العراق: هاجس عودة التظاهرات يسيطر على القوى السياسية

العراق: هاجس عودة التظاهرات يسيطر على القوى السياسية

20 نوفمبر 2022
احتجاجات في الناصرية بذي قار، يناير 2021 (أسعد نيازي/فرانس برس)
+ الخط -

في الجنوب العراقي الذي يواصل تسجيل معدلات مرتفعة للفقر والبطالة، مع تنامي أزمة الجفاف لتشمل رقعاً جغرافية جديدة في ذي قار والمثنى، والتي أدت بحسب تقارير حكومية إلى موجات نزوح جديدة، تعقد قوى مدنية عراقية اجتماعات غير معلنة وفي مناطق عدة، لبحث عودة الحراك الشعبي مجدداً كورقة ضغط على حكومة محمد شيّاع السوداني.

وتستهدف هذه القوى مطالبة الحكومة الجديدة بسقف زمني لتحقيق مطالبها أو العودة إلى الشارع في انتفاضة قد تكون تظاهرات أكتوبر/ تشرين الأول 2019 صغيرة أمامها، وفقاً لتعبير ناشط مدني في البصرة تحدث لـ"العربي الجديد". وقال الناشط إن تشكيل "الإطار التنسيقي" للحكومة يعتبر "انتكاسة" في حراكهم المدني ويجب العودة إلى الشارع مجدداً.

القوى المدنية تبحث عن موقعها

وكشف ثلاثة ناشطين في الحراك المدني العراقي لـ"العربي الجديد" أن لقاءات عقدت بين تنسيقيات محافظات عدة، أحدها جرى في الناصرية (مركز محافظة ذي قار) قبل أقل من أسبوع، لبحث موقع القوى المدنية الشعبية من الخريطة السياسية الحالية ومواصلة حراكهم المتعلق بتحقيق المطالب.

وأكد أحد الناشطين، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "أي مطلب من مطالب تشرين لم يتحقق، وحتى على مستوى الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين". وأضاف أن "اللقاءات الحالية تهدف أولاً إلى إعادة التنسيق بين مختلف لجان المحافظات المدنية، المسؤولة عن حشد الشارع وتهيئة الرأي العام لأي تظاهرات يتم تحديدها".

تصدرت مناقشات الناشطين مسألة التحاق الصدريين بالحراك وسط مخاوف من تسييسه

وأكد ناشط آخر من المصادر الثلاثة أن بغداد شهدت اجتماعاً أيضاً على نحو ضيق، بسبب المخاوف الأمنية على الناشطين ونجاح الأجهزة الأمنية خلال فترة حكومة مصطفى الكاظمي السابقة في اختراق صفوف الناشطين المدنيين. وأضاف الناشط أن عودة التظاهرات مجدداً "مسألة وقت لا أكثر"، مشيراً إلى أن "موضوع التحاق الصدريين بأي حراك مدني ومخاوف تسييسه أو استغلاله تصدرت مناقشات الناشطين والقوى المدنية".

وكان رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي قد توقّع الخميس الماضي عودة التظاهرات في العراق ودول أخرى للمطالبة بتحسين الواقع المعيشي والخدمي. وقال خلال مشاركة له في مؤتمر عقد في الجامعة الأميركية في مدينة دهوك، شمالي إقليم كردستان العراق، إن "الموقع الاستراتيجي وبكل المقاييس للعراق جعله يتعرض دائماً لضغوط خارجية متنوعة، وذلك لأنه محاصر لطبيعته الجيوسياسية من قبل قوى كبيرة، وهو مطالب دائماً بعدم القبول بحالة الإخضاع والاستغلال والتحجيم".

وأضاف الحلبوسي أن "فضاء حرية التعبير وتطلّع المجتمعات إلى ظروف عيش أفضل يجعل احتمالية عودة التظاهرات في العراق وفي دول الشرق الأوسط واردة جداً، وعلى الحكومات والدول أن تبادر إلى إجراءات استباقية من أجل تحسين الوضع المعيشي لشعوبها".

وشهدت الأسابيع الماضية خروج أكثر من تظاهرة ضد حكومة محمد شياع السوداني، وتحديداً في بابل والناصرية. وقال المحتجون إنهم غضبوا عندما وجدوا أن حكومة السوداني لم تختلف عن الحكومات السابقة، وتحديداً في طريقة توزيع المناصب الوزارية والأخرى المهمة على الأحزاب، بطريقة مستفزة للشعب الذي ينتظر الإصلاحات الحقيقية للمشكلات المرتبطة بالخدمات والوظائف وتطوير قطاعات الصناعة والزراعة وإنقاذ البلاد من شحّ المياه. واستخدم المتظاهرون الإطارات المحترقة في الطرقات تعبيراً عن غضبهم، فيما هدّد بعضهم بالتصعيد السلمي والتوعد باحتجاجات أقوى.

العراق: علامات عدة لعودة الاحتجاجات

سكرتير الحزب الشيوعي العراقي رائد فهمي رأى، لـ"العربي الجديد"، أن "الرفض الشعبي لسلطة الأحزاب الحالية في حالة هيجان مستمر، خصوصاً أن الأحزاب المتنفذة لم تُصلح نفسها وتحدت الشعب في طريقة تقاسم الحصص والمناصب وخيرات البلاد، بالتالي فإن كل هذه العلامات تدل على احتمالية كبيرة لعودة الاحتجاجات الشعبية في أي لحظة".

