أي ضمانة لبقاء سورية موحدة؟

أي ضمانة لبقاء سورية موحدة؟

28 أكتوبر 2017
+ الخط -
تختلف طبيعة التسوية التي تريدها، وتعمل من أجلها موسكو، بالتنسيق مع النظام في سورية ومع طهران ومليشياتها الطائفية، عن التي تعمل من أجلها واشنطن مع حلفائها من المعارضة السياسية والأكراد وقوى في الإقليم تنسق معها، من بينها إسرائيل، فقبل أيام، حملت وزارة الدفاع الروسية بقوة على الولايات المتحدة، واتهمتها بـ "عرقلة التسوية السياسية في سورية"، وقالت إنها "تمتلك معلومات عن مساعدات أميركية للإرهابيين". في حين شدّد وزير الخارجية، سيرغي لافروف، على "الحاجة لإطلاق عملية سياسية في أقرب وقت"، وتعهد منع "تسييس ملف الكيميائي السوري"، بالتزامن مع تحذير نظيره السوري، وليد المعلم، الأكراد من أن "المساعدات الأميركية لن تستمر طويلاً". واتهم بيان أصدرته الوزارة واشنطن بأنها باتت تعرقل وقوع تقدّم في عملية التسوية السياسية في سورية، من خلال الدعم الذي تمنحه للإرهابيين، ومحاولات عرقلة عمل القوات الحكومية السورية والقوات الروسية ضد معاقلهم.
وقد أضفى الاستفتاء الكردي العراقي بنتائجه، وتاليا بما قد يقود إليه من تداعياتٍ، إلى مزيد من التعقيدات التي تكتنف المشهد الإقليمي برمته، بدءا من العراق وصولا إلى سورية، حتى ليمكن القول إنه لا أحد من القوى المتصارعة اليوم في سورية، بدءا من النظام وحماته وداعميه الروس والإيرانيين ومليشياتهم المذهبية، ولا حتى التحالف الدولي الأميركي – الأوروبي، ولا العديد من قوى المعارضة على اختلافها، في وسعه الادّعاء أو الزعم أنه قادر على الدفع بالتسوية والسلم الأهلي، وإعادة بناء ما هدمته جولات الحروب الأهلية التي خيضت هناك، طوال السنوات السبع المدمرة، فالسبع العجاف المقبلة لن يكون في مستطاعها، أيضا، إنقاذ سورية من نفسها، ومن مطامع بعضهم بها، ومن مطامح أخرى لقوى كانت تتمنى أن تكون شريكة السلطة في التسلط الاستبدادي، وفي التموقع استراتيجيا على الصعيد الأمني أولا، 
لضمان حماية الأمن الإسرائيلي، وهو ما تقوم به روسيا في مواجهة إيران وتحالفها المليشياوي المذهبي، فيما يقوم هؤلاء الأخيرون، وعبر تموقعهم الاستراتيجي الهادف لحماية النظام أولا، ولخدمة مشروع الولاية الإمبراطورية التي يُراد لها التواصل بين طهران وبيروت مرورا ببغداد ودمشق، ولإقامة نفوذ إقليمي لها، تصلب من واقع نظامها في الداخل الإيراني، وتشكل له مظلة من الحماية والردع في مواجهة النفوذ الأميركي والأوروبي، في منطقة الثروات النفطية واحتياطات الغاز وأسواق التجارة في مواد الاستهلاك، وأخيرا في سوق إعادة الإعمار، بعد أن تتوقف الحرب.
هناك من يتوقع أن الأزمة السورية تشهد فصولها الأخيرة، مع عدم القدرة على الحسم الكامل، في ظل مساع دولية متعدّدة لإبقاء النظام على حاله، أو لتغييرات طفيفة في بنيته السلطوية، نظرا إلى دوره الأمني الاستراتيجي، في منطقة يتمتع الوجود الوظيفي الإسرائيلي فيها بحماية ودعم من يريدون للنظام السوري الاستمرار بالمهام الوظيفية نفسها التي تتمتع بها عادة الأنظمة التابعة.
وفي مرحلة تقاسم المغانم التي باتت سمة الوضع الراهن، وفي ظل فشل قوى المعارضة على اختلافها، وخسارة التنظيمات الإرهابية معظم "حيازاتها" السابقة من الأراضي، لا يتوقع استمرار التلويح بتسويةٍ هنا أو هنالك، لا سيما وأن التسليم ببقاء الأسد في السلطة بات شبه محسوم لدى كل أطراف الأزمة، حتى أن التسوية الممكنة سوف تمضي على قاعدة بقائه حاكما لسورية/ الجزر الديموغرافية التي غيرت وجهها لمصلحة المشروع المذهبي الإيراني من جهة، ولمصلحة النفوذ الروسي الدولي الذي نجح، من خلال الأزمة السورية، في استعادة بعض هيبة الاتحاد السوفييتي السابق.
