المخابرات السودانية تستعيد سلطة الاعتقال: عودة لممارسات نظام البشير

المخابرات السودانية تستعيد سلطة الاعتقال: عودة لممارسات نظام البشير

30 ديسمبر 2021
سمح قرار البرهان لجهاز المخابرات والجيش والشرطة باعتقال الأشخاص (فرانس برس)
+ الخط -

على وقع استمرار الحراك الشعبي الرافض للانقلاب العسكري في السودان، المعلن من قبل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، برز لجوء العسكر في البلاد إلى إعادة صلاحيات واسعة لجهاز المخابرات العامة والقوات الأمنية الأخرى، أبرزها صلاحية الاعتقال، وهو ما فُسر بأنه تلويح باستخدام المزيد من العنف لوقف الاحتجاجات القائمة.

وفيما تؤكد المعارضة عدم دستورية هذا القرار، فإنها تعتبره أيضاً دلالة على انعدام جدوى الاتفاق بين البرهان وعبد الله حمدوك، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والذي أعاد الأخير إلى رئاسة الحكومة بعد إقالته في 25 أكتوبر. 

حتى إن هذه القوى تضع هذا القرار في إطار العودة إلى الممارسات التي كان يقوم بها نظام الرئيس المعزول عمر البشير، من دون اتعاظ من النتائج.

جعفر حسن: ما صدر عن البرهان مخالفة صريحة للدستور

وبعد نجاح الثورة في عام 2019، أجرت السلطات تعديلاً على قانون الأمن والمخابرات، قضى بنزع سلطة الاعتقال، وغيرها من الصلاحيات، من الجهاز التي تحوّل إلى جهاز المخابرات العامة، مع حصر مهامه في جمع وتحليل المعلومات.

لكن معلومات تسربت، منذ يوم السبت الماضي، بصدور قرار من رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، بإعطاء جهاز المخابرات سلطة الاعتقال التحفظي ومنح أفراده حصانة، من دون التأكد من صحة القرار، قبل نشره أمس الأول الثلاثاء، في وسائل التواصل الاجتماعي، وتعليق أحد مستشاري قائد الجيش عليه.

صلاحيات واسعة للمخابرات السودانية

وطبقاً لنسخة القرار، الصادر منذ 24 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، فإنه يحق لكل من جهاز المخابرات والجيش والشرطة والدعم السريع اعتقال الأشخاص الذين يتوقع مشاركتهم في جريمة تتصل بالطوارئ، والمتسببين بالتخريب وأعمال العنف، والداعين إلى الأنشطة السالبة، حسب ما جاء في نص القرار، الصادر بموجب حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ 25 أكتوبر، تاريخ الانقلاب العسكري.

وأعطى القرار، الموقّع من قبل البرهان، هذه القوات النظامية، سلطة دخول أي مبنى أو تفتيشه، أو تفتيش الأشخاص، وفرض رقابة على أي ممتلكات أو منشآت، والحجز على الأموال، أو المحال، أو السلع التجارية، وحظر أو تنظيم حركة الأشخاص، إضافة إلى أي سلطات أخرى يراها مجلس السيادة. 

ومنع القرار اتخاذ أي إجراءات في مواجهة القوات النظامية، التي تتولى تنفيذ قانون الطوارئ، إلا بموجب إذن من رئيس مجلس السيادة، على أن تنتهي كل تلك الصلاحيات بانتهاء مدة حالة الطوارئ.

وحاول مستشار القائد العام للقوات المسلحة، العميد الطاهر أبو هاجة، تبرير إعادة بعض الصلاحيات لجهاز الأمن والمخابرات العامة بأنها "أمر طبيعي في ظل الظروف الحالية". 

وقال أبو هاجة، في تصريح صحافي أمس الأول الثلاثاء، إن بعض الجهات والعناصر تستغل مناخ الحريات بصورة سلبية في خلق الفوضى، وأن تلك الصلاحيات أعيدت لجهاز المخابرات في توقيتها. وأكد أنها ليست تهديداً للحريات وحق التظاهر، إنما لوضع حد للأيادي المخربة التي لا تريد فترة انتقالية مستقرة، ولا تحولاً ديمقراطياً حقيقياً، كما تهدف لحماية سلمية الثورة من محاولة جرها للعنف، على حد زعمه.

