يحدث في اتحاد كتّاب المغرب

27 يونيو 2018
+ الخط -
لم ينجح اتحاد كتاب المغرب، أخيرا، في عقد مؤتمره التاسع عشر، فخلال الجلسة الافتتاحية، ارتفعت أصوات بعض الكتاب الحاضرين، مقاطعةً كلمة رئيسهم الافتتاحية تُطالبه بالرحيل، وأدى جو الفوضى في الجلسة إلى رفعها، ثم تمت الدعوة إلى انعقاد مؤتمر "استثنائي" بعد ستة أشهر. وإذا كانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها "نسف" مؤتمر لأكبر وأقدم "اتحاد" للكتاب المغاربة من الداخل، ومن أعضائه، فليست هي المرة الأولى التي يتأجل فيها مؤتمره، المفروض أن يعقد مرة كل ثلاث سنواتٍ لتجديد هياكله، وانتخاب رئيسه، أو تجديد الثقة في الرئيس السابق، على أن لا تتعدّى ولاية أي رئيس عُهدتين.
والواقع أن الرئيس الحالي للاتحاد يوجد على رأسه منذ تسع سنوات، منها ثلاث سنوات ونصف السنة الأخيرة قضاها بدون انتخاب، بسبب التأجيل المتكرّر لعقد الجمع العام لأعضاء الاتحاد لانتخاب رئيس لهم. ولذلك كان طبيعيا أن يُواجَه الرئيس المنتهية ولايته منذ ثلاث سنوات ونصف السنة بعاصفة من الاحتجاجات في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الذي انفض حتى قبل أن ينعقد، فالأعضاء المحتجون يعترضون على شرعية هذا المؤتمر، لأنهم يعتبرون أن رئيس الاتحاد الحالي والمكتب المسيّر فقدوا شرعيتهم الانتخابية منذ ثلاث سنوات ونصف السنة، فلم يعد يحق لهم أن يدعوا إلى عقد المؤتمر. وفي حل وسط، تم تعيين لجنةٍ تتولى الإعداد والدعوة إلى مؤتمر استثنائي، يعقد بعد ستة أشهر.
يبدو الخلاف بين أعضاء الاتحاد إجرائيا، ويريد بعضهم أن يختزله في تجاوز فترة انعقاد 
المؤتمر، أو في عدم شرعية المكتب المسير الحالي ورئيسه، لكنه خلاف يخفي ما هو أعمق، أي الأزمة البنيوية التي يعاني منها الاتحاد الذي كان يحلو لمؤسسيه أن يصفوه، بكثير من المبالغة، بـ"المنظمة العتيدة" في الفترة التي كان فيها اتحادهم واحدا من أذرع المعارضة السياسية الحزبية للنظام الرسمي في المغرب.
ليست أزمة اتحاد كتاب المغرب وليدة اللحظة، وإنما هي بنيوية عميقة، وُلدت وتعايش معها منذ وجد، تتجسّد في ثلاثة أشياء رئيسة، هي ديمقراطيته الداخلية، واستقلاليته، والقيم التي يدافع عنها، فالاتحاد الذي كان يعتبر نفسه منظمة جماهيرية لعموم الكتاب المغاربة ظل يُدار، طوال فترة وجوده السابقة، بمنطق حزبي ضيق، يخضع لنظام التوافق الحزبي الذي كان يتحكم في انتخاباته، واختيار رئيسه، وفي توزيع عضويته على انتماءاتٍ حزبيةٍ معينةٍ، من دون غيرها، وإقصاء انتماءاتٍ أخرى، لم تكن لها الغلبة على الساحة السياسية في العقود السابقة من الزمن المغربي ما بعد الاستقلال. وهكذا تم طوال سنوات طويلة إقصاء كل الأصوات التي كانت تدافع عن تنوع المرجعيات السياسية والثقافية والإثنية داخل المشهد الثقافي المغربي الذي ظل مختزلا في لونٍ سياسيٍّ بعينه، كان يتماهى مع المعارضة السياسية السابقة، طوال العقود الأربعة الأولى من استقلال المغرب.
