- المتهم، المعروف بـ"تركس التضامن"، يواجه تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في 21 حالة، مع امتلاك السلطات الألمانية والمركز السوري للعدالة والمساءلة أدلة مصورة تظهر مشاركته في الانتهاكات.
- نشطاء وحقوقيون يرون أن محاكمة أفراد مثل "تركس التضامن" لا تعد بديلاً عن محاسبة رموز النظام السوري الرئيسيين، مؤكدين على ضرورة وجود برنامج وطني للعدالة الانتقالية ومحاسبة جميع مرتكبي الجرائم.
وجّهت النيابة الفيدرالية في مدينة كارلسروه الألمانية، الأربعاء، اتهامات رسمية لعضو في إحدى المليشيات الداعمة للنظام السوري، بارتكاب جرائم حرب في سورية، في خطوة تؤشّر على استمرار ملاحقة ومحاكمة المجرمين، وتعكس التزاماً أوروبياً بمبادئ العدالة الدولية، ويرى حقوقيون سوريون أنّها ليست بديلاً عن محاكمة رموز النظام السوري، المسؤولين الحقيقيين عن الجرائم التي حدثت في البلاد منذ عام 2011.
ووجهت النيابة الفيدرالية للمدعو "أحمد. ح"، والملقّب بـ "تركس التضامن"، الذي قًبض عليه في أغسطس/آب 2023 في مدينة بريمن الألمانية، تهماً بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في 21 حالة مختلفة. وأشارت السلطات الألمانية إلى أن المتهم محتجز حالياً في الحبس الاحتياطي في انتظار قرار محكمة حماية الدولة في المحكمة العليا بهامبورغ بشأن إجراء محاكمة.
وشاركت مليشيا الدفاع الوطني، التي كان المتهم عضواً فيها، بالتعاون مع المخابرات العسكرية في قمع المعارضة بالقوة في حي التضامن بالعاصمة دمشق. وتشمل الاتهامات الموجهة إليه إدارة نقاط تفتيش عسكرية استخدمت في اعتقال المدنيين بشكل تعسفي لغايات الابتزاز المالي، والعمل القسري، وتعذيبهم.
وأكّد المركز السوري للعدالة والمساءلة، في بيان سابق، أنّ المتهم كان عضواً في مليشيا الدفاع الوطني في حي التضامن الدمشقي، ما بين عام 2012 وعام 2015، وقال المركز إنه تبادل المعلومات مع الشرطة الألمانية، وإنّ لديه أدّلة مصورة تظهر مشاركة المشتبه به في الانتهاكات.
وتتهم مليشيا الدفاع الوطني بارتكاب مجازر في أحياء عدة في دمشق ومحيطها، أبرزها المجزرة التي ارتكبت في حي التضامن المجاور لمخيم اليرموك بدمشق عام 2013، وقضى فيها أكثر من 280 سورياً على يد عناصر من مخابرات النظام السوري، وفق تحقيق أعده الباحثان أنصار شحّود، وأوغور أوميت أونغور، العاملان في "مركز الهولوكوست والإبادة الجماعية" بجامعة امستردام، نشر في عام 2022.
محاكمات مرتكبي جرائم الحرب في سورية
وتعدّ ألمانيا من أوائل دول العالم التي بدأت بملاحقة مرتكبي جرائم الحرب في سورية، فحكم القضاء الألماني في عام 2022 بالسجن مدى الحياة على ضابط سابق في مخابرات النظام السوري لإدانته بارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية. وقضت المحكمة العليا الإقليمية في كوبلنتس (غرب ألمانيا) بأن السوري أنور رسلان (58 عاما)، الذي كان لاجئاً في ألمانيا قبل أن تُكتشف حقيقة ما قام به، مسؤول عن مقتل معتقلين وتعذيب في معتقل سرّي للنظام في دمشق (2011 - 2012).
وكانت السلطات الهولندية قد ناشدت السوريين الذين يملكون معلومات عن جرائم "داعش" في جنوب العاصمة السورية دمشق الإدلاء بشهاداتهم. واعتقل فريق الجرائم الدولية (TIM) التابع للشرطة الهولندية، العام الماضي، أبو خالد الأمني (37 عاماً) في بلدة آركل بعد معلومات عن شّغلِه منصباً قيادياً في جبهة النصرة، ومن ثم في "داعش" في دمشق، واحتمال تورطه في جرائم تعذيب وإعدام في سورية في عام 2014.
كما يواصل القضاء الهولندي محاكمة رفيق القطريب، المحقق السابق في مليشيا الدفاع الوطني في منطقة سلمية بريف حماة الشرقي، لـ"شكوك قوية في ارتكاب جرائم جنائية خطيرة جداً". وكان قطريب وصل إلى هولندا عام 2021 وحصل على حقّ اللجوء، وفي العام الماضي استقرّ في دروتن مع عائلته. وبحسب شهود، كان قطريب يعطي التعليمات لعمليات الخطف والمقايضة والتعذيب.
