دومينو الانقلابات يصل إلى بوركينا فاسو: تحولات أفريقية توظف المتغيرات الدولية

26 يناير 2022
تشهد غرب أفريقيا تراجعاً متزايداً للنفوذ الفرنسي (لودوفيك ماران/فرانس برس)
+ الخط -

لم يبق من غموض، حتى عصر أمس الثلاثاء، في بوركينا فاسو، منذ الانقلاب الذي نفّذته مجموعة عسكرية متمردة ليل السبت – الأحد، سوى مصير الرئيس روش مارك كريستيان كابوري.

فبغضون 36 ساعة، انضم هذا البلد الواقع في منطقة الساحل الأفريقي، إلى مالي وغينيا، اللتين شهدتا 3 انقلابات، منذ أغسطس/آب 2020، اثنان في مالي، أحدهما أطاح الرئيس الراحل إبراهيم بوبكر كيتا، فيما انقلب العسكر في غينيا ضد الرئيس ألفا كوندي.

وتشي الديناميات العسكرية في أفريقيا، بأن جيلاً جديداً من النخبة العسكرية، بدأ يتلمس تراجع الهيمنة الغربية، وتحديداً الفرنسية، في القارة، وتفلت القدرة لديها على صنع القرار في المنطقة، وسط متغيرات في النظام العالمي، تسمح لأطراف دولية أخرى بدخول المشهد الأفريقي بقوة.

وقد يكون كابوري، الذي تحدثت أوساطه أول من أمس، عن نجاته من محاولة اغتيال، فيما أكد المتمردون أنه في مكان آمن، قد ساهم هو أيضاً في سقوط جديد لرئيس أفريقي منتخب.

قدم المتمردون لائحة مطالب، منها تعزيز إمكانياتهم، وتغيير قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية

ودخلت بوركينا فاسو وغيرها من "الديمقراطيات" الناشئة في أفريقيا، منذ سنوات، في أتون حروب خاسرة ودموية مع الجماعات المتطرفة الإسلامية، المستفيدة من تهالك الأنظمة الأفريقية، لصالح اللوبيات المحلية والدولية الفاسدة.

في غضون ذلك، من المبكر الحديث عن دور جديد لمجموعة "فاغنر" العسكرية للمرتزقة الروس، في تطورات بوركينا فاسو، علماً أن اسمها بات يظهر بقوة مع كل التغييرات الحاصلة في القارة، من أفريقيا الوسطى إلى الكاميرون إلى مالي.

ولم يمنع الحراك العسكري الانقلابي المتزايد في القارة، صحفاً عالمية عدة، من الحديث اليوم، عن "انقلابات عسكرية شعبية"، بعدما خرج المئات خلال اليومين الماضيين، في عاصمة بوركينا فاسو، واغادوغو، للترحيب وإظهار تأييدهم الانقلاب. وهو مشهد قد يتكرر في أكثر من دولة أفريقية بعد، ومنها النيجر التي تعيش عدم استقرار أمني متزايد.   

وقائع الانقلاب في بوركينا فاسو

ولم يمض وقت طويل، منذ فجر الأحد، وسماع دوي الرصاص الأول في قاعدة سانغولي لاميزانا العسكرية على أطراف العاصمة، وفي مدينة كاييه الشمالية، حتى تأكد أن ما يحصل في بوركينا فاسو هو انقلاب عسكري، على الرغم من إعلان الحكومة والحزب الحاكم، "الحركة الشعبية من أجل التقدم"، يوم الأحد، أن الوضع في البلاد، لا يزال تحت السيطرة.

ثم تأكد لاحقاً، أن المجموعة العسكرية، التي أعلنت عن نفسها في إطار حركة جديدة أطلقت عليها اسم "الحركة الوطنية للحماية والاستعادة"، أطاحت كابوري، الذي لا يزال مصيره غامضاً.

وكان كابوري سجّل على حسابه على "تويتر"، تعليقاً أخيراً، يدعو فيه "أولئك الذين أشهروا السلاح إلى خفضه، خدمة للمصلحة العليا للبلاد". كما أكد حزبه في بيان، أن منزل كابوري الخاص، "مدمر"، وأن "الديمقراطية في خطر".

من جهتهم، أكد المتمردون في بيان موقع باسم الكولونيل بول هنري سانداغو داميبا، وألقاه ضابط آخر، عصر الإثنين، أن كابوري في مكان آمن، وأنه جرت إطاحته، وتعليق العمل بالدستور، وحلّ الحكومة والبرلمان، كما أغلقوا حدود البلاد.

