إيجابية إثيوبية بقضية سد النهضة: تجنب ضغوط في القمة الأفريقية

إيجابية إثيوبية بقضية سد النهضة: تجنب ضغوط في القمة الأفريقية

22 يناير 2022
طالب أبي مصر والسودان بتغيير خطابهما لبناء السلام (جمال كاونتس/Getty)
+ الخط -

فسّر مراقبون وخبراء تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، أول من أمس الخميس، بشأن سد النهضة الذي تبنيه بلاده، ومطالبته مصر والسودان بتغيير خطابهما بشأن السد "من أجل تحقيق التنمية، بالشكل الذي يعلي خطاب بناء السلام"، بأنها محاولة منه لاستباق انعقاد الدورة الـ35 للقمة الأفريقية في 5 و6 فبراير/شباط المقبل في أديس أبابا.

وحذّر هؤلاء من عودة الدبلوماسية الإثيوبية بقضية السد إلى سابق عهدها بعد انتهاء القمة، والتي لا يريد أبي أحمد أن تخرج بموقف معارض لأديس أبابا بقضية السد، وهو ما يتوجب على القاهرة والخرطوم التنبه له.

ورأى المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية السفير دينا مفتي، خلال مؤتمر صحافي عقده الخميس، أن "دبلوماسية بلاده نجحت في عقد القمة الأفريقية حضورياً في أديس أبابا". وأضاف أن "انعقاد القمة الأفريقية في مقرها بأديس أبابا، ضربة لمحاولات تشويه إثيوبيا سياسياً".

أبي أحمد... غزل سياسي إزاء مصر والسودان

وتعليقاً على كلام رئيس الوزراء الإثيوبي، رأى دبلوماسي مصري سابق ومختص في الشؤون الأفريقية، طالباً عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "ما قاله أبي أحمد بشأن سد النهضة، يشكل نوعاً من ممارسة الغزل السياسي إزاء دولتي المصب مصر والسودان، ويرتبط بانعقاد القمة الأفريقية المقبلة".

ولفت المصدر إلى أن أديس أبابا "ترغب في أن تخرج بصورة تحسن سمعتها بعد قضية الحرب مع جبهة تيغراي، والتي طاولتها بسببها انتقادات دولية واسعة المجال".

لا يريد أبي أحمد أن تخرج القمة الأفريقية بموقف معارض لأديس أبابا بقضية السد

وأضاف الدبلوماسي أن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي التي تبدو "عاقلة وإيجابية تجاه مصر والسودان، هدفها تجنب أي ضغوط محتملة على بلاده من الدول الأفريقية المشاركة في اجتماعات القمة الأفريقية، لا سيما أنه لطالما أكد سابقاً أن أزمة السد يجب أن تُحل داخل إطار الاتحاد".

وتوقع المصدر أن "تعود السياسة الإثيوبية إلى سابق عهدها بعد انتهاء قمة الاتحاد الأفريقي، ولذلك يجب على المسؤولين في مصر الحرص عند التعاطي مع الموقف الإثيوبي في هذه اللحظة، على عدم مجاراته بالشكل الذي قد يورط مصر في دائرة جديدة من المفاوضات التي لا طائل منها".

وأشار الدبلوماسي إلى أن "تمسك إثيوبيا بأن تعالج الأزمة تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، من دون غيره من المنظمات والهيئات الدولية كالأمم المتحدة، أو الوسطاء الدوليين، يجعل المسؤولين الإثيوبيين يفكرون جيداً من أجل التحوط ضد أي ضغط قد تمارسه دول من أعضاء الاتحاد، ممن لها علاقات جيدة مع مصر، لا سيما المجموعة العربية".

وتطرق المصدر خصوصاً إلى الجزائر "التي أبدت تطابقاً في موقفها مع مصر بشأن أزمة السد الإثيوبي، والتي تراهن من جهة أخرى على الدعم المصري لها في إخراج قمة عربية ناجحة في الصيف، تحقق من خلالها مكاسب سياسية في صراعها مع المغرب حول مشكلة الصحراء وتقارب الأخيرة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي".

