هل كورونا مؤامرة؟

21 مارس 2020
+ الخط -
أقل ما يوصف به رقم 13 مليون مشاهدة لمقطع فيديو مصري يصف "كورونا" بالمؤامرة الإعلامية الأميركية بأنه كارثة حقيقية. كارثة لأننا لا نتحدث عن حماقة نظرية، بل عن دعوة عملية مباشرة وجهتها صانعة الفيديو إلى المصريين بعدم ارتداء الكمّامات، بل سخرت ممن يتخذون أي احتياطات، فهي القادمة بنفسها من أميركا شاهدت هناك كيف يتآمرون لخداعنا بأمثال هذه الزوبعات الإعلامية، بغرض دفعنا إلى مزيد من الاستهلاك، مستشهدة بوالدها الذي لم يجد سلعا يريدها في متجر قريب من منزلها!
جاءت أغلب التعليقات مؤيدة، من يتحمّل مسؤولية ما سيحدث، لو استجاب عُشر المشاهدين فقط؟ .. صانعة الفيديو كانت ستحاكم بالقانون في أي دولة ديمقراطية، فلا حرية رأي في التحريض على أذى النفس والغير، لكن الذنب ليس ذنبها وحدها. عبر عهود طويلة، ذاعت في بلادنا نظريات المؤامرة الاتكالية مع كل حدث ضخم. هجمات "11 سبتمبر" كانت تمثيلية أميركية. صدام حسين غزا الكويت بخديعة أميركية، ووصولاً إلى أنه لم يُعدم، بل أعدم شبيهه.
كما شهدنا نظريات متعاكسة عديدة متزامنة حسب الموضع السياسي للقائل، فاندلاع الربيع العربي مردّه المؤامرة العالمية عند بعضهم، وفشل الربيع العربي تسببت به المؤامرة العالمية عند آخرين.
لا يغير من قناعة جمهور هذه النظريات محاولة التدقيق المعلوماتي، فالورقة التي قالت إن "كورونا" المستجد هو فيروس مخلّق في المعامل، تم دمج أربعة أحماض أمينية من الإيدز داخله، كانت منشورة في موقع خاص بالمسودات العلمية، لا الأبحاث المُحكمة، وسرعان ما تم تفنيدها علميا على الموقع نفسه، وسحبها ناشروها الهنود واعتذروا عنها. وبالطبع، لم يصل الاعتذار إلى عشر معشار من وصل إليهم التضليل.
كما لا تفيد كثيرا محاولة التحليل المنطقي، فسواء كانت النظرية أن "كورونا" مؤامرة أميركية لكبح جماح تقدم الصين، أو العكس مؤامرة صينية ضد الغرب، خصوصا بعدما انتصرت الصين في معركتها لوقف المرض، أو النظرية الثالثة المرتبطة بمؤامرة شركات الدواء العالمية ضد الجميع، كل هذه الفرضيات تتجاهل واقع العالم اليوم الذي يتضرّر فيه الجميع بشكل مدمر. الاقتصاد العالمي بالكامل يدخل في مرحلة ركود، ولا تنافس خسائر المصانع الصينية إلا خسائر البورصات الأميركية، ولا منطق لافتراض أفضلية لشركات الدواء على حساب الخسائر المهولة لشركات النفط والطيران والعقار وغيرها.
واقعيا، هذا الفكر الذي يظن ناشروه أنهم يكشفون المؤامرة هو في الواقع أكبر مؤامرة ضد أنفسهم، فنتائجه دائماً هي إما تجاهل الخطر المحدق باعتباره زائفاً، أو بالعكس الاستسلام عدم القدرة على مواجهته باعتباره حتمياً.
وللمفارقة، يؤدي الإغراق في فكر "المؤامرة" الخفية إلى إغفال أهمية "مؤامرات" أخرى علنية، قوامها معلومات وبيانات منشورة من سياسيين واقتصاديين متأنقين، تفتقد التشويق المتوفر في قصص الأشرار في الغرف المظلمة. لهذا تعشق الحكومات القمعية، على اختلاف أجناسها، "المؤامرة"، لأنها تعفيها من المسؤولية أمام شعوبها. لا تقصير ولا خيارات سياسية، بل مؤامرة أضخم من الجميع، بشار الأسد لم يدمر سورية بل المؤامرة، والحكومة الصينية لم تتستر على المرض في البداية، بل هو مؤامرة غربية ضدها، والدول لم تقصّر في الإنفاق على أنظمة الرعاية الصحية العامة، بل المرض أوجده مختبر صيني أو أميركي رهيب.
في كتابه "البروتوكولات واليهودية والصهيونية"، يفند الراحل عبد الوهاب المسيري أسطورة "بروتوكولات حكماء صهيون" التي تغذّت عليها أجيال من العرب، مؤكداً أن "الفكر البروتوكولي التآمري فكر اختزالي، ليس له مقدرة تفسيرية ولا حتى تعبوية"، فهو على أرض الواقع يؤدي إلى نتيجتين: نشر كره اليهود بوصفهم حاملي صفات أزلية سلبية، ما يؤدي إلى اضطهادهم والتحريض ضدهم، وهو ما يصب في واقع الأمر في الخندق الصهيوني. ويؤدي إلى نشر صورة إسرائيل الدولة التي تحكم العالم أجمع، وبالتالي فلا بديل عن الاستسلام لإرادتها.
إذا صدقت النية في إصلاح حقيقي للتعليم في بلادنا، فمن أوائل ما يجب دراسته غرس التفكير العلمي لا المعلومات. وحتى ذلك الحين، سيبقى أصحاب "المؤامرة" ضد أنفسهم.