تفاصيل اقتحام الكونغرس: ضعف بيروقراطي أمني واستجابة محدودة

تفاصيل اقتحام الكونغرس: ضعف بيروقراطي أمني واستجابة محدودة

12 يناير 2021
أميركيان يضعان الزهور تكريماً لقتلى اقتحام "كابيتول هيل" (فرانس برس)
+ الخط -

أظهر اختراق أنصار الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب مبنى "كابيتول هيل" في العاصمة الأميركية واشنطن في 6 يناير/ كانون الثاني الحالي، ضعف التدابير الأمنية المتخذة، سواء لناحية الانتشار الأمني حول المبنى، أو في التعامل مع الأحداث المتسارعة أو حتى في استدعاء قوات إضافية لفرض النظام. وبعد صدمة الاقتحام، في أول اختراق من نوعه لمبنى "كابيتول هيل" منذ الغزو البريطاني لواشنطن وإحراق المبنى في عام 1812، حاولت السلطات الأميركية استيعاب الأحداث. وبدأت الخطوة بمحاسبة المقصّرين في الدفاع عن المبنى واستقالة بعضهم من ذوي الرتب الأمنية، ثم اعتقال كل من اقتحمه، مع التهديد بأحكام قضائية قاسية. لا تريد أميركا الاكتفاء بمحاسبة هؤلاء، فالخطوات التي تقودها رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي تشي بنيّتها معاقبة ترامب بسبب تحريضه المتظاهرين على اقتحام الكونغرس، من دون الأخذ بعين الاعتبار مغادرته البيت الأبيض في 20 يناير الحالي مع انتهاء ولايته. لا يبدو الهدف الأساسي من خطوات السلطات الأميركية معاقبة المتسببين والمحرّضين ومرتكبي عملية اقتحام الكونغرس فحسب، بل منع أي فرد أو مجموعة من التفكير بذلك مستقبلاً، تحت طائلة العقوبات القصوى، خصوصاً أن الاختبار الأول سيكون في يوم تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن في 20 يناير.


أنصار ترامب: كابيتول هيل هو هدفنا. كل شيء آخر هو إلهاء

 

