أهداف غير معلنة لتعديل قانون "صندوق تحيا مصر"

أهداف غير معلنة لتعديل قانون "صندوق تحيا مصر"

04 فبراير 2021
يسمح القانون للصندوق بإنشاء شركات جديدة (Getty)
+ الخط -

أقرّ مجلس النواب المصري، الأسبوع الماضي، تعديلاً تشريعياً على قانون إنشاء "صندوق تحيا مصر"، بإعفاء جميع عوائده ومداخيله والتسهيلات الائتمانية الممنوحة له، من كل الضرائب والرسوم أياً كان نوعها، وكل رسوم الشهر العقاري والتوثيق، والرسوم الجمركية. كما نصّ التعديل على عدم سريان أحكام قوانين ضرائب الدخل والدمغة، ورسم تنمية موارد الدولة، والضريبة على القيمة المضافة، وأي نوع آخر من الضرائب والرسوم المفروضة حالياً، أو التي تُفرض مستقبلاً، بقانون أو بقرار من الحكومة أو من أي سلطة عامة أخرى، على الصندوق. لكن التعديل لا يطاول ما يقرره قانون الضريبة على الدخل من ضريبة على عوائد أذون الخزانة والسندات أو الأرباح الرأسمالية، الناتجة عن التعامل في هذه الأذون والسندات.
وإلى جانب ما يعبّر عنه هذا النهج من استمرار توسيع سلطات الصندوق التابع للرئاسة والجيش، البعيد عن الرقابة، فإن الأهداف الحقيقية من التعديل لا تبدو كما وصفتها الحكومة في مذكرتها الإيضاحية، لجهة اكتشاف مشاكل بيروقراطية ومالية تعرقل نشاط الصندوق في المشاريع التنموية. ويمكن إدراك ذلك لتضمّن النص في المشروع إعفاء الصندوق من رسوم المناطق الحرة لكل ما يستورده من معدات وأجهزة ومستلزمات وأي أصناف أخرى، وكل ما يَرِد إليه من الهدايا والهبات والتبرعات والمنح من الخارج. وبدا الأمر وكأن النص العام والمتسِع في القانون القائم حول الإعفاءات الممنوحة للصندوق ليس كافياً لتمكينه من مباشرة الأنشطة الاجتماعية والتنموية المنصوص على إنشائه من أجلها.


تهدف التعديلات إلى تكريس وضع الصندوق  كصندوق "شبه سيادي"

لكن وضع هذا التعديل في السياق الحالي لمشاريع النظام وتوجهاته منذ بدء تفشي فيروس كورونا مطلع العام الماضي، يكشف أنه يهدف إلى تكريس وضعه الاستثنائي كصندوق "شبه سيادي"، مُعفى من جميع أدوات الرقابة والمشاركة في تمويل الدولة. كما يمكنه استثمار مداخيله في مشاريع يملكها بصفة مستقلة عن الحكومة، تزاحم الشركات الحكومية والقطاع الخاص في بعض الأنشطة، بحجة أن إسهامات الصندوق فيها "ذات هدف تنموي"، والقانون يسمح له بإقامة مشاريع تنموية تقوم عليها شركات جديدة مملوكة ملكية تامة للصندوق أو يساهم في رأس مالها.

وكشفت مصادر حكومية مطلعة لـ"العربي الجديد"، أن التعديل الجديد يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر من المنظور الخاص بالنظام، وليس بالمعنى التقليدي للعمل الأهلي، بأن يكون هذا العمل موازياً لممارسات الحكومة، وليس نابعاً من المجتمع كشريك للدولة في التنمية. ووفقاً للتعديل، لن تكون أي منظمة أهلية، بما في ذلك ما يتبع المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة الحكومية، قادرة على منافسة "صندوق تحيا مصر" في أي مجال.

وأضافت المصادر أن التعديل يعالج مسألتين مهمتين يرغب النظام في إغلاقهما نهائياً وعدم إثارة الجدل بشأنهما مستقبلاً. الأولى: هي غياب الرقابة والتحصيل الضريبي عن التبرعات الضخمة التي أصبحت تنهال على الصندوق من رجال الأعمال. ويرى البعض أنها باتت بمثابة "قرابين" لضمان السلامة والاستمرار في العمل في المشاريع المختلفة مع الأجهزة، تحديداً الجيش.