أما "استقلالية" الاتحاد التي كان يعتز بها بوصفها إحدى معالم القوة التي تحصّنه من الداخل، وتلمع صورته في الخارج، خصوصا بين نظرائه من "اتحادات الكتاب" العربية، فتلك كانت أكبر "كذبة" و"وهم"، باعه الاتحاد لمنتسبيه، وللمعجبين بمسيرة تجربته التي ظلت في منأى عن كل انتقاد أو تقييم موضوعي، فالاتحاد الذي كان يدعي "استقلاليته" عن الدولة التي كان أعضاؤه السابقون يتمثلونها في النظام السياسي القائم كان تابعا لأحزابٍ بعينها، ارتبط بها تنظيميا وسياسيا وإيديولوجيا، حتى تماهى معها، فكان بمثابة ذراعها السياسي في الساحة الثقافية، وظفته لانتزاع مكاسب سياسية صغيرة في إطار معركتها مع النظام. وعندما اندمجت هذه الأحزاب مع النظام، وأصبحت جزءا منه، أو بالأحرى تابعة له، تخلت عن ذراعها الثقافي، وتركتها عرضة لاستغلال بعض منتسبيها الباحثين عن التموقع داخل الدولة، بحثا عن المكاسب والمناصب والمزايا، أو وسيلة للتفاوض من أجل الكسب والترقي المالي والإداري السريع.
كما أن الاتحاد الذي ظل يرفع، سنواتٍ طوال، شعارات رنّانة أدت إلى تضخيم دوره غير 
الملموس على أرض الواقع، تحول، مع تبدل الأحوال السياسية للجهات التي كانت ترعاه سياسيا، وتستغله في صراعاتها السياسية مع النظام، إلى منظمةٍ عاديةٍ بلا قيم ولا مرجعية فكرية تستند إليها. وطوال العقدين الماضيين، ظل الاتحاد يتخبط في مشكلات تنظيمية داخلية تافهة، ولم يُسمع له أي صوت في محطات سياسية حاسمة عاشها المغرب الحديث. فالاتحاد الذي كان يرفع شعارات "التغيير" و"التحديث" و"الدمقرطة"، غاب صوته خلال مرحلة الربيع العربي، وصمت وما زال يصمت عن التراجعات التي طاولت مجال حرية الرأي والتعبير، وأغمض أعضاؤه عيونهم عن كل الانتهاكات في مجال الحقوق والحريات، وطبعوا مع استشراء ثقافة التمييع والتدجين والفساد بكل ألوانه، بل إن المكتب الحالي للاتحاد نصب محاميا للدفاع عن أحد المتورّطين في قضايا الفساد ونهب المال العام وتبديده!
أدى هذا التردي الكبير الذي عاشه الاتحاد، متدهورا من مؤتمر إلى آخر، إلى انسحاب كثيرين من أعضائه، وإلى عزوف مثقفين كثيرين، خصوصا الشباب منهم، عن الالتحاق بصفوفه، فالذراع التي كانت تُستعمل في الماضي في صراعاتٍ سياسية، وبعدما انتفت الحاجة إليها تعاني اليوم من حالة عطالةٍ مزمنةٍ، استغلها بعض ضعاف النفوس وأصحاب المصالح الشخصية الضيقة والآنية، لتحقيق مآربهم الخاصة، وهو ما يطرح السؤال اليوم كبيرا، ما الحاجة اليوم إلى "اتحادٍ" لا يحمل الهم الثقافي لمجتمعه، وبلا أهداف مشتركة واضحة، وبلا قيم نبيلة؟ ما الحاجة إلى اتحاد تحول إلى قوقعةٍ فارغةٍ، تعوي داخلها أصواتُ ذئابٍ غادرةٍ وجائعة؟ هذا هو السؤال الذي يُنتظر أن يجيب عنه المؤتمر المقبل للاتحاد، إن هيئ له أن ينعقد، بعيدا عن نِبال قراصنته الجدد وحرابهم..
D6ADA755-48E0-4859-B360-83AB4BBB3FDC
علي أنوزلا

صحافي وكاتب مغربي، مدير ورئيس تحرير موقع "لكم. كوم"، أسس وأدار تحرير عدة صحف مغربية، وحاصل على جائزة (قادة من أجل الديمقراطية) لعام 2014، والتي تمنحها منظمة (مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط POMED).