كما يحاكم القضاء الهولندي اللاجئ الفلسطيني السوري، مصطفى الداهودي، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سورية، وانتمائه لمليشيا لواء القدس، ومشاركته في أنشطتها. ويبدأ القضاء السويدي منتصف الشهر الجاري محاكمة عميد سابق في قوات النظام السوري، متهم بارتكاب جرائم حرب في حي بابا عمرو وفي بلدة الرستن ومنطقة الحولة، في محافظة حمص وسط سورية، خلال الفترة الممتدة من نوفمبر/ كانون الثاني 2012 وحتى يوليو/ تموز من العام نفسه.
خطوة مهمة لكنها ليست بديلاً عن مساءلة رأس النظام
وتعقيباً على التهم الجديدة الموجهة لـ"تركس التضامن"، يرى المحامي والناشط الحقوقي، غزوان قرنفل، في حديث مع "العربي الجديد" أن محاكمات مرتكبي الجرائم في سورية "خطوات مهمة حقوقياً، وإنجازات للمنظمات الحقوقية السورية والأوروبية ضمن ما هو متاح". وتابع: "لكنها ليست بديلاً عن مساءلة رموز الجريمة في سورية. يجب أن يكون هناك برنامج وطني للعدالة الانتقالية يتضمن محاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى التي ارتكبت بحقّ السوريين، وإعادة بناء مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية التي ارتكبت وغضت الطرف عن الجرائم".
من جانبه، قال المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، سامر ضيعي، لـ"العربي الجديد" إن "محاكمة مجرمي الحرب الذين ارتكبوا جرائم في سورية وقبض عليهم في أوروبا تمثّل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة وإنفاذ القانون الدولي". وهي "تظهر التزام الدول الأوروبية بمبادئ العدالة الدولية ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". وأضاف: "هي رسالة بأن الإفلات من العقاب ليس خياراً... محاكمة هؤلاء الأفراد في أوروبا توفّر فرصة للضحايا وعائلاتهم لرؤية العدالة تتحقق، فضلاً عن أنها تسلّط الضوء على الانتهاكات التي حدثت خلال الصراع في سورية".
"يمكن الاعتماد على هذه الملفات القضائية للتأسيس لمحاكمات دولية مستقبلاً في حال التوصل لتوافق دولي بعقد الاختصاص المحاكم الدولية لمحاسبة مرتكبي الانتهاكات كافة"، بحسب ضيعي، الذي بيّن أن هذه الإجراءات "قد تواجه بعض التحديات والانتقادات"، إذ إنه "قد يُنظر إلى هذه المحاكمات على أنها تدخل غربي أو استخدام القضاء لأغراض سياسية. كما أن هناك تحديات تتعلق بجمع الأدلة وشهادات الشهود بسبب تعقيدات الصراع وصعوبة الوصول إلى المعلومات". مشدداً على أن "محاكمة مجرمي الحرب السورية في أوروبا تمثل توازناً بين الرغبة في تحقيق العدالة والتحديات القانونية والسياسية المرتبطة بها، وتقدم فرصة للمجتمع الدولي للوقوف ضد الإفلات من العقاب كما أنها تعطي الأمل للعديد من الضحايا الذين ينتظرون العدالة".
كما أعتبر المتحدث أن ذلك خطوة مهمة و"السبيل الوحيد المتاح حالياً لتعزيز مبادئ العدالة والمساءلة على المستوى الدولي". وقال مستدركاً: "لا يمكن اعتبار هذه المحاكمات بأي حال من الأحوال بديلاً عن المحاكمات الشاملة لكلّ مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في سورية، وعلى رأسهم رأس النظام السوري والمسؤولين بشكل أساسي عن هذه الانتهاكات بحقّ الشعب السوري.
وكان القضاء الفرنسي أصدر، خلال السنوات الماضية، مذكّرات توقيف بحقّ أركان النظام السوري العسكريين والأمنيين، منهم رأس النظام بشّار الأسد وشقيقه ماهر، بتهمة استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة، وارتكاب مجازر وجرائم ضد الإنسانية. وتقدر منظمات حقوقية عدد القتلى في سورية على يد النظام وأطراف الصراع الأخرى بعشرات الآلاف منذ مارس من عام 2011 وحتى اليوم، عدد كبير منهم قضى تحت التعذيب. كما اضطر ملايين السوريين للهجرة إلى خارج البلاد، أو النزوح داخلها، بسبب الانتهاكات التي مُورست بحقّهم.