فمنذ بدء تفشي وباء كورونا، كشفت مصادر مطلعة عن تلقّي الصندوق أكثر من نصف مليار جنيه (32 مليون دولار) في صورة تبرعات، بدأت منذ رفع وتيرة الهجوم الإعلامي على رجال الأعمال بغية حثهم على المشاركة بالتبرع للصندوق في مارس/آذار 2020. وحدث ذلك بعدما أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي تخصيص جزء من أمواله للإنفاق على العمالة غير المنتظمة، وغيرها من أوجه الصرف الخاصة بالأزمة. وتلقى الصندوق تبرعات مباشرة من جهات ومستثمرين، كمجلس الشعب ومجلس الوزراء والمحافظين ومجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى ومشيخة الأزهر ومجلس الكنائس المصرية وهيئة قناة السويس، والعديد من رجال الأعمال، على رأسهم حسين صبور. ويضاف إلى ذلك تبرعات من شركة إعمار الإماراتية، وجاليات المصريين في الخارج. لكن عدداً من رجال الأعمال الذين سبق أن تبرعوا للصندوق منذ سنوات فضّلوا التبرع مباشرة لخزانة الدولة، كأسرة ساويرس التي تعهدت بدفع 100 مليون جنيه (6.4 ملايين دولار).

وخلال الشهر الماضي، أعلن الصندوق تلقيه أكثر من 90 مليون جنيه (5.8 ملايين دولار) تبرعات من مستثمرين ومصارف خاصة، فضلاً عن 90 مليون من شركة "إعمار"، التي تراهن على نجاح الشراكة الخاصة مع الصندوق ممثلاً للدولة المصرية، تحديداً بعد تسوية نزاعها مع الحكومة على أرض هضبة المقطم لصالحها مقابل 100 مليون جنيه فقط.

أما المسألة الثانية التي يريد النظام الانتهاء منها، فهي التوسع الكبير في الأملاك الخاصة بالصندوق بمختلف أنواعها، عقارية ومنقولة، مع وجود اتجاه لتخصيص مساحات من الأرض في قرى مختلفة للشركات التابعة للشركة القابضة الجديدة التي أنشأها الصندوق العام الماضي، لاستغلالها في إقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة ستؤجر للمواطنين وتبقى ملكيتها قائمة في النهاية للصندوق. كما يُسجل الصندوق ملكيته للمنشآت والأجهزة والأدوات المستخدمة في عدد كبير من المشاريع التي بدأ تنفيذها بالفعل، مثل تنظيم قوافل لتوزيع مواد غذائية وملابس وتجهيزات تكفي مليون مواطن، ومساعدة ودعم ألفي فتاة للزواج، وتنظيم قوافل طبية، وتوزيع أجهزة غسيل كلى، وكراسي متحركة للمعاقين، وحضانات للأطفال.


التعديل الجديد يستهدف بالأساس إعطاء الصندوق أولوية لقيادة العمل الأهلي في مصر

وعلى الرغم من الطابع الإنساني لتلك المبادرات، إلا أن تعمّد تقديمها بديلاً لدور الدولة، ومكمّلاً لدور الجيش في التنمية، مع الابتعاد التام عن الرقابة، يطرح تساؤلات عديدة حول كفاءتها وسلامة تسييرها. ويتزامن ذلك مع سهولة تدفق وإنفاق الأموال إلى الصندوق ومنه، ومؤتمِراً بقرارات السيسي وإدارة جرى تحديثها مرات عدة، لتصبح مكونة من الشخصيات الموثوقة، بعد استبعاد الشخصيات الاقتصادية المعروفة التي كان الصندوق معتمداً عليها في بدايته.

وذكرت المصادر، أن ما تم إنفاقه خلال السنوات الماضية من "صندوق تحيا مصر، لا يمثل نسبة كبيرة من حجم ما تدفق عليه من تبرعات، تحديداً في الفترة الأولى من إنشائه بين عامي 2014 و2016". مع العلم أن حصيلة الصندوق تخطت حالياً 40 مليار جنيه (2.6 مليار دولار)، سواء من التبرعات أو حصيلة الاستثمارات، علماً بأن السيسي كان يتحدث عن أمله في أن يجمع 100 مليار جنيه (6.4 مليارات دولار) على الأقل في السنوات الثلاث الأولى.

وأبرز شخصية في إدارة الصندوق حالياً، هو اللواء محمد أمين نصر، أمين اللجنة التنفيذية للصندوق التي يرأسها حالياً اسمياً رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، باعتباره الوزير المختص بحقيبة الاستثمار. ونصر هو العنصر الوحيد الباقي في إدارة شؤون الصندوق منذ إنشائه حتى الآن، مع توسيع صلاحياته بصورة كبيرة، وهو الذي يشغل أيضاً منصب المستشار المالي للسيسي منذ يونيو/حزيران 2019.

المساهمون