استئناف جلسات العدالة الانتقالية في تونس

استئناف جلسات العدالة الانتقالية في تونس

01 فبراير 2021
دعوات للاتعاظ من تجارب الماضي (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -

بعد توقف استمر نحو ستة أشهر، استأنفت الدائرة المتخصصة في العدالة الانتقالية بالمحكمة الابتدائية بتونس، اليوم الإثنين، جلسات العدالة الانتقالية والتي تناولت ملفات هامة منها المحاولة الانقلابية ضد نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 1962، والتي قادها عسكريون ومدنيون من مختلف التوجهات السياسية، إلى جانب الانتهاكات التي طاولت الإسلاميين في نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، وأحداث انتفاضة الخبز في 1984 وملف الانتهاكات التي شملت قيادات من اليسار.

وقال محرز الشرقي، وهو ضحايا انتهاكات أحداث الخبز في 3 يناير/ كانون الثاني 1984، في تصريح لـ"العربي الجديد" إنه بعد عدة جلسات إنصات له في المحكمة، وبعد تأخير استمر لعدة أشهر فإنه يحضر اليوم كضحية من ضحايا انتفاضة الخبز رفقة عدد آخر من الضحايا، مبينا أن الهدف من مسار العدالة الانتقالية هو القطع مع الاستبداد وضمات عدم عودة الانتهاكات.

وأضاف أنه سجن في العام 1984 بعد محاربة النظام للمحتجين، ومورست عليه حينها رفقة باقي المعتقلين انتهاكات جسيمة، قائلا إن أملهم اليوم هو كشف الحقيقة ومحاسبة المتورطين وتقديم هؤلاء الاعتذار وجبر الضرر كي لا تتكرر الممارسات السابقة.

وأوضح الشرقي أنه رغم كونه قاصرا حينها إلا أنه سجن في سجن برج الرومي مع كبار المجرمين، وطاوله تعذيب ممنهج منذ الإيقاف إلى السجن، مؤكدا أنه قضى 3 سنوات في السجن ولم يتمم طفولته كما أثرت الحادثة على شبابه وحياته.

وقال إنه نتيجة للاعتقال، تم تدمير مستقبله وحرمانه من الوظيفة وبالتالي لا يجب تكرار ما حصل، وشدد على أن يحضر الجلادون للجلسات وأن يعترفوا ويعتذروا للضحايا. ولفت الشرقي إلى أنهم كضحايا سابقين لا يهدفون من خلال هذا المسار التشفي والانتقام من الجلادين وإنما يريدون فقط العدالة.

كذلك أكد أنهم تحدثوا عن الانتهاكات خلال عدة جلسات وكشفوا ما حصل، مستدركاً بالقول "لا بد من الاتعاظ من الماضي، وألا تتكرر عمليات الاستبداد فمهما كان جبر الضرر فإنه لن يعوض ما يخسره الشخص من عمره، ولن يمحي هول التعذيب الذي قد يتعرض له المرء".

وقال الشرقي إنه ما زال يتذكر ما حصل له بعد إيقافه رغم كونه طفلا حينذاك، وقد حز في نفسه سجن بعض الأطفال في الاحتجاجات الأخيرة التي حصلت بتونس لأن هذا يذكره بالفترة الحالكة التي تم إيقافه فيها، وبالتالي لا يجب أن تتكرر أخطاء الماضي وأن نتعظ من التجارب السابقة.

من جانبه، يرى القيادي في "حركة النهضة"، والمهتم بملف العدالة الانتقالية، نجيب مراد، أن هناك عدة أسباب وراء تعطل جلسات العدالة الانتقالية. وأوضح مراد في تصريح لـ "العربي الجديد" أنه كان من المنتظر أن تستأنف الجلسات في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي ولكن بسبب الحركة القضائية ونقل عدة قضاة الذين لا يمكن تعويضهم إلا بقضاة مختصين في العدالة الانتقالية تم تأخير الجلسات، مؤكدا أن الحجر الصحي بسبب جائحة كورونا، والإجراءات الوقائية المرافقة لذلك في المحاكم ساهمت في هذا التوقف، وأيضا إضراب القضاة الذي أخر عدة جلسات.

وأضاف مراد أنه تم اليوم الاستماع للسجين السياسي رشاد جعيدان أستاذ الرياضيات، بخصوص قضية التعذيب التي تعرض لها، مضيفا أنه لا يزال يحمل آثار التعذيب إلى اليوم رغم مرور عدة سنوات. 

جلسات العدالة الانتقالية

وبين أن من ضحايا "حركة الاتجاه الإسلامي" (النهضة حاليا)، حميدة العجنقي، والتي أوقفت للمرة الأولى بتاريخ 13 سبتمبر/ أيلول 1991 بعد أن تمت مداهمة منزل والديها من قبل ستة أعوان (عناصر أمن) بالزي المدني وتم نقلها على متن سيارة غير رسمية إلى مقر وزارة الداخلية حيث تعرضت للتعذيب.

وأكدت العجنقي في شهادتها اليوم تمسكها بالعدالة الانتقالية وبالانتقال الديمقراطي الذي يمثل أهم مكسب بعد الثورة، مضيفة أنها تأمل حضور ممارسي التعذيب لمواجهتهم.

وقال عضو من منظمة "محامون بلا حدود"، خيام الشملي، في تصريح لـ"العربي الجديد " إنه "تم اليوم استئناف جلسات العدالة الانتقالية بعد توقف استمر نحو 6 أشهر، وهو ما أجل عديد الجلسات وأثر على سيرها المعتاد"، مبينا أن هذا الأمر "مخالف لمعايير العدالة الانتقالية والحق في المحاكمة العادلة والتي يجب أن تتم في آجال معقولة فهو مبدأ دستوري".

وتابع المتحدث ذاته أن جلسات اليوم خصصت لملفات هامة منها ضحايا "الاتجاه الإسلامي" وملف اليسار، وأحداث الخبز في 1984 وقضية اليوسفيين (تعود للعام 1962 وحوكم فيها عشرات العسكريين والمدنيين من مختلف الانتماءات السياسية وأعدم 10 من بينهم).

وأشار إلى أن "حضورهم اليوم هو لمتابعة هذه الملفات ولمراقبة مدى إجرائها وفقا للمعايير الدولية والوطنية، وإصدار تقارير سترفع للدوائر المتخصصة في العدالة الانتقالية حيث سيتم الإشارة للصعوبات والاخلالات الحاصلة وكيفية تجاوزها".

وأوضح الشملي أن "أبرز إشكال أن القضايا لا تزال في الطور الأول، وأغلب المنسوب إليهم الانتهاك يمتنعون عن الحضور في الجلسات رغم صدور بطاقات جلب ضدهم وهي بطاقات قضائية من المفروض أن تنفذ"، مضيفا أن "العدالة بإمكانها استعمال كل الآليات لجلب المتهمين وإجبارهم على الحضور فهم في حالة سراح رغم قيامهم بالتعذيب وبعضهم قتل وقام بخروقات جسيمة".

وأشار إلى أن "أدنى ما يقوم به المنسوب إليهم الانتهاك هو حضور جلسات العدالة الانتقالية لأن في غيابهم إخلالا بالعدالة وبركن المحاسبة الذي يعتبر من أهم أسس العدالة الانتقالية".