تركيا في أزمة ومتحفّزة كردياً

تركيا في أزمة ومتحفّزة كردياً

25 اغسطس 2018
+ الخط -
على الرغم من تراجع الأوضاع الاقتصادية في تركيا، وتناقص سعر صرف الليرة التركية إلى مستويات غير مسبوقة خلال عهد حكم حزب العدالة والتنمية، إلا أن سوء الأوضاع والأزمة القائمة لم يحولا دون إصرار تركيا على تطويق التطلّعات الكرديّة، ومطاردة حزب العمال الكردستاني ومجابهته ما أمكن، في ما يشبه القاعدة الثابتة التي تتبعها الحكومات التركية المتعاقبة.
استهدفت طائرة تركيّة بدون طيّار قبل أيام عربة كانت تقلّ أحد أبرز قيادات العمال الكردستاني في منطقة سنجار (شنغال) في العراق، القيادي الإيزيدي في صفوف العمال الكردستاني، المعروف بمام زكي، في عملية وُصفت بأنها نتيجة جهد استخباراتي تركي حثيث، لتتزامن مع اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ولتعتبر هذه العملية، المُحكمة من حيث تنفيذها، رسالة بليغة إلى حزب العمال الكردستاني بوجوب عدم استغلال الأوضاع الداخلية التركية، واستغلال الأزمة، والنفاذ منها إلى المجتمع التركي.
قبل العملية التركية هذه بأيام، نشر أردوغان رسالة لومٍ في مقال رأي، في أبرز صحيفة 
أميركية (نيويورك تايمز)، عن الدعم الأميركي لوحدات حماية الشعب التي تصنّفها تركيا عدوّاً و"منظّمة إرهابية"، إذ رصد أردوغان الدعم الأميركي بدقّة، ووصفه بأنه حصل بواقع خمسة آلاف شحنة مساعدات وصلت إلى الوحدات برّاً، وألفي شحنة جوّية. جاء كلام الرئيس التركي في إزاء شرحه موقف بلاده من حليفها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، والذي تبدّى موقفاً عدائياً، يفضّل "العدو الكردي" جنوب حدوده على تركيا الحليفة التاريخية للولايات المتّحدة في المنطقة.
لم تثنِ الأوضاع التركية الحاليّة الحكومة من متابعة عملياتها الرامية إلى تطويق تنامي قوّة "العمال الكردستاني" ودوره، فليس جديداً على الحكومات التركية التي لم تدّخر جهداً، في أصعب اللحظات، لمجابهة هذا "الخطر"، بل قد يصحّ القول إن الحكومات التركية وضعت هذه المسألة في مقدمة أولوياتها في أوقات حرجة كثيرة مشابهة. في إزاء الأوضاع الخطرة التي تعصف بتركيا، يعي حزب العمال الكردستاني مغبّة استفزاز تركيا المتعبة، بيد أن المكرّر في الموضوع أن تركيا الرسمية تعمد، في الأوقات المشابهة، إلى ابتداع معارك بالضد من "العمال الكردستاني"، والتضييق عليه وتحجيم دوره، وربّما يمكن إرجاء الأمر إلى سياسة الهروب إلى الأمام التركية التي ترى في كل اضطراب، أو أزمة داخلية، صواعق في القنبلة الكردية القابلة للانفجار، وإمكانية استثمارها خارجياً، أو أنها قد ترى في الموضوع الكردي وسيلةً للتحشيد والمناصرة المحلّية.
إلى الحدود الجنوبية التركية، أي شمال سورية، تدلي قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي، ومتحدّثون باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية، بتصريحاتٍ بشأن وجوب "تحرير عفرين"، في توقيت حرج كهذا الذي تعيشه تركيا. صحيحٌ أن صوت أكراد سورية لم يخفت لحظة إزاء "الاحتلال التركي عفرين"، إلّا أن للتصريحات الكردية في هذه الغضون التي تعاني فيها تركيا من أزمة اقتصاديةٍ مربكة يمكن أن يفسّر على نحو آخر، حيث أنّها جاءت وفقاً لرغبة أميركية أوسع من مسألة الحرب الاقتصادية القائمة، إذ ترمي أميركا إلى التضييق على تركيا، بوسائل متعدّدة، منها الورقة الكردية الفعّالة والمستفزّة لتركيا.
في الداخل التركي، ثمّة دور مهم للأكراد في تحميل الحكومة التركية وزر ما حصل من أزمة 
اقتصادية عاصفة، فالحديث الآن عن دور لحزب الشعوب الديمقراطي، ذي الميول الكردية، في أن يتولّى مهمّة معارضة الحكومة، في وقت تعاني منه معظم تيارات المعارضة وأحزابها مشكلات داخلية، كحزب الشعب الجمهوري الذي يئن تحت وطأة مشكلات حزبية داخلية بشأن الزعامة الحزبية، بالتالي قد يتحوّل حزب الشعوب الديمقراطي الذي نجح مرتين في دخول البرلمان التركي، وتمثيل جزء يسير من المعارضة الداخلية، إلى أداة جامعة للمعارضة التركية، عبر تولّي الملف الاقتصادي، والاشتغال على تجميع المتضرّرين الأتراك من مختلف الانتماءات القومية والسياسية، وما يمكن تسميته التحوّل من حزب ذي ميلٍ كردي إلى رافعة اقتصادية اجتماعية لعموم الأتراك، يمكن أن يساهم لاحقاً في إضعاف الحكومة، والتشكيك في روايتها الرسمية للأحداث الاقتصادية أخيراً، حيث تصفها بـ "المؤامرة الخارجية".
ثمّة جانب آخر للأزمة الاقتصادية التركية، وهو الجانب السياسي والاجتماعي، والذي قد يكون للأكراد خارج تركيا وداخلها دورٌ طليعيّ في صياغته، يضاف إلى ذلك إمكانية المساهمة في تأليب الرأي العام التركيّ بالضد من الحزب الحاكم والمتحالفين معه. وفي المقابل، ما يفعله الأكراد أو ما يقومون به يدخل ضمن قواعد اللعبة السياسية التركية القائمة على الفعل وردّ الفعل. لذا قد يصبح رد الفعل الكردي الآن مبرّراً داخل السياق العام للأزمة، إلّا أنه يجب التذكير بحقيقة أن تركيا، ومهما عصفت بها الأزمات، ستبقى متحفّزة لمواجهة تطلّعات الأكراد، إن خارج حدودها أو ضمن حدود اللعبة السياسية المحلية، وبالتالي لا يمكن تخمين اللحظة الأمثل التي يمكن للأكراد من خلالها تحقيق بعضٍ من تطلّعاتهم، سواء عانت تركيا مصاعب اقتصادية، أو كانت في حالة رفاهٍ عميم.