الوجود الإيراني في سورية: مصالح متشابكة تسرع استهدافه

28 يناير 2021
حضر الملف الإيراني خلال زيارة المقداد إلى موسكو (Getty)
+ الخط -

خلْف التسريبات عن مفاوضات بين النظام السوري وإسرائيل لتطبيع العلاقات بينهما، برعاية روسية، تتزايد المعطيات عن صفقة ما قد تستهدف الوجود الإيراني في سورية، الذي بات أمراً مزعجاً لأكثر من طرف، أولها الاحتلال الإسرائيلي الذي كثّف في الأسابيع الأخيرة استهداف المليشيات الموالية لإيران في سورية. 
كما أن روسيا، الساعية لإعادة تعويم بشار الأسد ونظامه، وهي بحاجة لأموال أجنبية للمساهمة في إعادة إعمار سورية، أكدت صراحة عبر وزير خارجيتها سيرغي لافروف، قبل أيام، أنها ترفض أن يتم استخدام الأراضي السورية ضد إسرائيل، أو أن تكون هذه الأراضي ساحة للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية. وفي ظل التنسيق الواضح بين موسكو وتل أبيب حول الصراع السوري منذ سنوات، فإن طهران قد تكون ضحية هذه التطورات الجديدة، والتي تدخل في سياقها أيضاً المفاوضات المتوقعة مع الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة جو بايدن حول الملف النووي، وهي مفاوضات يُتوقع أن تشارك فيها أطراف إقليمية وأن تشمل أيضاً الأدوار الإيرانية في المنطقة.

المقداد تلقّى وعوداً روسية بسداد الديون المترتبة على النظام لإيران، وإيجاد صيغة لبقاء الأسد في الحكم
 

وبعد حالة الهدوء بين الاحتلال وسورية، منذ إبرام اتفاقية فك الاشتباك الموقّعة في 31 مايو/أيار 1974، والتي كانت صيغة غير رسمية لـ"سلام" بين الطرفين، فرضت هدوءاً على الحدود بين سورية والأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل، فإن ظروف الحرب السورية المستمرة منذ عشرة أعوام، أنتجت مستجدات مختلفة، مع تعاظم الوجود الإيراني في سورية، ولا سيما التمدد في الجنوب، تحديداً بعد اتفاقات التسوية في درعا صيف عام 2018، ووصول النفوذ الإيراني إلى الحدود. 
أمام هذا الوضع، صعّدت إسرائيل من استهدافها للانتشار الإيراني والمليشيات الموالية، ولعل أبرز استهداف كان الغارات على دير الزور ليل 12-13 الحالي، والتي أسفرت عن سقوط نحو 60 قتيلاً، بعد تنسيق بين واشنطن وتل أبيب، وذلك بالتوازي مع تسريبات نشرها مركز "جسور" عن لقاء شهدته قاعدة حميميم في ديسمبر/كانون الأول الماضي وجمع بشار الأسد بمسؤول أمني إسرائيلي، وبحضور عسكري واستخباراتي روسي، وبحث تعويم النظام مقابل إخراج إيران من سورية. كل ذلك يشكل منطلقاً للاعتقاد بأن إسرائيل قد تلجأ إلى عقد صفقة ما مع نظام الأسد، سرية أو علنية، بهدف إبعاد الوجود الإيراني من خلال المليشيات التي تدعمها طهران، أو قوات الحرس الثوري الإيراني، عن حدودها، وأرسلت بذلك رسائل مباشرة وغير مباشرة، اعتبرت فيها أن الاستهدافات المتكررة لمواقع النظام وحتى قواعد مليشيات في الجنوب، سببها التمدد الإيراني نحو حدودها.

