بغداد وأربيل .. أيّ شراكة ترتجى؟

بغداد وأربيل .. أيّ شراكة ترتجى؟

10 ابريل 2022
+ الخط -

يذهب اتجاه سياسيّ عراقي شديد التفاؤل إلى القول إنّ شيعة العراق شيعتان، عربيّة وأعجمية، وإن تقوية الأولى تخرج العراق من تبعيته لإيران وتجهز على الثانية، يأتي ذلك ضمن تفسير يفتقر للحساسية المطلوبة وفهم ديناميات المجتمع الشيعي شديد التعقيد والتداخل، فوق أنّه يتوسّل أفقاً جديداً لعراق وطنيّ ملتصق بدرجةٍ ما بعروبته، وقد تعزّز هذا الاتجاه مع صعود الكتلة الصدريّة وخروجها عن البيت الشيعي المحتكم لإملاءات إيران.

داخل هذا المشهد، وتلك القراءة، حاول نايف كردستاني، وهو أكاديمي كردستاني، عبر نشره تغريدة على حسابه في تويتر، القول إنّه "مع المرجعيّة العراقية من آل البيت"، وإنه ليس مع المرجعية "الهندية والفارسية والأفغانية"، هكذا بدا أنّه يكيل المديح للحلف الجديد بين أربيل وحزبها الديمقراطي الكردستاني وبغداد بكتلتها الصدريّة، أو بمعنى أضيق: بدت التغريدة مديحاً لشكل للحكومة المتوقّعة. بيد أن ما بدا مجرّد رأي سرعان ما تحوّل إلى أحداث أفضت إلى اعتداء وحرق مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، فيما بدا الحزب مرتبكاً أمام قسوة ردّة الفعل تلك، المغلّفة ببعد طائفي كان الإقليم يجهد لتفاديها إبّان موجات العنف الطائفي التي عصفت بالبلاد، ولتصل الأمور إلى حدّ تبرّؤ الحزب الكردستاني من مطلق التغريدة وفعلته، وإدانته واستنكار فعلته، بل وأبعد من ذلك أعلنت وزارة داخلية إقليم كردستان القبض على "المدعو" نايف كردستاني.

ذهب الكرد إلى بغداد منقسمين، يتقبّلون كلّ ضغط عراقيّ وإيراني على مضض لأجل المشاركة في الحكومة

وبطبيعة الحال، لم تكن هذه المرّة هي الأولى التي استهدف فيها مقر الحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، إذ يعيدنا الحدث إلى أكتوبر/ تشرين الأول 2020، حين وقع اعتداءٌ مشابهٌ على يد متظاهرين محسوبين على "الحشد الشعبي"، ولعلّ الإجراءات الحكومية لن تختلف هذه المرّة عن سابقتها، لجهة الدعوة إلى فتح تحقيق عاجل ومحاسبة الجناة والضباط المقصّرين في واجباتهم.

في وسع المراقب أن يلحظ مسألتين داخل هذا المشهد المشحون والحذر: الأولى أن إيران ستعطّل مسعى لـ "الديمقراطي الكردستاني"، الحليف المرحلي لمقتدى الصدر، في انتهاج سياسة ترمي إلى الاستفادة مما هو حاصل من خلافات شيعية شيعية، فوق أن التضييق المتواصل على أربيل، التي قصفت بالصواريخ البالستية التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني مطلع شهر مارس/ آذار يعني أنه سيجري تغريم حلفاء مقتدى الصدر والتضييق عليهم، وتصويرهم "عملاء" لإسرائيل وفق الرواية الإيرانية، وما ينطلي عليه الأمر من تحشيد بالضد من الكرد. فيما تتمثّل المسألة الثانية في محاولة التضييق على "الديمقراطي الكردستاني" في بغداد بالاتكاء على أهون الحجج والذرائع، كحال تغريدة شخصية كردية مغمورة سياسياً، أو مواصلة الاعتراض على مرشّحي الحزب لرئاسة الجمهورية.

العلاقة بين أربيل وبغداد تشير إلى أنّ الرهان المتبقّي هو الإصرار على الشراكة، وتوسيعها وتطويرها لتطاول أطرافاً كردية أخرى

يسعى "الديمقراطي الكردستاني" إلى احتواء الموقف، وتحمّل اختبار الضغط الإيراني والعراقي الموالي لطهران، وإن وصفت قيادات داخل الحزب أعمال حرق مكتبها بأعمال "بلطجة" وفق ما قاله وزير الخارجية الأسبق، هوشيار زيباري، ذلك أن ما فهمته قيادة الحزب من أن الاعتداء على مقرّها كان سعياً، في مقام ما، إلى إنهاء شكل "حكومة الأغلبية الوطنية" المقبلة وتقويضه، كما أن احتماء أربيل بحلفائها الجدد في بغداد، من خارج القوس الشيعي الموالي لطهران، يعني احتمال تنامي الأعمال العدائية ضد الإقليم، والتي قد تصل إلى حدّ الاحتكام للعنف في مواجهة حضور "الكردستاني" إلى جوار الصدر، وقد يطاول ذلك أشخاصاً بعينهم أو محازبي "الكردستاني" خارج الإقليم، ففي زاوية المشهد يمكن تفسير التضييق على الحزب بأن الغاية منه عزل الصدر وتفكيك تحالفه، ويمكن إلى ذلك فهم التجييش بأنه محاولة لثني الصدر عن التحالف مع مسعود البارزاني، واستبداله بحلفاء كردستانيين أقرب إلى طهران.

قد يكون من سوء طالع نايف كردستاني أن يكتب بضعة أسطر على تويتر، فيستصحب الأمر كل هذه الجلبة، لكن الأمر في حقيقته يبدو أن حظّ الإقليم هو العاثر، فمن جهة ذهب الكرد إلى بغداد منقسمين، يتقبّلون كلّ ضغط عراقيّ وإيراني على مضض لأجل المشاركة في الحكومة، ومن جهة عليهم المضي في الرهان على قدرة الصدر على حمايتهم وحماية مصالحم وهو أمر بالغ الصعوبة في ظل حالة الاستقطاب التي يشهدها البيت الشيعيّ.

من المعلوم أنّ المسألة برمّتها ليست مسألة تغريدة "مسيئة"، وأنها أبعد من ردّ فعل عفويّ من متظاهرين، ففي قلب المشهد ثمّة رغبة في تحطيم التحالف القائم الذي سيشكّل الحكومة المقبلة، فيما العلاقة بين أربيل وبغداد تشير إلى أنّ الرهان المتبقّي هو الإصرار على هذه الشراكة، وتوسيعها وتطويرها لتطاول أطرافاً كردية أخرى، وربما شيعية كذلك، على ما تقتضيه الشراكة من دفاع عن الشريك الكرديّ، وإلّا فإن أيّ شراكةٍ ترتجى بعد كل هذا الذي يحصل؟