أبرز ما جرى بالجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية مع إيران

أبرز ما حملته الجولة السابعة لمفاوضات فيينا النووية: "لعبة الحافة" انتهت بـ"تقدم"

18 ديسمبر 2021
الغربيون يعتبرون أن الطرف الإيراني يتشدد بفرض شروطه بالمحادثات (Getty)
+ الخط -

انتهت، مساء أمس الجمعة، الجولة السابعة من مفاوضات فيينا النووية غير المباشرة بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق النووي المترنح منذ الانسحاب الأميركي منه، وسط حديث عن "تقدم" يبقى حذرا وخجولا، فضلا عن تحذيرات غربية من أن الوقت أصبح ينفد، وأن "المفاوضات لا تسير على ما يرام".

لم تكن العودة إلى المفاوضات يوم 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي سهلة، حيث رافقها تلويح واشنطن باللجوء إلى "الخيار العسكري" بصراحة ولأول مرة إذا فشلت المفاوضات، إضافة إلى تصعيد إسرائيل نبرة تهديداتها بشكل لافت، مع الادعاء بوجود خطط جاهزة لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وتصريحات وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، من واشنطن حول إصداره تعليمات للجيش بالاستعداد لشن ضربات على إيران.

وكانت الجولة السابعة هي الأولى في عهد حكومة الرئيس الإيراني المحافظ إبراهيم رئيسي، وجاءت بعد أكثر من خمسة أشهر من التوقف، استغلتها طهران بحجة انتقال السلطة التنفيذية في البلاد لتطوير برنامجها النووي وزيادة مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب، وتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة بغية تأمين أوراق نووية ضاغطة لوفدها المفاوض الجديد.

ومن اللافت أيضا أن الحكومة الإيرانية اختارت علي باقري كني، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، وأحد أكبر منتقدي الاتفاق النووي الذي أبرمته الحكومة الإيرانية السابقة المدعومة من الإصلاحيين، في منصب كبير المفاوضين خلال لقاءات فيينا، في خطوة لإرسال رسائل سياسية معينة إلى الولايات المتحدة المنسحبة من الاتفاق النووي باعتبارها الطرف الرئيسي لمفاوضات فيينا.

ويبدو أن الحكومة الجديدة أرادت القول لواشنطن، أقله إعلاميا، إنها ليست كسابقتها، ولا تضع الاتفاق النووي على سلّم أولوياتها، فضلا عن أنها ستخوض المفاوضات بمقاربة جديدة، انطلاقا من رؤية متحفظة بالأساس على الاتفاق نفسه.

واجهت المقترحات الإيرانية الجديدة في بادئ الأمر رفضاً من قبل الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي

"انقلاب إيراني"

وترجمت الحكومة الإيرانية الجديدة فعلا مقاربتها بتبني توجه متشدد في المفاوضات، عكسه تقديمها مسودتي مقترحات بشأن رفع العقوبات النووية والمسائل النووية، في ثالث أيام مفاوضات فيينا السابعة، اعتبرتهما الأطراف الأميركية والأوروبية "انقلابا" إيرانيا على نتائج الجولات الست السابقة من المفاوضات مع الحكومة الإيرانية السابقة.

وواجهت المقترحات الإيرانية الجديدة في بادئ الأمر رفضا من قبل الترويكا الأوروبية الشريكة في الاتفاق النووي والمشاركة في المفاوضات (بريطانيا وفرنسا وألمانيا). فعبرت الترويكا عن "خيبة أملها" من المقترحات، مع اعتبار أنها "غير مقبولة"، كما صرحت بذلك الخارجيتان الألمانية والفرنسية، وذلك قبل أن تتراجع وتقبل بحثها ودمج ما يشمل من تعديلات في المسودات السابقة.

وقبلها عبّر كبار مفاوضي الدول الثلاثة عن غضبهم من التصرف الإيراني، فطالبوا بوقف المفاوضات فورا للعودة إلى عواصمهم للتشاور في خطوة للضغط على الجانب الإيراني لسحبهما.

حينها، كشفت مصادر مواكبة للمفاوضات في فيينا، لـ"العربي الجديد"، عن أن المفاوضات كادت أن تنفجر وتنتهي من دون اتفاق على استئنافها، لكن وساطة حثيثة روسية ومن مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، وإلى حد ما الصين، ووعودا إيرانية بأنها لا تنوي الانقلاب على المسودات السابقة، حالت دون ذلك، فتوقفت المفاوضات لمدة خمسة أيام، قبل أن تستأنف في التاسع من الشهر الجاري.