على الرغم من ذلك، لا يتوقع أن تستقر أوضاع سورية بعودتها إلى نصف أو ربع ما كانته قبل بداية الأزمة، فالصراع الأهلي والإقليمي والدولي على مغانم حرب متقلبة ومتغيرة، لن يقدر لها أن تتوقف مرة واحدة ونهائيا، قبل أن تحقق الأطراف الإقليمية والدولية ما تعتقد أنه "حقها" المكتسب، وفق أدوارها ومصالحها الزبائنية، مستحقات لها بعد القيام بأدوارها المعروفة، والمشهود لها في الإبقاء على نظامٍ لا يساهم في ضمان استمرار مصالحها في سورية فقط، بل وفي المنطقة ككل أيضا، سواء تعلق الأمر بالنظام الإيراني أو بروسيا أو بالتحالف الدولي، أو حتى بإسرائيل.
وإذا كانت أهداف موسكو، بعد عامين من تدخلها في سورية، قد تحققت في معظمها، إلا أن جهودها لتتويج ذلك كله بتسوية ناجحة ودائمة، ما قد يقدم لها الحصة الأكبر من مغنم إعادة الإعمار الذي قد يتجاوز مائتي مليار دولار على أقل تقدير؛ يبقى ذلك الهدف الأثمن لموسكو، إلى جانب نجاحها الجزئي في الحد من نفوذ الغرب الأميركي والأوروبي في المنطقة، بل هي تسعى إلى إعادة الاستقرار، ليس هنا فقط، بل وفي دول الجوار حول روسيا في البلطيق وجورجيا وأوكرانيا، وقطع دابر العناصر الإرهابية والمتطرّفة في كلتا المنطقتين، قبل أن يعود بعضهم ليتسرّب، مرة أخرى، إلى مناطق يمكنه منها شن هجمات إرهابية ضد أهدافٍ في الداخل الروسي، حيث كانت مصادر صحفية قد أشارت إلى وجود أكثر من ثلاثة آلاف إرهابي روسي يقاتلون مع "داعش" في سورية، ومن المفيد لموسكو التخلص منهم حيث هم.
في كل الأحوال، لا يبدو الوضع السوري أقرب إلى التسوية الناجزة بعد، في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي بعد الاستفتاء الكردي، وما قد يجرّه من تداعيات استمرار الصراع وتداخلاته في كل من سورية والعراق، واتجاه الفاعلين الإقليميين والدوليين للانخراط في أشكال
عديدة لتلك التداعيات، وما قد تجرّه من تعقيدات إضافية ضافية، في منطقةٍ لا يتوقع لها أن تستريح حتى وقت سيطول، على الرغم من الجهود الروسية الكبرى لوقف انفلات الوضع الإقليمي من السيطرة، وما قد يجرّه ذلك من تأثيراتٍ لا حدود لها على الوضع الدولي، وبضمنه العلاقات المتوترة، ولكن شبه المستقرة والمستمرة بين أكبر أطرافها: موسكو وواشنطن كفاعلين رئيسيين يهمهما استمرار إمساكهما بقواعد اللعبة المعقدة، بأكثر مما كانه الوضع الدولي أيام الحرب الباردة؛ وإلا فإن انفلات الوضع الدولي سوف يقود إلى كوارث، من الصعب إعادة التحكم به، وفق معايير عالم اليوم وعلاقات القوة وموازين القوى فيه.
هل من ضمان وضامنين لبقاء سورية موحدة، وبالتالي ديمقراطية وتعدّدية، أم أن "الكأس العراقية" باتت أقرب إلى تجرّع ما فيها في سورية أيضا؟ على الرغم مما يقال إنه من الممكن أن تصبح سورية دولة فيدرالية، "إذا كان هذا النموذج سيخدم الحفاظ على وحدة البلاد"، وفق ما كان أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. ولكن هناك فرق جوهري بين أن تستمر سورية "أسدية"، كما كانت طوال عهود الاستبداد، أو أن تتحول مع الفيدرالية إلى دولة اتحادية ديمقراطية، تصون حقوق مواطنيها كافة باعتبارها دولة لكل مواطنيها، بدون تمييز أو تفرقة بين كل مكونات الوطن والدولة السورية، وهذا يفترض التوصل إلى تسوية عادلة، تنفي فرضيات استمرار الاستبداد وتقاسم المصالح وتوزيع المغانم حصصا وإقطاعيات ومقاطعات ديموغرافية، تعمل السكاكين والسواطير في الجسد السوري، تحت مرأى النظام وبمساعدته، مقابل إبقائه حاكما ومتحكما وسيدا سلطويا يفرّق ولا يجمع، كما تفعل التنظيمات الإرهابية في استيلادها وتفريخها أحاديات ومجاميع ذئبية، تنظمها عقود ومبايعات إجرام "فقه التوحش" وانعدام الأنسنة في مسلكياتها العدمية.
47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.