في عودة التوترات المشبوهة إلى سقطرى

16 ابريل 2020
+ الخط -
أعلنت السلطة المحلية في جزيرة سقطرى اليمنية، الواقعة غربي المحيط الهندي، استعادتها السيطرة على معسكرٍ تابع للقوات الخاصة، كانت قد استولت عليه عناصر مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، أواسط فبراير/ شباط الماضي، ويأتي ذلك في إطار عملية تصعيد متبادل بين الحكومة الشرعية والمجلس، على خلفية التمرّد المسلح الذي قاده الأخير في مدينة عدن، في أغسطس/ آب 2019، وتعذُّر تنفيذ اتفاق الرياض الذي وقعه الجانبان في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، على الرغم من تجاوز مدة تنفيذه المحدّدة بتسعين يوما.
يمثل هذا التصعيد مكمِّلاً تكتيكياً لأحداث سابقة شهدتها جزيرة سقطرى، خلال العامين الماضيين؛ من أبرزها التوتر الذي نشب بين قيادة السلطة المحلية والممثل العسكري للتحالف العربي (إماراتي)؛ بسبب دخول قوات إماراتية إلى الجزيرة، من دون علم الحكومة الشرعية، وتمويل الإمارات وتدريب تشكيلات انفصالية مسلحة، لا تخضع للسلطات الرسمية اليمنية. وقد بلغ الأمر ذروته، في أثناء زيارة رئيس الحكومة السابق، أحمد بن دغر، الجزيرة في مايو/ أيار 2018، ثم تلا ذلك تشجيع القيام بالمظاهرات المناوئة، والتحريض على أجهزة الأمن والقوات الحكومية، ومحاولة احتكار وظائفها الدستورية والقانونية، وصولاً إلى محاولة اغتيال محافظ الجزيرة، رمزي محروس، الأسبوع الفائت.
يبدو أن تحول الإمارات، في استراتيجية تدخلها في اليمن، نحو أسلوب "الاقتراب غير المباشر"، والتخفيض الكبير في حجم قواتها المشاركة في التحالف، وقد انسحب معظمها في فبراير/ شباط 2020؛ حفَّز المجلس الانتقالي الجنوبي، عبر تشكيلاته وعناصره المسلحة، على العمل وكيلا محليا للإمارات، ضمن مشروع مشترك، يهدف إلى الإسقاط التدريجي لنظام الرئيس عبد ربه منصور هادي، ومن ثم ترتيب وضع الجنوب، مع بقية حلفاء الإمارات المناوئين لنظام الرئيس هادي، بما يحقق مطامعها في سقطرى، والتي لا تجد غضاضةً في التصريح عنها عبر عدد من موجهي سياساتها الخارجية، بل وادّعاء أن سقطرى تمثل امتداداً جغرافياً وبشرياً وتاريخياً للإمارات السبع المكونة لاتحاد دولة الإمارات، وإلا فبماذا يمكن تفسير حرص الإمارات على نشر قواتها في الجزيرة، ودعم تشكيل فصائل مسلحة موالية لها، في ظل عدم وجود الحوثيين أو ما يمت إليهم بأي صلة؟
على الرغم من أن سقطرى لم تكن ضمن مناطق أحداث أغسطس/ آب 2019، إلا أنها دخلت، بطريقة غير مباشرة، في مضامين اتفاق الرياض، المعني بتسوية تداعيات تلك الأحداث،
 خصوصاً ما يتعلق بإعادة تعيين محافظي المحافظات، والترتيبات العسكرية والأمنية؛ ويبدو أن ذلك حفّز المجلس الانتقالي أكثر، في عملٍ استباقي، على توطيد نفوذه العسكري والأمني في الجزيرة، ومحاولة جرّ محافظها إلى خياراتٍ عنيفةٍ، تفضي إلى إقصائه من منصبه، وحرمانه من أي مشاركةٍ في السلطة، وذلك على غرار ما حاق بالمسؤولين الحكوميين المؤيدين للرئيس هادي الذين تورّطوا في أحداث أغسطس/ آب 2019، وفقاً لاتفاق الرياض.
وكذلك لا يمكن فصل التوتر الحاصل في سقطرى عن الوضع ذاته في بعض من المحافظات الجنوبية، بين القوات الحكومية والتشكيلات والعناصر المسلحة التابعة للمجلس الانتقالي الذي رفع درجة الاستعداد الأمني والقتالي في صفوف قواته إلى درجةٍ قصوى؛ استجابة للنشاط العسكري الذي تقوم به القوات الحكومية في منطقة شُقْرة الساحلية، في محافظة أبْيَن، شرقي عدن، وما يثار عن عزمها فرض سيطرتها على عدن، بعد تعثر مساعي السعودية في إقناع قيادة المجلس الانتقالي بالبدء في تنفيذ اتفاق الرياض، وتمكين الحكومة الشرعية والرئيس هادي من العودة إلى عدن، لتسيير أمور الدولة منها، بوصفها العاصمة المؤقتة للبلاد.
من زاوية أخرى تبدو مغايرة، لكنها ذات ارتباط وثيق بتصاعد التوتر في سقطرى، وهي حالة الهدوء السائد في محافظة المهرة، على الحدود مع عُمان والسعودية، بعد تغيير محافظها السابق، في فبراير/ شباط الماضي؛ فالهدوء في المهرة لم يكن نتيجة لتغيير حاكمها الذي اندلعت ضده الاحتجاجات فحسب، بل وللتفاهمات التي اشتركت فيها السعودية وعُمان، برعاية أميركية - بريطانية، روعي فيها ارتباط الأمن الوطني للبلدين بأمن محافظة المهرة، وذلك ما حقق لكلٍّ منهما ميزاتٍ جيوسياسية، أياً كان مداها الزمني؛ وليس من المعقول أن تترك الإمارات سقطرى لتضيف إلى السعودية مركز نفوذ آخر، على حساب أجندتها البحرية، سيما أنها ثابرت كثيراً في بناء شبكة ولاءات داخل الجزيرة، وتشعر بالقلق إزاء الوجود العسكري السعودي فيها، في ظل عدم إفصاحه عن أهدافه الحقيقية.
يكشف الأداء الحكومي الصارم الذي تقوم به السلطات المحلية الرسمية في جزيرة سقطرى عن وجود إرادة وطنية صلبة، ولكن اكتمال وطنية هذه الإرادة يتطلب مغادرة الإمارات والسعودية أراضي سقطرى، والعمل على تعزيز وبناء قدرات السلطة المحلية، في مختلف المجالات، ومن دون أي وصاية.