ثلاث مراحل للجولة

المقترحات الإيرانية أطاحت أجندة المفاوضات التي كانت تسير وفقها خلال الجولات الست الماضية، والتي أدت في جولتها السادسة المنتهية يوم 20 يونيو/ حزيران الماضي إلى مسودات متفق عليها بشأن رفع العقوبات والمسائل النووية، مع حديث أطراف التفاوض آنذاك عن إحراز تقدم بنسبة 80 في المائة، مع بقاء نحو 20 في المائة من القضايا عالقة بلا حل.

وعليه، ظلت المفاوضات الجديدة بلا أجندة واضحة بعد رفض إيران العملي التأسيس على المسودات السابقة التي أجرت عليها تعديلات في المسودتين الجديدتين، وذلك على الرغم من موافقتها على أن تشكل تلك المسودات أساسا للتفاوض.

وعكست تلك المقترحات مقاربة إيرانية جديدة حملها وفدها الجديد إلى فيينا، بشكل جعل الجولة السابعة من المفاوضات رهينة تلك المقترحات.

وكشف منسق المفاوضات، أنريكي مورا، نائب مفوض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، اليوم السبت، في عدة تغريدات، عن أن الجولة السابعة انقسمت إلى ثلاث مراحل.

وأضاف مورا أن المرحلة الأولى تمثلت في "دمج الوفد الجديد للجمهورية الإسلامية في مفاوضات مستمرة وناضجة إلى حد ما من ناحية الإجراء"، مشيرا إلى أن المرحلة الثانية كانت "مناقشة الأفكار الجديدة من الحكومة الجديدة"، والمرحلة الثالثة تمثلت في "معرفة ما إذا كانت بقية الوفود جاهزة لدمج أي من هذه الأفكار أم لا؟".

انفراجة خجولة في "الدقيقة التسعين"

واستؤنفت مفاوضات الجولة السابعة يوم التاسع من الشهر الجاري، تحت ضغط الموقف من المقترحات الإيرانية، بين إصرار إيراني ورفض غربي، إلى أن وافق رؤساء الوفود في جلسة اللجنة المشتركة لأعضاء الاتفاق النووي، التي تنعقد عادة في بداية ونهاية أي جولة، على أن تمضي المفاوضات على أساس المسودات السابقة، مع الموافقة على بحث التعديلات التي أجرتها إيران عليها في المسودتين.

استمرت المفاوضات لتسعة أيام، مارست فيها الأطراف الأميركية والأوروبية والجانب الإيراني لعبة "حافة الهاوية" إلى أقصى الحدود

بعدها، وافقت أطراف المفاوضات على تحديد وحصر "النقاط الخلافية"، سواء المرحلة من الجولة السادسة، أو التي تضمنتها التعديلات الإيرانية.

واستمرت المفاوضات لتسعة أيام، مارست فيها الأطراف الأميركية والأوروبية والجانب الإيراني لعبة "حافة الهاوية" إلى أقصى الحدود، وصلت إلى حدّ إخبار إيران بضرورة التوصل لاتفاق قبل نهاية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، قبل أن ترفض المهلة بشكل قاطع.

غير أن المفاوضات شهدت في أيامها الثلاثة الأخيرة "مباحثات مضغوطة ومكثفة"، حسبما قالت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أمس الجمعة، قبل اجتماع للجنة المشتركة لأطراف الاتفاق النووي، مضيفة أن تلك المباحثات أحزرت "تقدما"، أكده بعيد الاجتماع المفاوضون الأوروبيون الكبار المشاركون في المفاوضات بالحديث عن "بعض التقدم التقني"، فيما تحدث كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري كني عن "تقدم جيد"، وقال عنه مندوب روسيا ميخائيل أوليانوف إنه "تقدم جاد".