ولفت فهمي إلى أن "التظاهرات التي قد تنطلق هي امتداد لمطالب الشباب العراقي في أكتوبر 2019، فمطالب المحتجين لم تتغير، وهي جذرية لصنع حكومة ودولة قادرة على تصحيح الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد".

واندلعت التظاهرات العراقية في الأول من أكتوبر 2019، عقب دعوات انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي بسبب تردي الخدمات وتفاقم نسب البطالة، قبل أن تنفجر بشكل واسع في بغداد ومدن جنوبي العراق ووسطه. ويعتبر قادة الحراك، تاريخ 25 أكتوبر 2019 نقطة تحوّل كبيرة في الاحتجاجات بعد امتدادها إلى مدن جنوب ووسط البلاد، وبدء نصب خيم الاعتصام في الساحات الرئيسية، لا سيما في بغداد.

وشهدت التظاهرات في العراق عمليات عنف غير مسبوقة، لا سيما بعد دخول جماعات مسلحة وُصفت بـ"الطرف الثالث"، على خط قتل المحتجين والناشطين وقمعهم واختطافهم. وأدت أعمال العنف إلى مقتل نحو 800 متظاهر، وإصابة أكثر من 27 ألفاً، في وقت لم تُحاسَب فيه أي جهة متورطة في هذه الأعمال.

وأكد عضو بارز في تحالف "النصر"، الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، لـ"العربي الجديد"، أن عودة التظاهرات مجدداً هاجس جميع القوى السياسية في البلاد، بما فيها الكردية في إقليم كردستان.

عضو في تحالف "النصر": يوليو المقبل قد يكون موعداً مفترضاً للاحتجاجات

وأضاف المصدر، طالباً عدم الكشف عن اسمه، أن "الأحزاب الرئيسة تعتقد أن مقتدى الصدر سيدفع بقاعدته الشعبية لتأييد التظاهرات إن اندلعت فعلاً، وسيعمل على توسعة رقعتها ضد الحكومة الحالية، وهو ما يضاعف من قلق القوى السياسية". واعتبر أن "يوليو/ تموز المقبل قد يكون موعداً مفترضاً للاحتجاجات مثل كل عام بسبب انقطاع الكهرباء والماء وتفاقم مشاكل خدمية أخرى".

من جهته، قال الناشط البارز في محافظة بابل جنوبي العراق، ضرغام ماجد، لـ"العربي الجديد"، إن العراقيين "لم يعودوا يسمعون شعارات الإصلاح الكاذب في الخطابات السياسية"، مشدداً على "وجوب تواصل الاحتجاج المدني الشعبي من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة"، واعتبر أن القوى السياسية الحالية "لا يمكن إصلاحها".

وتحدث ماجد عن أن "التظاهرات في المستقبل ستتخذ أشكالاً تنظيمية أخرى، لذلك فإن الأحزاب تسعى إلى شراء ذمم الناشطين بطرق ملتوية ومختلفة، لكن العراقيين يريدون التغيير وهم بانتظار موعد محدد للخروج ضد الطبقة الحاكمة بالكامل".

من جهته، بيَّن رئيس حراك "البيت العراقي"، محي الأنصاري، أن "حكومة السوداني يجب أن تعي جيداً أنها جاءت في وقت حسّاس، وأن عدم الرضا والقبول متحقق بشكل كبير وواضح، ومقومات الاحتجاج متوافرة بسبب سوء الوضع العام وعودة المحاصصة وأحزاب السلاح إلى الواجهة، والتي بدأت بممارسة ذات الإجراءات التي اتبعتها حكومة عادل عبد المهدي سيئة الصيت".

وأضاف الأنصاري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المتابع للحركة المدنية الاحتجاجية في البلاد سيرى أنها في تصاعد مستمر، ولا بد أن تترجم عملية الرفض لمنظومة السلاح والمحاصصة والفساد في الشارع، لأن الصبر نفد من تكرار الوعود نفسها التي لا تفضي إلى شيء".

لكن الناشط من مدينة النجف جنوبي العراق، علي الحجيمي، أشار إلى أن "منح السوداني مهلة سنة واحدة لتنفيذ برنامجه الحكومي هي فكرة جيّدة، وقد تكون بمثابة حجة قبل اللجوء إلى الاحتجاجات الشعبية".

واعتبر الحجيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "السلطات الأمنية تنشر أعداداً كبيرة من قواتها في الساحات والميادين المعروفة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية، في كل يوم جمعة، وهذا يدل على أن السلطة تعتقد أن الانتفاضة قد تندلع في أي لحظة، وهو هاجس خلقته تظاهرات أكتوبر 2019 لدى جميع الأحزاب والقوى الممسكة بالسلطة".

وتعليقاً على ذلك، لفت الباحث في الشأن السياسي عبد الله الركابي إلى أن "جميع الاحتمالات مفتوحة في الوضع العراقي الحالي، وقد تُسهم تظاهرات في أي منطقة بالعراق في تفجرها في مناطق أخرى".

وأكد الركابي لـ"العربي الجديد" أن "الفصائل المسلحة قد تتصدر مرة أخرى المواجهة ضد المتظاهرين، لأنها تعتبر أن حكومة السوداني هي حكومتها، على اعتبار أنها منبثقة عن الإطار التنسيقي". وختم الباحث السياسي بالقول إن "الأشهر المقبلة قد تكون مجرد إنضاج أو تهيئة للشارع، لكن فعلياً التظاهرات لن تخرج قبل صيف المقبل كتجربة متكررة في العراق".