وأوضح المصدر أن "من ضمن ما تخشاه إثيوبيا أيضاً من اجتماع القمة الأفريقية المقبلة، هو أن تتدخل أطراف دولية أخرى في الملف والتأثير على دول أفريقية بشكل يضغط على إثيوبيا، ويجبرها على تقديم تنازلات".

واستبعد المصدر في الوقت ذاته "أن يصل الأمر إلى هذا الحد، لأن المواقف الدولية من هذه الأزمة أصبحت واضحة ومعروفة للجميع".

المواقف الدولية: بناء على المصالح

وتوضيحاً لذلك، اعتبر المصدر أن "الموقف الأميركي من سد النهضة، على الرغم من أنه يبدو مسانداً لمصر والسودان، إلا أن الواقع العملي يكرس لاستسلام دولتي المصب التام لاستراتيجية إثيوبيا التي تعتبر النيل الأزرق ملكية منفردة لها".

ورأى المصدر أن الأمر ذاته ينطبق على سياسة الصين في هذا المجال، "مضافة إليها الاستثمارات الصينية التي تقدر بالمليارات في إثيوبيا بشكل عام وفي سد النهضة بشكل خاص، علماً أن لكل من واشنطن وبكين تأثيرا قويا في القارة الأفريقية، وهما يتنافسان على هذه الساحة منذ فترة طويلة".

وأشار الدبلوماسي إلى أنه "مع إعلان استقالة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي، جيفري فيلتمان، مطلع شهر يناير/كانون الثاني الحالي، من مهامه (عيّن ديفيد ساترفيلد مكانه)، أعلنت الصين عن تفكيرها في تعيين مبعوث صيني للمنطقة، خلال جولة وزير الخارجية الصيني وانغ يي في القرن الأفريقي".

وأضاف المصدر أنه "حتى لو افترضنا أن كلاً من الصين وأميركا تدعمان مصر داخل الاتحاد الأفريقي، فإن استراتيجيتهما لن تؤدي في النهاية إلى حسم القضية لصالح مصر والسودان (دولتي المصب) لأن أميركا والصين دولتا منابع، وتخشى كل منهما أن تتدخل في أزمة مياه لصالح دول مصب، فيثير عليها الأمر مطالبات من جيرانهما من دول المصب".

ولفت المصدر إلى أن "روسيا أيضاً لها تأثير قوي داخل القارة الأفريقية، لكن موقفها مع ذلك من قضية سد النهضة، لا يعول عليه لحل القضية لصالح مصر والسودان".

وقال الدبلوماسي في هذا الخصوص: "إن الروسي دائماً ما يقول إنه يتبع سياسة الحياد، لكنه في الحقيقة يبني مواقفه على تحقيق المصالح، ومصالحه في أفريقيا كبيرة، بينما موقفه من مصر متذبذب وينتظر أن تحقق له مصر مصالح في ملفات أخرى مثل ليبيا وسورية".

تخشى إثيوبيا أن تتدخل أطراف دولية في الملف وتؤثر على دول أفريقية بشكل يضغط عليها

وأكد المصدر أن "ما يُصعّب التوصل إلى أي حل بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي تحت مظلة الاتحاد الأفريقي في الوقت الحالي، هو تعليق عضوية السودان في المنظمة، وهو ما يعني عدم مشاركة هذا البلد في القمة، أو أي أنشطة أخرى خاصة بالاتحاد".
الدبلوماسية المصرية لا تتحرك

وكان أبي أحمد قد تطرق في كلمته الخميس، أيضاً، إلى المسائل الفنية المرتبطة بقضية السد، قائلاً إن بلاده "تهدف في بناء السد إلى تنظيم كميات المياه المتوفرة لديها، بحيث يكون توليد الكهرباء من البنية التحتية موحداً على مدار العام".