تقارير عربية
التحديثات الحية

وفي السياق، علمت "العربي الجديد" من مصدر داخل وزارة خارجية النظام، اطّلع على معلومات من دبلوماسي رافق وزير خارجية النظام فيصل المقداد في زيارته الأخيرة إلى موسكو منتصف الشهر الماضي، أن الوجود الإيراني في سورية كان محور المباحثات بين المقداد ولافروف. وأوضح المصدر أن إبعاد الوجود الإيراني عن الجنوب كان مطلباً إسرائيلياً نقله الجانب الروسي للنظام عن طريق المقداد، مشيراً إلى أن الأخير تلقّى خلال زيارته وعوداً روسية بسداد الديون المترتبة على النظام لإيران، وإيجاد صيغة لبقاء بشار الأسد في الحكم بطريقة مُرضية دولياً في حال التزم بهذا الشرط. ولفت المصدر إلى أن ذلك سيكون بتطمينات وضمانات روسية، غير أن ذلك الاتفاق إن تم، أو تلك الضمانات، لن تكون رسمية وذات صيغة تعاقدية، أي أنه لا تنطبق عليها شروط المعاهدات أو الاتفاقات التي يضمنها القانون الدولي، بل هي ستأخذ شكلاً اتفاقياً غير رسمي يكون الروس ضامنين له بحكم علاقة موسكو ومسؤوليها بالطرفين.

المفاوضات حول الملف النووي قد تشمل بحث الوجود الإيراني في سورية

تلك المعلومات تعززها تصريحات للافروف، قبل أيام، قال فيها إن بلاده لا تريد "أن تُستخدم الأراضي السورية ضد إسرائيل، أو أن تكون، كما يشاء كثيرون، ساحة للمواجهة الإيرانية الإسرائيلية". وأضاف في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي مخاطباً الجانب الإسرائيلي: "إذا كانت لديكم حقائق تفيد بأن تهديداً لدولتكم ينطلق من جزء من الأراضي السورية، فأبلغونا فوراً بهذه الحقائق، وسنتخذ جميع الإجراءات لتحييد هذا التهديد". وتابع: "إذا كانت إسرائيل مضطرة، كما يقولون، للرد على تهديدات لأمنها تصدر من الأراضي السورية، فقد قلنا لزملائنا الإسرائيليين عدة مرات: إذا رصدتم مثل هذه التهديدات، فيرجى تزويدنا بالمعلومات المعنية".
وتؤكد تصريحات لافروف سعي موسكو لتبرئة ساحة النظام مما يقوم به الإيرانيون أو قد يقدمون عليه في سورية، ولا سيما تكثيف انتشار وتحرك المليشيات المدعومة من إيران في الجنوب، وتبرز في ذلك محاولة روسيا توسعة نشاطها جنوب البلاد، إذ سعت أخيراً لفرض تسوية في السويداء، بين أهالي المحافظة والنظام. كما أوحت بتحسين صيغة اتفاق التسوية المبرم حول درعا منتصف 2018، بتجديده أخيراً.
ويدخل على هذه الأجواء تطور جديد، وهو وصول جو بايدن إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة، والذي يسعى لإعادة إحياء العمل بالاتفاق النووي بين واشنطن وطهران، بعد أن كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد انسحب منه عام 2018. ولا شك أن هذا الاحتمال سينعكس، في حال تحقّقه، على آلية الانتشار الإيراني في سورية، من خلال شروط قد تشهدها المفاوضات. فالصدام الإقليمي حيال الوجود الإيراني، قد يكون حاضراً في طريق العودة للاتفاق، ولا سيما أن بايدن يرغب في توسعة الاتفاق ليشمل دولاً إقليمية، ترفض أي انتشار إيراني في سورية باعتباره تدخلاً في بلد عربي.
وكان وزير الخارجية الأميركي الجديد أنتوني بلينكن، قد أكد خلال جلسة في الكونغرس للمصادقة على تعيينه، ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران. ويستشهد بكلام بلينكن في هذا الجانب، كونه كانت له مواقف متقلبة حيال الوجود الإيراني في سورية. وسابقاً، اعتبر بلينكن أن الحل في سورية لا يمكن تصوّره من دون وجود إيران، معتبراً أن الحوار معها كان ضرورياً لتحقيق التسوية السورية. غير أن لبلينكن تصريحات مغايرة منتصف العام الماضي، انتقد فيها إدارة باراك أوباما السلبية تجاه الملف السوري، خصوصاً الفشل في منع النزوح الجماعي، معرباً عن الندم حيال ذلك، موجّهاً الانتقادات أيضاً إلى إدارة ترامب، بفعل سماحها بالتوسع الروسي والإيراني في سورية. ويعني هذا تراجعاً عن موقفه بشأن دور إيران "الإيجابي" في الملف السوري.

المساهمون