات التي رعتها تركيا في العام 2015.

وأشار إلى أنه يمكن من خلال مفاوضات جادة بين مقديشو وهرجيسا عودة الوحدة بين الجانبين طواعية، كما حدث إبان استقلال الصومال في العام 1960.

وأشار حسين إلى أن علاقات الصومال شهدت، بعد العام 2018، تدهوراً كبيراً مع دول الجوار، خاصة كينيا وجيبوتي، بسبب مواقف الصومال من أزمات إقليمية وأخرى عربية، وهو ما يجعل تحدي ترميم العلاقات مع دول الجوار من بين صلب اهتمامات شيخ محمود، الذي يوصف بأنه سياسي مرن ومتزن في خلق علاقات بناءة أساسها حسن الجوار، لتصفير المشاكل بين الصومال ومحيطه الإقليمي، والدول العربية والدولية.

يذكر أن الحد من التدهور الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، بعد ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الضرورية، نتيجة تراجع الإنتاج الزراعي من جهة وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية من جهة ثانية، بالإضافة إلى تداعيات جائحة كورونا على اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى أزمة الجفاف التي تضرب جنوب البلاد، تضع أمام الرئيس الجديد جملة من التحديات والعقبات.

ووفق محللين، فإن فوز شيخ محمود كان متوقعاً، بسبب توفر عدة عوامل، كان أبرزها غياب وجوه سياسية جديدة أكثر قدرة على لم شمل أكبر قدر ممكن من أصوات البرلمانيين، وإقناعهم بالتصويت لصالح فرماجو. 

ويضاف إلى ذلك تراجع مكانة وشعبية الرئيس المنتهية ولايته في العامين الماضيين مقارنة بما كانت عليه في 2017، خصوصاً بعد تبنيه قرار تمديد فترته لعامين إضافيين، ما جعله في نظر كثيرين يحاول اغتصاب الحلم الديمقراطي في البلاد. 


علاقات الصومال شهدت بعد العام 2018 تدهوراً كبيراً مع دول الجوار

كما أن علاقات فرماجو مع رؤساء الولايات الفيدرالية، خاصة جوبالاند وبونتلاند، كانت متردية، الأمر الذي دفع قيادة تلك الولايات التي يتحدر معظم سكانها من عشيرة فرماجو نفسها (قبيلة الدارود) إلى تأييد رئيس آخر لإزاحته عن السلطة. وقد عملت تلك القيادات على بناء تحالف مع الرئيس الجديد الذي ينتمي إلى قبيلة الهوية.

الأولوية لترتيب البيت الداخلي

وفي هذا السياق، قال المحلل السياسي والكاتب الصومالي عبد الرحمن راغي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ترتيب البيت الداخلي وتوحيد البلاد أولاً أمر ضروري في هذه المرحلة، عبر عدم إقصاء طرف سياسي بسبب خصومة سياسية سابقة، أو تهميش جزء من المجتمع، ومن ثم يجب الانطلاق للعمل على إصلاح العلاقات مع دول الجوار. 

وأشار راغي إلى أن اختيار رئيس حكومة قادر على تشكيل حكومة تكنوقراط من أجل دفع البلاد إلى الأمام تأتي في صلب أولويات الرئيس، وذلك لمواجهة الأخطار والتحديات الأمنية والسياسية التي تعيشها البلاد في الفترة الأخيرة.

وحول إمكانية التغلب على الفساد وعدم نزاهة المؤسسات العدلية في البلاد، اعتبر راغي أن مكافحة الفساد وتطهير القضاء لقطع الطريق أمام تفشي غول الفساد في المؤسسات الرسمية، يأتي من خلال تأسيس المحكمة الدستورية لفصل الصلاحيات بين المؤسسات التنفيذية في البلاد.

ويقول مراقبون إن شيخ محمود يحظى بتجربة سياسية بعد أن كان رئيساً للبلاد، وعاش تجربة مريرة في بناء النظام الفيدرالي، حيث تمكن من تأسيس أربع ولايات فيدرالية، وأجرى فيها انتخابات لاختيار برلماناتها ورؤسائها، وكان هذا من أهم الإنجازات السياسية التي حققها خلال فترة حكمه. 

ويعرف شيخ محمود بقربه من نخبة سياسية تضم جزءاً كبيراً من حزبه السياسي "السلام والتنمية" الذي أسسه في العام 2011، ليخوض الانتخابات الرئاسية في 2012. وكانت هذه النخبة السياسية، الموجودة في البرلمان الفيدرالي، قد كثفت جهودها لإعادة تنصيبه رئيساً. 

ويعزز هذا الأمر من فرص شيخ محمود في بناء صومال جديد، كما تعهد أثناء حملته الانتخابية. وكان شيخ محمود قد أعلن في تصريح، أخيراً، أن الحوار هو السبيل الوحيد لإقناع قادة جمهورية "أرض الصومال" للبت بمستقبل مصيرهم السياسي، فإما الانفصال أو الوحدة مع البلاد، مؤكداً أن استخدام القوة والضغط على هذا الإقليم عبر قطع المساعدات الدولية عنه لن يجدي نفعاً.