تهديد مباشر للانتقال الديمقراطي في السودان

وسريعاً، استنكرت قوى سياسية ومدنية سودانية قرار السلطة هذا. وقال الأمين العام لحزب الأمة القومي، الواثق البرير، في مؤتمر صحافي في الخرطوم الثلاثاء الماضي، إن ما راج عن إعادة سلطة الاعتقال لجهاز المخابرات مخالفة دستورية واضحة، وتهديد مباشر للانتقال الديمقراطي في البلاد.

كما ندد المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير بذلك القرار. وقال المتحدث الرسمي باسم قوى إعلان الحرية والتغيير، جعفر حسن، في حديث مع "العربي الجديد"، إن ما صدر عن البرهان بإعادة سلطة الاعتقال إلى جهاز الأمن، مخالفة صريحة للدستور، ويكشف من جديد عن عبث الاتفاق السياسي الذي وقّعه حمدوك مع البرهان الشهر الماضي، ونتائجه الكارثية. 

ولفت إلى أن الوثيقة الدستورية بيّنت بوضوح أن جهاز الأمن والمخابرات تابع للسلطة المدنية، وأن مهمته محددة بجمع المعلومات وتحليلها، وليس عنده سلطة للاعتقال، أو التفتيش أو اقتحام المنازل. 

وأضاف أن البرهان، الذي ادعى أن ما قام به هو تصحيح مسار الثورة، يفعل الآن ما هو أبعد عن التصحيح، ويعيد كل الممارسات التي كان يقوم بها النظام البائد من دون اتعاظ من النتائج.

الجراح: القرار لن يثني الثوار عن طريق هزيمة الانقلاب

وأشار حسن إلى أن تلك الإجراءات تتخذ في وقت يتكشف العجز الكامل للانقلاب في فعل أي شيء، بدليل فشله المستمر، لأكثر من شهرين، في تشكيل حكومة جديدة، وفراغ آخر على مستوى المؤسسات الأخرى، ما ترك فراغاً كبيراً جعل البلاد تسير من سيئ إلى أسوأ، وها هي تدخل في نفق مظلم، وتعود إلى عهد الكبت والطغيان والتضييق على الحريات العامة.

رهان على الشارع السوداني

وراهن حسن على الشارع الذي لم تخيفه عمليات القتل، التي وصلت إلى أكثر من 40 من ثواره، ولن ترهبه الاعتقالات التي وصلت إلى ألف شخص. واعتبر أن الشارع لن يأبه اليوم لقرار مرتجف من السلطة الانقلابية، لأن الشباب يواجهون الآن الموت بصدور عارية، للوصول إلى مدنية الحكم وتطبيق شعارات الثورة في الحرية والسلام والعدالة.

وعن دلالات هذا القرار وصدوره مع استمرار الاحتجاجات ضد الانقلاب، اعتبر المحامي محمد علي الجراح، عضو تجمع "محامو الطوارئ"، وهو جسم طوعي شكّله محامون للدفاع عن المعتقلين، أن القرار تلويح من السلطة الانقلابية باستخدام المزيد من العنف لوقف الاحتجاجات، في تكرار لما فعله نظام عمر البشير في السنوات السابقة، ولم يستفد شيئاً، إذ قادته مثل تلك الإجراءات في النهاية إلى سقوط مدوٍ.

وأضاف أن هذا القرار مجرد تحصيل حاصل، فمنذ اليوم الأول للانقلاب لم تتوقف الاعتقالات والعنف ضد المتظاهرين السلميين. 

ولفت الجراح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن صدور القرار بموجب قانون الطوارئ يخالف الوثيقة الدستورية، إذ ليس من حق قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي إصدار أوامر طوارئ، لأن الوثيقة أعطت رئيس الوزراء حق التوصية بذلك. 
وشدد على أن القرار، وما شابهه من قرارات، لن يثني الثوار عن مواصلة طريق استرداد ثورتهم وهزيمة الانقلاب، بل ستزيد جذوة الحراك الثوري اشتعالاً.