12 اغسطس 2024
"عين الحلوة" في عين العاصفة
فجأة، ومثل كل مرّة، انفجر الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صيدا في جنوب لبنان، ولكن الاشتباكات، هذه المرة تواصلت بين مجموعات من حركة فتح وأخرى محسوبة على إسلاميين "متشددين" فترة أطول من سابقاتها، وذلك بعد إعلان اللواء منير المقدح استقالته من قيادة القوة الأمنية المشتركة التي كانت مولجة حفظ أمن المخيم. وطاول رصاص القنص، هذه المرة، الطريق المحاذي للمخيم، والذي يصل مدينة صيدا مع عمقها الجنوبي، ما أدى إلى قطع الطريق، بعض الوقت، حتى لا تتعرّض أرواح المارّة للخطر. ولم تتوقف الاشتباكات، هذه المرّة، بتلك السهولة واليسر إلا بعد انعقاد اجتماع في السفارة الفلسطينية في بيروت لمعظم الفصائل، والاتفاق على وقف النار، وتشكيل قوةٍ أمنيةٍ جديدةٍ، تكون مهمتها حفظ الأمن، والأخذ على أيدي المخلّين، وقد أكدت كل الفصائل رفع الغطاء عن أي مرتكب، وصولاً إلى مطالبة "عصبة الأنصار" المطلوبين اللبنانيين الموجودين في المخيم بتسليم أنفسهم للدولة اللبنانية، أو الخروج من المخيم، لأن هذه القضية تعرّض أمن المخيم واستقراره، في كل مرّة، إلى مزيد من الضغوط والإشكالات، إلا أن ذلك لا يعني الاستجابة لهذا المطلب، فالمسألة أعقد من ذلك والتداخلات فيها أعمق مما هو منظور.
في الأسباب غير الظاهرة للاشتباكات التي أرّقت المخيم والمحيط، ما يعود إلى أسباب داخلية، تتصل بالساحة الفلسطينية. فالانقسامات داخل حركة فتح بادية للعيان، وأعمق مما تراه العين،
وقد شكلت زيارة محمود عباس لبنان، وتجاهله المخيمات وعدم زيارته أياً منها، وحتى عدم الالتفات إلى معاناة أهلها، استفزازاً لبعض الفصائل، دفع إلى اندلاع هذه الاشتباكات للفت النظر إليها، بل ربما التخريب على زيارة عباس التي لم يعرف هدفها.
وإضافة إلى هذه وتلك، يأتي الحديث الفلسطيني عن إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية فقط، وتجاهل فلسطينيي الخارج من أية انتخابات تشريعية، أو تشكيل جديد للمجلس الوطني، أو أي حق يتمتع به فلسطينيو الضفة، وقد تكون هذه الاشتباكات جاءت لتلفت النظر أيضاً إلى الوجود الفلسطيني في لبنان، وفي بقية دول العالم، وحقهم في أن يكونوا جزءاً أصيلاً في تقرير مصير الشعب الفلسطيني.
على المستوى الخارجي، محاولات تصفية القضية الفلسطينية مستمرة ولم تتوقف، ولعل محاولة تصفية مخيم عين الحلوة نقطة تحوّل ليست بسيطة في تصفية حق العودة، والقضية برمتها. ولذلك، لم تنفك المحاولات تتجدّد بأشكال مختلفة، لتصفية المخيم المعروف أنه "عاصمة الشتات الفلسطيني".
تأتي الاشتبكات الأخيرة في سياق الاشتباكات التي تحصل كل مرّة، والتي تشكّل جزءاً من حالة
كما وأنه يأتي من ضمن الأسباب الخارجية قلق العمق الجنوبي من وجود مخيم عين الحلوة عند عنق بوابته الشمالية، خصوصاً في زمن التوتر المذهبي والطائفي الذي يغزو كل المنطقة، وقد بدأت تلوح في أفق الناس، في المخيم وخارجه، هواجس من مسؤولية معيّنة لأطرافٍ لبنانية معنيّة بالشأن الجنوبي عما يلحق بالمخيم من أذى، وما يعيشه من توتر.
الملاحظ من جولة الاشتباكات، ومن خلال وقف إطلاق النار الذي حصل، أن التوجّه عند القلقين من المخيم، أو عند المعنيين بإبقاء التوتر فيه على خلفياتٍ مصلحية خاصة، أن هذه الجولة لن تكون الأخيرة، وأن الهدوء النسبي الذي ينعم به المخيم سيظل يُخرق، بين الفينة والأخرى، بانتظار حل جذري، لا يبدو أنه سيكون قريباً.