العملية التركية شمالي سورية: أنقرة ترفض انتظار إذن دولي

العملية التركية شمالي سورية: أنقرة ترفض انتظار إذن دولي

27 نوفمبر 2022
أردوغان: مصممون على جعل كل شبر من بلدنا آمناً (مصطفى كاماتشي/الأناضول)
+ الخط -

مرّ أسبوع على بدء الجيش التركي حملة قصف جوي ومدفعي ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في الشمال والشمال الشرقي من سورية، في توطئة كما يبدو لعملية برية يتوعد الأتراك بشنها منذ نحو عامين، إلا أن الرفض الدولي يحول حتى اللحظة دونها.

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مشاركته في افتتاح مشاريع تنموية بولاية قونية وسط البلاد، أمس السبت: "مصممون على جعل كل شبر من بلدنا آمناً خطوة بخطوة، عبر عمليات مكافحة الإرهاب بدءا من خارج الحدود". 

من جهته، شدد المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أمس، على أن بلاده لا تأخذ الإذن من أي دولة عندما يتعلق الأمر بأمنها. وقال إن "تركيا كانت تنتظر خطوات تضامن من دول حلف شمال الأطلسي بعد تعرضها لهجمات إرهابية، وعندما لم تأتِ خطوات التضامن، بدأت انتزاع شوكها بيدها".

هدوء نسبي شمال سورية

وساد الهدوء النسبي الشمال السوري، أمس السبت، بعد أيام "عاصفة" من القصفين الجوي والمدفعي ضد مواقع تابعة لـ"قسد"، وهو ما قد يشير إلى حدوث تفاهمات بين الجانبين التركي والأميركي للتهدئة. 

باتت فصائل المعارضة السورية مستعدة لشن عملية ضد "قسد"

ولم يشن الطيران التركي، الحربي والمسيّر، أي هجمات حتى ظهر أمس السبت، إلا أن المدفعية الثقيلة التركية استهدفت قريتي زهيرية وخراب رشكي في ريف القامشلي، أقصى الشمال الشرقي من سورية. 

ولم يستثن الجيش التركي قوات النظام في الشمال السوري، حيث استهدف عدة نقاط تمركز لها، ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من عناصرها في غرب الفرات وشرقه. وكانت هذه القوات انتشرت في قرى حدودية في شمال شرق سورية، وفي بعض نقاط التماس مع فصائل المعارضة السورية، بموجب اتفاق عسكري بين "قسد" والجانب الروسي على خلفية العملية العسكرية في شرق الفرات في العام 2019، وأثناء التهديد التركي بشن عملية واسعة قبل عدة أشهر.

وتشير المعطيات والوقائع على الأرض في الشمال السوري إلى أن فصائل المعارضة السورية التابعة للجيش التركي باتت مستعدة لشن عملية عسكرية ثالثة ضد "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، بدعم من الجيش التركي الذي، كما يبدو، يتريّث انتظاراً لنتائج الحراك السياسي.

جهود أميركية لمنع عملية تركية 

وتقود الولايات المتحدة جهوداً للحيلولة دون قيام الجانب التركي بعملية واسعة النطاق، تخشى "قسد" أن ينهي وجودها في عدة مناطق شمالي سورية، أبرزها تل رفعت شمال حلب ومنبج في ريف حلب الشمالي الشرقي وكلا المنطقتين في غرب الفرات، أو في منطقة عين العرب في شرق نهر الفرات.

وقال القائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، أمس السبت، إن تركيا تتحضر لشن هجوم على كوباني (عين العرب) ومنبج وتل رفعت، مؤكداً، في مؤتمر صحافي، أن موسكو وواشنطن تعارضان الهجوم التركي. 

وكشف أن "الإدارة الأميركية أخبرتني بشكل رسمي عبر بريت ماكغورك (منسق شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي) برفضها العملية التركية، وأن واشنطن تتواصل مع أنقرة لإيقاف هذه الهجمات"، وفق ما نقلت عن عبدي وسائل إعلام مقربة من "قسد". 

كما أكد عبدي استعداد قواته للتعامل مع أي هجوم تركي، داعياً الدول العربية للتدخل "كون سورية جزءا من جامعة الدول العربية"، مشيراً إلى أنه يتطلع للتنسيق مع قوات النظام لـ"حماية المنطقة". وأشار إلى أن "قسد" أوقفت عملياتها ضد "داعش" بعد الهجمات التركية.