هذا التقدم يتمثل في التوصل إلى "أساس مشترك" للمفاوضات بعد دمج التعديلات الإيرانية في مسودات يونيو/ حزيران، كما يؤكد ذلك منسق المفاوضات أنريكي مورا، في تغريداته اليوم السبت، لكنه أضاف أن هذا الأساس المشترك "ليس متوفرا بالكامل في مسودة رفع العقوبات، فهذا الجزء له منطق داخلي مختلف"، أي أن هناك مسودة جاهزة للمسائل النووية. وهو ما أكده أيضا مندوب روسيا للمفاوضات ميخائيل أوليانوف، في حديثه مع وكالة "تاس" الروسية.

ويتوافق ذلك مع ما كشفته مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، أمس الجمعة، قبيل اجتماع اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، حيث قالت إن الأوضاع، خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، "اتجهت نحو إعداد مسودة متفق عليها بشأن المسائل النووية، حصرت وتقلصت فيها إلى حدّ ما الخلافات النووية"، لافتة إلى أن "التقدم الجزئي في المسائل النووية لا يقابله تقدم مماثل في ملف رفع العقوبات".

مندوب روسيا للمفاوضات ميخائيل أوليانوف (الأناضول)
مندوب روسيا للمفاوضات ميخائيل أوليانوف (الأناضول)

لكن وجود مسودة جاهزة، سواء في رفع العقوبات أو القضايا النووية، لا يعني أن نص الاتفاق بات جاهزا في المسألتين، كما قالت مصادر مطلعة مواكبة لمفاوضات فيينا لـ"العربي الجديد"، اليوم السبت.

وأضافت المصادر أن المفاوضين نجحوا في حصر النقاط الخلافية وتحديدها، فأوردوها في "مسودة جاهزة تخص المسائل النووية ومسودة غير مكتملة لرفع العقوبات"، مشيرة إلى أن "الكثير من الأقواس مفتوحة في المسودتين، وهما بحاجة إلى التفاوض بشأنهما وبحث الحلول لحل هذه الخلافات".

وفي السياق، قال المفاوضون الأوروبيون في بيانهم، أمس الجمعة، إنّ التقدم الذي حصل في المفاوضات "يقرّبنا فقط من النقطة التي توقفت عندها المباحثات في يونيو/ حزيران" بعد انتهاء الجولة السادسة.

وبالتالي، فإن التقدم الحاصل يتمثل فقط في التوصل إلى "أساس مشترك" للتفاوض بعد حصر نقاط الخلاف في المسودتين. لكن التقدم لم يرق بعد إلى ما تحقق بعد انتهاء الجولة السادسة، وذلك حسب تصريحات المفاوضين الأوروبيين.

كما أن الخلافات، على الرغم من النجاح في حصرها وتحديدها، زادت، حيث قال باقري كني، الليلة الماضية، إن "الخلافات المتبقية في مسودة يونيو/ حزيران ظلت قائمة، كما أضيفت لها خلافات أخرى".

وعلى الطرف الآخر، عبّر مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الجمعة، عن "عدم ارتياح" واشنطن لمسار المفاوضات، مؤكدا أنها "لا تسير على ما يرام".

ختام مثير للجدل

وانتهت الجولة السابعة من المفاوضات، الجمعة، بعد مد وجز استمر لـ14 يوما بشكل منقطع، في ضوء التقدم المتمثل في التوصل إلى جدول أعمال وأجندة واضحة للجولة أو الجولات القادمة.

واتفقت أطراف التفاوض على استئناف المفاوضات "قريبا"، لكنها لم تتفق بعد على موعد لإطلاقها، وسط ترجيحات بأنها ستستأنف قبل نهاية العام الجاري يوم 27 ديسمبر/ كانون الأول.

وثمة جدل رافق انتهاء الجولة، حيث أكدت الترويكا الأوروبية، في بيان مفاوضيها المشاركين في المفاوضات، أن توقفها "جاء بطلب إيراني"، إلا أن كبير المفاوضين الإيرانيين نفى، اليوم السبت، صحة ذلك، قائلا إن أطراف التفاوض اتفقت منذ البداية على استراحة بعد التوصل إلى مسودة الاتفاق.

وبعودة وفود أطراف مفاوضات إلى عواصمها، يشكل عامل الوقت عنصر ضغط لاستئنافها سريعا، بسبب سرعة تقدم البرنامج النووي الإيراني، واقتراب طهران من العتبة النووية أكثر من أي وقت مضى.