وحول التعاطي القضائي والأمني مع مقتحمي الكونغرس، كشف وزير الجيش الأميركي رايان مكارثي للنائب الديمقراطي جايسن كرو، مساء أول من أمس الأحد، أنه تم فتح ما لا يقلّ عن 25 قضية إرهاب محلية نتيجة هجوم أنصار ترامب. وكشف كرو، وهو عضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب أيضاً، أن مكارثي أبلغه بأن وزارة الدفاع (البنتاغون) كانت على دراية "بمزيد من التهديدات المحتملة التي يشكلها الإرهابيون المحتملون" في الأيام التي تسبق تنصيب بايدن. وقال كرو في ملخص مكالمته مع مكارثي: "تم العثور على بنادق طويلة وقنابل حارقة وعبوات ناسفة، ما يشير إلى تفادي كارثة أكبر بصعوبة". وأكد مكارثي له أن وزارة الدفاع تعمل مع سلطات إنفاذ القانون المحلية والاتحادية لتنسيق الاستعدادات الأمنية، قبل يوم الاقتحام. وكرو نفسه كان أحد أفراد الجيش الأميركي في العراق، وأظهرته الصور محتمياً في الكونغرس مع زملائه. وقال لصحيفة "نيويورك تايمز" عن يوم الاقتحام: "كان علينا إما الوقوف لمرة أخيرة (في الكونغرس وإقرار فوز بايدن بالرئاسة) أو القتال للخروج من هناك". من جهته، لام رئيس شرطة الكونغرس المستقيل ستيفن سوند مسؤولي الأمن في "كابيتول هيل"، معتبراً في حديثٍ لصحيفة "واشنطن بوست"، أنهم "عرقلوا جهوده لاستدعاء الحرس الوطني". ونقلت الصحيفة عنه قوله إن المشرفين عليه ترددوا في اتخاذ خطوات رسمية لطلب الحرس الوطني، حتى بعد ورود معلومات تفيد بأن الحشد الذي دعاه ترامب إلى واشنطن، ربما سيكون أكبر بكثير من التظاهرات السابقة. وكشفت تصريحات سوند مدى الارتباك البيروقراطي الذي ساد خلال ذلك النهار، والذي استفاد منه أنصار ترامب مثيرين الرعب في صفوف أعضاء الكونغرس. وما سقوط 5 قتلى، بينهم شرطي، وعشرات الجرحى، سوى تأكيد على هذا الارتباك. وفي التفاصيل، أن أنصار ترامب اخترقوا الخط الهشّ للشرطة على أدراج "كابيتول هيل"، فاتصلت عمدة واشنطن مورييل باوزر بالبنتاغون، وطلبت تعبئة قوات إضافية من الحرس الوطني في العاصمة، لكن البنتاغون شدّد على أن الطلب "يجب أن يأتي أولاً من شرطة كابيتول هيل". وخلال تواصل البنتاغون مع سوند، بدا الأخير تائهاً، من دون حسم موقفه، إلى أن سُئل "أيها القائد سوند هل تطلب قوات الحرس الوطني إلى مبنى كابيتول؟"، حينها ردّ سوند "نعم". ولم يتمكن الحرس الوطني من تلبية النداء سوى بعد 4 ساعات لأسباب لوجستية. مع العلم أن شرطة "كابيتول هيل" وشرطة العاصمة واشنطن، رفضتا عرضاً قبل أيام من اقتحام الكونغرس، من البنتاغون لمدّهما بقوات إضافية. ورأت "نيويورك تايمز" أن الفوضى أظهرت عدم وجود خطة منسقة لدى الوكالات الحكومية للدفاع ضد أي هجوم على مبنى "كابيتول هيل"، على الرغم من تصريحات سابقة للسلطات الأمنية حول "التهديد المتزايد للإرهاب المحلي". وفي هذا الموضوع إشارة إلى منظمة "كيو أنون"، التي كانت من الداعمين والمشاركين في الاقتحام، رغم تصنيف مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" لها بأنها "تهديد إرهابي محلي". ولامت الصحيفة الوكالات الفيدرالية وشرطة "كابيتول هيل" بسبب عدم إصدارهم تحذيرات جدّية في الأيام التي سبقت أعمال الشغب، تحديداً لإمكانية تحوّل التجمّع إلى أعمال عنف. وأشارت "نيويورك تايمز" إلى أنه على الرغم من انتشار الدعوات المكثفة للحركات اليمينية المتطرفة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتعهدها بالمواجهة وحتى إراقة الدماء، إلا أن وزارة الأمن الداخلي دعت وكالات إنفاذ القانون المحلية إلى إنشاء غرفة عمليات خاصة فقط في اليوم السابق لأعمال الشغب، والتي قال بعض خبراء الأمن إنها جاءت متأخرة جداً.


حذّر "أف بي آي" شرطة "كابيتول هيل" من أعمال العنف

 

وألقت "نيويورك تايمز" الضوء على تدوينات المشاركين في الاقتحام على موقع "فيسبوك"، إذ قال أحدهم إن "كابيتول هيل هو هدفنا. كل شيء آخر هو إلهاء". في المقابل، ذكر شخص آخر أن "كل عضو فاسد في الكونغرس موجود في غرفة مغلقة، وهي فرصة لن تتكرر مرة أخرى"، في إشارة إلى نوايا المقتحمين في إراقة الدماء. وذكرت الصحيفة أن المشاغبين لم يناقشوا فقط الخطوات اللوجستية أثناء رحلتهم إلى العاصمة، بل أيضاً "احتلالها" عبر نصب الخيام في الشوارع والنوم في السيارات، فضلاً عن نقل أسلحة وذخائر. وتحدث بعضهم عن "أنواع الذخيرة الأفضل لاستخدامها"، فضلاً عما إذا كان "سيتم توفير الإسعافات" لمن يُمكن أن يُصابوا خلال الاقتحام. وكان يُمكن أن يكون الأمر أسوأ من ذلك بكثير. فقد ذكر موقع قناة "فوكس نيوز" أن مسؤولين من "أف بي آي" التقوا مجموعات من المتطرفين قبل التجمع المؤيد لترامب، لحثّهم على تجنّب السفر إلى العاصمة. وذكر مصدر مطلع للقناة أنه "من غير الواضح، في هذه المرحلة، عدد المتطرفين الذين تم الاتصال بهم، قبل 6 يناير". كما أفادت قناة "أن بي سي نيوز" بأن "أف بي آي" حذّر شرطة "كابيتول هيل" من احتمال وقوع أعمال عنف في 6 يناير.