العراق: استقالة محافظَي النجف وذي قار جاءت بضغوط سياسية

العراق: استقالة محافظَي النجف وذي قار جاءت بضغوط سياسية

28 ديسمبر 2021
التيار الصدري سعى لاستبدال محافظي النجف وذي قار(علي النجفي/فرانس برس)
+ الخط -

خلال أقل من أسبوع، قدّم محافظ ذي قار، جنوبيّ العراق، أحمد غني الخفاجي، استقالته من منصبه، بعد يوم واحد فقط على تظاهرات شعبية تخللتها مواجهات مع عناصر الأمن، أوقعت إصابات في صفوف المحتجين، ثم قدّم محافظ النجف، لؤي الياسري، استقالته هو الآخر، بعد تظاهراتٍ طالبت بذلك، في وقت رجحت مصادر سياسية جنوبيّ البلاد خطوات مماثلة لمحافظين آخرين، بسبب ضغوط سياسية توجه فيها أصابع الاتهام إلى التيار الصدري بزعامة رجل الدين مقتدى الصدر. فيما نفى محافظ البصرة أسعد العيداني، الأحد، تقديم استقالته من منصبه، مؤكداً في بيان أنه "في أحلك الظروف لم يفكر في الاستقالة".

من جهتها، أصدرت كتل سياسية منضوية ضمن "الإطار التنسيقي"، بياناً أعربت فيه عن "القلق الشديد"، بسبب "ممارسة ضغوط غير قانونية وتهديدات تطاول أشخاصاً وعوائل المحافظين ورؤساء المؤسسات والدوائر".

وأضافت أن ذلك يأتي "لإجبارهم على الاستقالة خلافاً للقانون والدستور وتجاوزاً للأطر القانونية والادارية وتحت ذرائع بات واضحاً ما يقف خلفها من دوافع".

ودعا الإطار، رئيس الوزراء باعتباره المسؤول الأول عن المحافظين ومسؤولي الدوائر، إلى "حمايتهم ومنع التجاوز عليهم". وشدد الإطار بالقول: "على الجميع التزام السياقات القانونية والإدارية لمنع إشاعة الفوضى الإدارية، وعدم قبول استقالة أي مسؤول تقدم تحت الضغط والتهديد لمنع هذا المنحى الخطير من التجاوز على القانون".

وشهدت محافظتا ذي قار والنجف خلال الأسبوع الماضي تظاهراتٍ احتجاجية تطالب بالإفراج عن المعتقلين من الناشطين وإسقاط التهم الكيدية عن متظاهرين اضطروا إلى مغادرة مدنهم بسبب قرارات أمنية وقضائية باعتقالهم.

وشهدت تلك التظاهرات أعمال عنف وإصابة محتجين في المدينتين، ورغم أن متظاهري ذي قار لم يطالبوا باستقالة المحافظ، على عكس محافظة النجف، لكن المحافظ استقال جرّاء العنف الذي تعرّض له الناشطون، وفقاً لما تحدث مقربون منه، لكن مصادر سياسية أفادت لـ"العربي الجديد"، بأن "التيار الصدري سعى لاستبدالهما".

وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، قد زار الأسبوع الماضي مبنى دائرة بلدية النجف، وتحدث عن تفشي الفساد فيها، وحذّر من استمراره فيها، وقال أمام جمع من الناس إنه "سيقيل الياسري بالطرق القانونية والسياسية".

وعقب يومين قدم المحافظ استقالته، رغم أنه مدعوم سياسياً هو الآخر من جهات حزبية نافذة، وله علاقات متينة بتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم، وحزب الدعوة الإسلامية الذي يترأسه نوري المالكي، فضلاً عن المجلس الإسلامي الأعلى وحزب الفضيلة.

 وتؤكد المعطيات أن جماعة من التيار الصدري تقف وراء استقالة محافظ ذي قار، فقد كتب الأخير على صفحته في "فيسبوك" رسالة وجهها إلى مقتدى الصدر، جاء فيها: "أدعو سماحتكم إلى توجيه لجنة مكافحة الفساد التابعة لكم بالاطلاع على ملفات فساد في صندوق إعمار ذي قار تدين "الحجي وعصابته" بفرض إتاوات 7‎% بالمائة من قيمة كل مشروع على شركات هزيلة مقابل إحالة العمل لها"، مطالباً بتوفير حماية له ولعائلته.