وتحدث البيان، عن أسباب الانقلاب، وهي تراجع الوضع الأمني، وما وصفوه بفشل كابوري في توحيد الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، والاستجابة للتحديات، ومنها هجمات المتطرفين.

وقال البيان، إن الانقلاب كان "نظيفاً"، وجرى دون إراقة دماء، وإن المعتقلين، ومن بينهم الرئيس المخلوع، "في مكان آمن يحترم كرامتهم".

وأضاف الكابتن سيدزوري قادر أودراغو، الذي تلا البيان الذي أذاعه التلفزيون الرسمي، بعد سيطرة المتمردين على القصر الرئاسي والمجمعات الحكومية، أن الانقلاب حصل "لهدف وحيد هو السماح لبلدنا، بالعودة إلى المسار الصحيح".

ولفت إلى أن الحركة الانقلابية "التي تضم كل أقسام الجيش، قد قرّرت إنهاء ولاية الرئيس كابوري اليوم"، مع التعهد باقتراح رزنامة للعودة إلى النظام الدستوري "في مدة زمنية معقولة بعد التشاور مع الأطراف الفاعلة في البلاد".

وتحدثت تقارير إخبارية، أول من أمس، عن عملية تفاوض مع السلطة جرت من قبل المتمردين العسكريين، الذين قدموا لائحة مطالب، منها تعزيز إمكانياتهم في مواجهة المتطرفين، وتغيير قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخبارية. وتبقى هذه المعلومات غير مؤكدة، علماً أن الانقلاب لم يدم طويلا، ما يعني انخراط أسماء عسكرية قيادية فيه.

تعهد العسكر بوضع جدول زمني للعودة سريعاً إلى النظام الدستوري

وكانت بوركينا فاسو، وهي إحدى الدول الأفريقية الأكثر فقراً رغم غناها بالذهب، قد شهدت على غرار دول عدة في محيطها، انقلابات عدة منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1960.

لكن الترحيب الشعبي بالانقلاب، على الرغم من حالة الخوف التي سادت في واغادوغو، يعود إلى تفلت الوضع الأمني المتزايد، والذي دام طويلاً، مع سيطرة المسلحين المتطرفين المنتمين أو الموالين لتنظيمي "القاعدة" أو "داعش"، على مساحات شاسعة من البلاد، وسقوط آلاف القتلى من السكان جراء عنفهم، بالإضافة إلى موجة نزوح هرباً من هذا العنف.

ويتعرض الجيش في هذا البلد، إلى هجمات متزايدة من المتطرفين، مع سقوط قتلى منهم بأعداد متزايدة. وكان كابوري قد واجه موجة تظاهرات شعبية خلال الأشهر الأخيرة الماضية، وسط إحباط شعبي من مقتل مدنيين وعسكريين على يد الجماعات المتطرفة.

قلق أفريقي ودولي

وبلغ الامتعاض الشعبي من الرئيس ذروته بعدما أخفق كابوري في إدارة الأزمة الأمنية، إثر مقتل أكثر من مائة مواطن في هجوم دموي نفذ في يونيو/حزيران الماضي في قرية سولهان الشمالية، وتوجهت أصابع الاتهام فيه إلى مجموعات متطرفة اجتازت الحدود من مالي.

وفيما كانت ضغوط الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، موجهة أخيراً، إلى مالي، لثني العسكر عن تمديد فترة حكمهم والذهاب سريعاً إلى الانتخابات، باتت هذه الجهود اليوم، أكثر تشتتاً، وأكثر ضعفاً في تنبؤ مآلات الأوضاع في الإقليم.

ويأتي ذلك بعد تحول ظاهرة الانقلابات في المنطقة إلى لعبة دومينو وتوجه ممنهج يستفيد من المتغيرات الدولية، والتي ترخي بثقلها على القارة.

وفي بيان شديد اللهجة، دانت "إيكواس"، التي تضم 15 دولة، أول من أمس الإثنين، الانقلاب، محملة المتمردين المسؤولية عن حياة كابوري. وقالت المنظمة في بيان، إنها "تتابع بقلق كبير تطور الوضعين السياسي والأمني في بوركينا فاسو"، والذي وصفته بأنه "محاولة انقلاب"، معربة عن إدانتها لهذا "التحرك الخطير".

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الأميركية أول من أمس، إنها على علم بالتقارير حول اعتقال كابوري من قبل العسكر، داعية إلى إطلاق سراحه.

لكنها أضافت أنه من "المبكر" تقييم التطورات في بوركينا فاسو. كما دان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، "أي محاولة للسيطرة على السلطة بقوة السلاح في بوركينا فاسو"، داعياً المتمردين العسكريين إلى إنزال سلاحهم.

 

المساهمون