في ضرورة تدويل قضية الاستيطان

13 سبتمبر 2019
+ الخط -
لم تتوقف المشاريع الإسرائيلية لضم الضفة الغربية منذ احتلالها في يونيو/حزيران 1967، حيث يعتبر إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل أيام، فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت، ترسيخاً عملياً للمشاريع الاستيطانية التهويدية للضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس. وقد أكد نتنياهو، في حملته الانتخابية للكنيست، أنه لن يسمح بإخلاء أي من المستوطنات، وسيعمل بجدٍّ لتحصين المشاريع الاستيطانية التي تتطلب المال والتصميم. وقد عزّز توجه نتنياهو إلى السيادة على الضفة الغربية عبر تنشيط الاستيطان انحياز إدارة الرئيس الأميركي، ترامب، المطلق للرؤى الإسرائيلية بشأن القضايا الجوهرية الفلسطينية، خصوصا القدس واللاجئين والاستيطان. 
ولمواجهة مخاطر فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية عبر تنشيط الاستيطان، يتحتم العمل على تدويل قضية المستوطنات وقوننتها، وهي التي تعتبر من أهم معالم الاحتلال، حيث يعزز قرار مجلس الأمن رقم 2334 هذا التوجه، ويؤكد عدم شرعية إنشاء إسرائيل المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 بما فيها القدس الشرقية، كما يعتبر النشاط الاستيطاني، بما فيه الجدار العازل، خرقاً للقانون الدولي. لهذا بات ضروريا العمل على تهيئة آليات مدروسة من الفلسطينيين لخوض معركة قانونية ضد النشاط الاستيطاني. واللافت أن احتلال الأرض الفلسطينية وإنشاء المستوطنات عليها كان نهجاً إسرائيلياً لفرض الأمر الواقع التهويدي. ونجحت الحركة الصهيونية بدايةً في إقامة دولة إسرائيل على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وتمكّنت العصابات الصهيونية من طرد 850 ألف فلسطيني، بعد أن ارتكبت مذابح ومجازر عديدة. وإثر ذلك، تمت عملية تدمير ممنهجة لنحو 418 قرية ومدينة فلسطينية، وأنشأت المؤسسات الصهيونية على أنقاضها مستوطناتٍ تخدم أهدافا أمنية واقتصادية للمجتمع الإسرائيلي.
وأصدرت إسرائيل قوانين جائرة لمصادرة أراضي الفلسطينيين، ولم يتبق سوى 3% من
 المساحة التي أنشئت عليها إسرائيل لاستخدامات الأقلية العربية، على الرغم من أنها تشكل أكثر من 20% من سكان إسرائيل، وثمة قوانين جائرة استصدرت، أو تمّ إحياؤها، بغية تهويد مناحي حياة الأقلية العربية كافة، لترسيخ يهودية الدولة. ويمكن القول إن سياسة ابتلاع الأرض والاستيطان لم تتوقف في المناطق المحتلة منذ 1948، حيث تتم تحت مسميات تطوير منطقتي الجليل والمثلث.
وعلى الرغم من التمايز الطفيف في مواقف الأحزاب الإسرائيلية من الاستيطان، إلا أن ثمّة إجماعاً بينها على ضرورة إنشاء المستوطنات، وتسريع وتيرتها، وبشكل خاص في القدس، بغية فرض تصور إسرائيل للحل، سواء في تبادل الأراضي والسكان، أو لجهة فرض إبقاء حدود الدولة الإسرائيلية على ما هي عليه. وعلى الرغم من تفكيك المستوطنات من قطاع غزة عام 2005، فإن النشاط الاستيطاني لم يتوقف في الضفة الغربية، بما فيها مدينة القدس التي تواجه أكبر موجة نشاط استيطاني منذ 1967. وأدى هذا النشاط في الضفة الغربية منذ 1967 وحتى العام الحالي (2019)، إلى بناء 151 مستوطنة تضم نحو 550 ألف مستوطن، إضافة إلى 26 مستوطنة تلف القدس بطوقين من جميع الجهات، ويتركز فيها نحو مائتي ألف مستوطن. واللافت أن حجم التوسع الاستيطاني الإسرائيلي تضاعف أربع مرات، منذ التوقيع على اتفاق إعلان المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في 1993، وثمّة مخططات لفرض وقائع استيطانية إسرائيلية في الضفة الغربية وفي داخل الأحياء العربية القديمة من مدينتي القدس والخليل. وقد صادرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أكثر من 40% من مساحة الضفة الغربية لإنشاء المستوطنات والطرق الالتفافية التي تربط بينها، ناهيك عن سيطرة إسرائيل على أكثر من 80% من مساحة مدينة القدس. أما الجدار العازل، فهو من أكبر النشاطات الاستيطانية في عمق الضفة الغربية، حيث اعتبرته محكمة العدل 
الدولية قبل سنوات غير شرعي، ومنافياً للقوانين الدولية التي واجهتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة باتباع سياسات محددة للإطباق على الأرض الفلسطينية وشرعنة بناء المستوطنات، بغرض رسم جغرافيا قسرية، والسيادة على الضفة الغربية في نهاية المطاف وتهويدها، فقد أصدرت السلطات الإسرائيلية أمراً عسكرياً عام 1967 تسيطر بموجبه على أملاك الغائبين، واستحدثت حارساً لأملاكهم، حيث تم من خلاله منع بيع تلك الأملاك أو تأجيرها من دون موافقة السلطات الإسرائيلية. وثمة أغراض كامنة وراء مصادرة إسرائيل أراضي الفلسطينيين وبناء المستوطنات، في مقدمها طرد أكبر عدد من العرب، وإحلال مزيد من المهاجرين اليهود مكانهم.
وبناءً على قرار مجلس الأمن 2334 الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، بات الأمر يتطلب تبنّي خطاب سياسي فلسطيني جديد، يسعى إلى تطبيق القانون الدولي الداعي إلى تفكيك المستوطنات، وليس تجميدها فحسب. وفي هذا السياق، أكدت عشرات القرارات الدولية أن المستوطنات والتحولات الديموغرافية المفروضة لاغية وباطلة.