وأضاف رئيس الوزراء الإثيوبي أن "هذا لا يحمل سوى معنى واحد، وهو أن السد لا يستهلك الماء باعتباره سداً للطاقة الكهرومائية. بدلاً من ذلك، يستمر الماء في التدفق في اتجاه مجرى النهر من دون انقطاع".

وقال أبي أحمد: "غالباً ما تكون الفوائد التي تعود على بلدان المصب غير ملموسة بدرجة كبيرة"، متابعاً أنه "في السودان، على سبيل المثال، يوفر سد النهضة حماية كافية ضد الفيضانات المدمرة وآثار نقص المياه أثناء فترات الجفاف، كما أنه سيساعد البنية التحتية للمياه السودانية على التشغيل على النحو الأمثل حيث تتلقى تدفقا منظما".

وأكد أبي أن مصر "يمكنها أيضاً أن تستفيد من الحفاظ على المياه عند سد النهضة بدلاً من إهدار مليارات الأمتار المكعبة من المياه للتبخر وفي سهول الفيضانات، كما أنه سيساعد على حماية السد العالي في أسوان".

ورداً على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، قال وزير الموارد المائية والري المصري، محمد عبد العاطي، إن "المماطلة في ملف سد النهضة ليست في صالح أحد وتحديداً إثيوبيا"، لافتاً إلى أن "التواصل والتفاوض بحسن نيّة للوصول إلى حلول تكون في صالح الجميع، أقصر طريق لحل المشكلات". 

وأضاف عبد العاطي، في تصريحات إعلامية أدلى بها أول من أمس، أن مصر "قدمت حلولاً إلى إثيوبيا تضمن لها توليد الكهرباء بنسبة 85 في المائة تحت أحلك الظروف التي تشمل الجفاف، وهي ناقشت التفاوض لحل مشكلة الفيضان التي يعاني منها السودان".

وتابع عبد العاطي أن "مصر لديها حساسية كبيرة في موضوع الجفاف، لأننا نعتمد في 97 في المائة من الموارد المائية على نهر النيل، مصر صحراء، وأكبر البلاد الجافة في العالم، مش ها قدر أعرض حياة أكثر من 100 مليون مصري لمشكلات جفاف"، بحسب تعبيره.

وانتقد الدبلوماسي المصري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، ما وصفه بـ"تجاهل السياسة المصرية لقضية سد النهضة". وقال إنه "في الوقت الذي خرج فيه رئيس الوزراء الإثيوبي يتحدث عن السد، ويدعم موقف بلاده في القضية، قبيل انعقاد القمة الأفريقية، امتنعت الدبلوماسية المصرية عن التحرك في أي اتجاه، كما اكتفت القيادة السياسية، بتصريحات وزير الري، وهو في النهاية مسؤول فني".

وأوضح المصدر أن "قضية سد النهضة تجاوزت المسؤولية الفنية منذ أمد طويل، لأن التفاصيل الفنية كافة أصبحت معروفة للجميع، ومصر تعي تماماً متطلباتها في ذلك المجال، وبالتالي فإن القضية الآن يجب أن تأتي على رأس أولويات القيادة السياسية التي تتحمل اليوم مسؤولية الأمر برمته بمعاونة الدبلوماسية".

وأضاف المصدر أن "حديث وزير الري المصري المكرر في التفاصيل الفنية، والأضرار الجسيمة التي يسببها سد النهضة، أمر ضروري لتدعيم موقف مصر الدولي، لكنه يتطلب أن يكون هناك تحرك سياسي دائم على مستوى القيادة السياسية والدبلوماسية على كافة الأصعدة للضغط على إثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق قانوني عادل وملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل السد".

ورأى في الإطار أن "حالة التجاهل والصمت الواضحة على السياسة المصرية، تترك المجال للإثيوبيين لحسم القضية لصالحهم، خصوصاً مع اقتراب الملء الثالث لبحيرة السد".