مطالب أنقرة من "قسد"

وتطالب أنقرة بانسحاب "قسد"، التي تشكل "وحدات حماية الشعب" الكردية ثقلها الرئيسي، بشكل كامل بعمق 30 كيلومتراً جنوب الحدود التركية، ووقف نشاطات حزب "العمال الكردستاني"، وإنهاء وجود عناصره على طول الشريط الحدودي، حتى توقف عملية "المخلب السيف" التي بدأتها قبل أسبوع.

وتعد هذه المطالب مضامين تفاهمات توصلت إليها أنقرة مع موسكو من جهة، ومع واشنطن من جهة أخرى، أواخر عام 2019 إبان عملية "نبع السلام" التركية ضد "قوات سورية الديمقراطية" في شرق نهر الفرات. 

وتؤكد أنقرة أن "قسد" لم تلتزم على الإطلاق بالاتفاقات، لذا قام الطيران التركي، خلال الأسبوع الماضي، بعمليات قصف جوي طاولت مئات الأهداف التابعة لـ"قسد" على طول الشمال السوري، بل وصلت لأول مرة إلى ريف دير الزور الشمالي بعمق أكثر من 70 كيلومتراً عن الحدود السورية التركية.

ولا تجد "قسد" أمامها، في ظل التهديدات التركية المتواصلة، إلا التلويح بورقة تنظيم "داعش" وأسراه في سجونها، لدفع الغرب للتدخل لدى الأتراك ومنعهم من تنفيذ وعيدهم. 

وتعتبر أنقرة وجود "وحدات حماية الشعب" الكردية على حدودها خطراً داهماً يهدد أمنها القومي، فهي بنظر الأتراك نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني. ولدى "قسد" عدد غير معروف من مسلحي التنظيم، تؤكد أنهم من جنسيات 44 دولة. وإضافة إلى المسلحين، هناك الآلاف من نساء وأطفال مسلحي التنظيم وضعتهم "قوات سورية الديمقراطية" في مخيمات، خصوصاً "الهول" في ريف الحسكة الجنوبي الشرقي.

وبيّن القيادي في "قسد" محمود حبيب، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "تدخّل الولايات المتحدة أثّر بشكل كبير على الضربات الجوية التي قام بها الطيران الحربي والمسيّر على شمال وشمال شرق سورية"، مضيفاً: توقفت الهجمات الجوية وبقيت الهجمات المدفعية والصاروخية. 

استخدام "قسد" ورقة "داعش"

وأشار إلى أن الهجمات التركية "شكلت خطورة على الإجراءات الأمنية التي تقوم بها قسد لحماية السجون التي تضم عناصر من تنظيم داعش في شمال شرق سورية"، مضيفاً: "فرار سجناء داعش يعرض المنطقة وقوات التحالف الدولي للخطر". 

قيادي في "قسد": الجهود لإيقاف العملية التركية "مناسبة"

وتابع: "حاول بعض الإرهابيين الفرار من مخيم الهول، الذي يضم عائلات عناصر من تنظيم داعش، مستغلين انشغال القوى الأمنية بالتصدي للهجمات التركية". ووصف الجهود الدولية لإيقاف العملية العسكرية التركية بـ"المناسبة"، معرباً عن اعتقاده بأن الحل الدائم في الشمال الشرقي "لا يزال بعيد المنال"، مضيفاً: "يجب أن يكون هناك جهد دولي كبير للتوصل إلى حل سياسي دائم في عموم سورية".

من جهته، رأى المحلل السياسي أحمد القربي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الولايات المتحدة تريد البقاء في الشمال الشرقي من سورية من خلال تحالفها مع قسد"، مضيفاً: "تدرك واشنطن أن أي خلل في خرائط السيطرة يستفيد منه الروس والإيرانيون أكثر من الأتراك". 

ورأى أن "واشنطن ربما تعطي الأتراك بعض مطالبهم لتهدئة مخاوفهم"، مضيفاً: "ربما تُلزم واشنطن الوحدات الكردية بالانسحاب 30 كيلومتراً بعيداً عن الحدود التركية الجنوبية، وهو مضمون اتفاقات جرت في 2019 بين الأتراك والروس والأميركيين". وتابع: "لا أعتقد أن هناك تغييراً جوهرياً وكبيراً ستشهده منطقة الشمال الشرقي من سورية على صعيد توزع القوى الموجودة هناك حالياً".