سياسة/علي باقري كني/(جو كلامار/فرانس برس)
كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني (جو كلامار/ فرانس برس)

وفي السياق، أكد مورا، الجمعة، أنّ "أمامنا أسابيع وليس أشهراً للوصول إلى اتفاق"، وهو ما كرره المفاوضون من الترويكا الأوروبية في الوقت ذاته، مشيرين إلى أنّ "هناك أسابيع وليس أشهراً قبل انتهاء المنافع الأساسية في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)".

وحذر المفاوضون الأوروبيون قائلين: "نحن نقترب بسرعة من نهاية الطريق للمفاوضات. فبرنامج إيران النووي أصبح الآن أكثر تقدماً مما كان عليه سابقاً"، مع دعوتهم إيران إلى "تجنب القيام بالمزيد من الخطوات التصعيدية" النووية.

من جهة أخرى، قال مسؤول كبير في الإدارة الأميركية، في تصريحات إعلامية، الجمعة، إنّ واشنطن تعتقد أن الوقت اللازم لإيران كي تصنع سلاحاً نووياً أصبح الآن "قصيراً فعلاً"، وبصورة "مثيرة للانزعاج".

وعلى ضوء هذه التحذيرات، أعربت الخارجية الروسية، اليوم السبت، عن أملها في أن تؤدي الجولة الثامنة من المفاوضات إلى "اتفاق سريع ومقبول لدى جميع الأطراف"، مشيرة إلى أن جميع أطراف المفاوضات "أظهرت استعدادها اللازم لتوظيف كل جهودها للوصول إلى اتفاق".

باقري كني: المباحثات في الجولة القادمة يمكنها أن تكون آخر جولة

وقال مندوب روسيا في مفاوضات فيينا، ميخائيل أوليانوف، اليوم السبت لوكالة "تاس" الروسية، إن الجولة الثامنة "يمكن أن تكون آخر وأطول جولة. وفود أخرى أيضا، منها منسق الاتحاد الأوروبي، متفائلون بنتيجة الجولة المقبلة. علينا أن نوظف طاقة كبيرة لاستمرار العمل".

وهو ما ذهب إليه باقري كني، بعدما قال إن "المباحثات في الجولة القادمة يمكنها أن تكون آخر جولة. من الطبيعي أنه إذا ما قبل الطرف الآخر بمواقفنا، فإننا سنصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن".

جرعة أوكسجين من "الطاقة الذرية"

وبينما كانت تجري الجولة السابعة، حصلت "انفراجة" خارج غرف التفاوض بفيينا، انعكست إيجابا على مفاوضات فيينا، وسهلت توصل أطرافها إلى مسودات متفق عليها في الأيام الأخيرة.

واتفقت إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يوم الثلاثاء الماضي، على حلّ أزمة موقع "تسا" لصناعة أجهزة الطرد لمركزي في كرج غربي طهران بعد سماح الأخيرة للوكالة الدولية بتغيير كاميرات المراقبة فيها، المتضررة من "العملية التخريبية" التي استهدفت المنشأة، خلال يوليو/ تموز الماضي.

كما اتفق الطرفان على بحث وإيجاد حلول في غضون شهر لبقية القضايا العالقة بينهما، المتعلقة بأسئلة للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن أربعة مواقع مشتبه بممارستها أنشطة نووية فيها بعد عثور مفتشيها على مواد نووية فيها سابقا.

مع ذلك، لا يبدو أن الخلافات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن موقع "تسا" قد انتهت، حيث تحدث المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، مساء الجمعة، عن ضياع بطاقة ذاكرة إحدى الكاميرات المراقبة الموضوعة في المنشأة.

وأضاف غروسي أن إيران أخرجت الكاميرات الأربع في "تسا" من أماكنها، لكن بطاقة ذاكرة إحدى الكاميرات مفقودة، مؤكدا أن الوكالة والدول الغربية طالبت طهران بتوضيح الأمر، لكن الحكومة الإيرانية لم تقدم بعد إيضاحا.

وبعيد تصريحات غروسي، قال مسؤول إيراني، لم يكشف عن هويته لوكالة "نورنيوز"، إن "بطاقة الذاكرة المزعومة من قبل المدير العام للوكالة تدمرت في العملية التخريبية، وعلى الوكالة أن تتحمل مسؤوليتها في عدم توظيف قدراتها لمنع وقوع مثل هذه العمليات التخريبية التي بات معروفا منشأها".