ولم يذكر المحافظ المستقيل هوية الشخص الذي يطلق عليه لقب "الحجي"، إلا أن مصادر مقربة من المحافظ أشارت إلى أنه أحد "أعضاء الكتلة الصدرية النافذين في الناصرية، وهو أحد المرشحين الفائزين بالانتخابات البرلمانية الأخيرة".

وقال ناشط سياسي وعضو في حزب "البيت الوطني" من ذي قار، إن "المحافظ المستقيل أحمد الخفاجي، عانى من صراعات كثيرة مع أعضاء في التيار الصدري خلال الأشهر الماضية، وتحديداً بعد إقرار الحكومة مبالغ مالية ضخمة لإعادة تأهيل البنى التحتية في المحافظة".

وتحدث الناشط، مشترطاً عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، عن مضايقات كبيرة تعرض لها المحافظ وزادت بالأسبوعين الماضيين من قبل محسوبين على التيار الصدري.

 قبل ذلك، تعرّض مستشار محافظ ذي قار، علي مهدي، لمحاولة اغتيال بعبوة ناسفة وسط مدينة الناصرية مركز المحافظة.

وقال، في تصريح صحافي، إنّ "مجهولين قدموا من إحدى بلدات المحافظة، وحاولوا زرع عبوة ناسفة أمام باب منزلي بمنطقة حي الحسين وسط الناصرية". وأوضح أنه "تم رصدهم بكاميرات المنزل، وإطلاق النار عليهم، ليلوذوا بالفرار".

وتسلّم محافظ ذي قار الجديد محمد هادي الخفاجي، مهام عمله رسمياً. وقال المحافظ المستقيل، في مؤتمر صحافي: "هادي (المحافظ الجديد) قام بدور كبير في إدارة المحافظة ومتابعة المشاريع وأنا سعيد بتوليه مهامه كمحافظ".

من جهته، لفت عضو حركة "نازل آخذ حقي" الديمقراطي، علي الشرع، إلى أن "الفترة الماضية شهدت تجاوزات واضحة من التيار الصدري على صلاحيات وعمل المحافظ السابق (أحمد الخفاجي)، بسبب التخصيصات المالية لغرض إعمار المحافظة، وقد عرض التيار الصدري شركاته غير الرصينة على المحافظ في سبيل التعاقد معها بالإجبار، لكنه رفض هذه الشركات معتبراً إياها غير قادرة على تقديم أيٍّ من المشاريع التي ينتظرها أبناء المحافظة".

وأضاف الشرع في اتصالٍ مع "العربي الجديد"، أن "انتفاضة "تشرين"، وتحديداً الاحتجاجات في مدينة الناصرية فضحت دور الصدريين بقمع الناشطين، وقللت من شعبية التيار الصدري، الأمر الذي دفع السيد مقتدى الصدر لأكثر من مرة إلى الهجوم على متظاهري ذي قار".

وأردف بأن "المحافظ السابق أحمد الخفاجي يُعد من المقربين للمتظاهرين، أما المحافظ الجديد فهو من أنصار السيد الصدر، وقد أكد المتظاهرون ذلك في مؤتمرٍ صحافي عُقد الأسبوع الماضي".

أما الباحث والمحلل السياسي عبد الله الركابي، فقد أشار إلى أن "استقالة محافظي النجف وذي قار لا تحتوي على أي دلالات إدارية في الوقت الحالي، بل جاءت على خلفية مطالبات سياسية واضحة من قبل زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، كذلك فإن الأمر لا يرتبط بمتظاهري "تشرين"، رغم أن احتجاجات شهدتها المحافظتان، وقد تبرأ المتظاهرون المعروفون في المدينة منها، ما يدل على أنها تظاهرات سياسية".

وأوضح الباحث لـ"العربي الجديد"، أن "ورقة الشارع أكثر ما باتت تؤمن به الأحزاب، حيث تجري تظاهرات سياسية قبل أي قرار حزبي، من أجل اعتبار أن القرارات سياسية مدعومة بتوجهات شعبية، وهو ما يحدث حالياً في تظاهرات قوى "الإطار التنسيقي" الخاسرة في الانتخابات، وتظاهرات رفض المحافظين في مدن جنوب البلاد".