شروط نتنياهو للتسوية و"فرصة" السيسي

شروط نتنياهو للتسوية و"فرصة" السيسي

20 مايو 2016
+ الخط -
لا يسعى رئيس الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الاستجابة لأي جهد داخلي، أو خارجي، يمكن أن يؤثر على مستقبل قيادته الحكومة، بل إلى أن يكون "ستاتيكه" الخاص سيد الموقف، الآن وفي ما بعد، طالما أن ذلك يحفظ له استمرارية احتفاظه بالسلطة أولاً، وعدم "خيانة" الخط اليميني المتطرّف والمتشدّد استيطانياً وتفاوضياً. الأمر الذي جعله دائماً يقف في منتصف الدائرة، لضمان إمساكه بسلطة القرار الإسرائيلي الذي لا يرى ضرورةً للاستجابة لأيٍّ من الجهود الدبلوماسية الدولية، واتخاذ مواقف أقرب إلى المراوغة والتضليل، بغرض المماطلة والتهرّب من استحقاقات الجهود السياسية التفاوضية، ورفض إسرائيل كل المبادرات والمقترحات التي درجت على رفضها ومعارضتها، وصولاً إلى إفشالها.
جديد حلقات الإفشال كانت من نصيب المبادرة الفرنسية، الأمر الذي دفع باريس إلى تأجيلها، حين أعلن الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، في 17 يونيو/ أيار الجاري، أن المؤتمر الدولي الذي كان من المقرر عقده في باريس في 30 من الشهر نفسه لمحاولة إحياء عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، أرجئ إلى الصيف (أي صيف؟) من دون تحديد أي موعد، وهو مؤتمر كان يُفترض أن تنظمه باريس على مستوى وزاري، وبحضور عشرين دولةً إلى جانب الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبدون الإسرائيليين والفلسطينيين. ويُفترض، في حال نجاح الاجتماع، التمهيد لقمة دولية تعقد في النصف الثاني من العام الجاري 2016، بحضور القادة الإسرائيليين والفلسطينيين.
وفي ما يتعلق بالداخل الإسرائيلي، يبدو أن نتنياهو، وللإمساك بالوضع الداخلي، وانضباط الجميع لإرادته السياسية، يسعى سعياً حثيثاً لتفتيت جبهة المعارضة، خصوصاً "المعسكر الصهيوني"، مستغلاً محاولة يتسحاق هيرتسوغ تسويق فكرة الانضمام إلى ائتلاف نتنياهو، بزعم خدمة المصلحة الإسرائيلية، تمهيداً لنضوج ما أسماها "ظروفاً إقليمية" لإطلاق "مبادرة سياسية"، على الرغم من وجود معارضة شديدة داخل حزب المعسكر الصهيوني للانضمام لحكومة نتنياهو. وبحسب الصحف الإسرائيلية، قد يؤدي هذا، في حد ذاته، إلى انسحاب حزب "هتنوعا"، بقيادة تسيبي ليفني، من المعسكر الصهيوني، لرفضها الدخول في حكومةٍ مع نتنياهو، من جهة، وحصول انشقاق داخل حزب العمل نفسه، مع احتمال أن يبقى جزء من الحزب في المعارضة، حتى في حال إقرار هرتسوغ، في مؤتمر الحزب، الانضمام لحكومةٍ بقيادة نتنياهو.
لا تدور أجواء المفاوضات بين الائتلاف الحكومي والمعسكر الصهيوني وسط وضوح كامل، ولا تؤشر، أو تبشر بالوصول إلى أي نتيجة، فقد نفى زعيم حزب "يسرائيل بيتينو"، أفيغدور ليبرمان، نيته الانضمام لحكومة نتنياهو مقابل إعطائه وزارة الأمن، وإقرار قانون فرض عقوبة الإعدام على منفذي العمليات الفدائية. واعتبر ليبرمان أن كل ما يُشاع، في هذا المضمار، هو مجرد ألاعيب إعلامية يقوم بها نتنياهو، ولا تنطوي على أيِّ أمرٍ جاد أو حقيقي.
وبالعودة إلى المؤثرات الخارجية، اعتبرت مصادر سياسية في إسرائيل أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء الماضي، وأشار فيه إلى فرصةٍ للتوصل إلى حل سياسي، داعياً القيادة الإسرائيلية إلى إعادة بث خطابه أكثر من مرة، يأتي، على ما يبدو، بعد تنسيقٍ مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، وزعيم المعارضة، يتسحاق هرتسوغ، بغرض الضغط على أعضاء حزب "المعسكر الصهيوني"، لجهة تأييد المفاوضات الجارية بين نتنياهو وهرتسوغ، من أجل تشكيل حكومة "وحدة وطنية" في إسرائيل.
اللافت والأبرز في أعقاب خطاب السيسي، بحسب الصحف الإسرائيلية، أن حالة من "الذهول
الإيجابي" بدأت تسود في أوساط قوى اليمين الإسرائيلي، حيث تبنى الخطاب شروط نتنياهو للتسوية مع الفلسطينيين. فيما توقف معلقون كثيرون عند إعلان السيسي التزامه بتوفير "ضمانات" لتكون إسرائيل آمنة، معتبرين أن "الضمانات الأمنية" التي يشترطها نتنياهو تجعل من المستحيل التوصل إلى تسوية سياسية.
وقال آفي سيخاروف، معلق الشؤون العربية في موقع "واللا" الإخباري: "لم يكن لشخصٍ أن يعبر عن مواقف نتنياهو بشكل أفضل من الطريقة التي عبّر عنها السيسي"، معتبراً أن تمسّك نتنياهو بـ "الضمانات الأمنية في أي تسوية يعد أكبر عائقٍ أمام تحقيق تسويةٍ سياسيةٍ حقيقية"، على حد قوله. ولفت سيخاروف الأنظار إلى أنه "يستشف من خطاب السيسي أنه مثل نتنياهو وقادة اليمين الإسرائيلي، يتحدث عن التسوية كعملية (process)، وليس كمسار يفضي إلى حل حقيقي".
وفي السياق، قال أودي سيغل، معلق الشؤون السياسية في قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية: "يبدو أن أحداً من مستشاري السيسي لم يلفت نظره مسبقاً إلى خطورة استعداده لقبول الضمانات الأمنية التي تلبي حاجة إسرائيل"، مشيراً إلى أنه "وفق منطق نتنياهو، فإن الاحتفاظ بكل الضفة الغربية فقط، هو ما يضمن أمن إسرائيل". لكن هذا الذي لم يتردّد الرئيس المصري بالتطوع لقبوله لم يستطع الإقدام عليه زعماء الولايات المتحدة وقادة الاتحاد الأوروبي، إلا أن الذي استهجنه سيغل هو أن يحظى خطاب السيسي بقبول من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس.
وفيما لفت موقع يديعوت أحرونوت إلى أن نتنياهو وهرتسوغ سارعا إلى التعقيب على تصريحات الرئيس المصري، والإشادة بها، فقد ذكرت القناة العاشرة أنهما أعلنا عزمهما زيارة للقاهرة قريباً. والسؤال هنا: أي توافقٍ يسعى إليه الأخيران، لتلبية إظهار طموح دور (إقليمي)، يسعى الرئيس المصري عبره للانفتاح عليهما، وعلى إسرائيل، وأي ضماناتٍ أمنيةٍ يمكن أن يسعى إلى تذليل القبول بها، بالتوافق مع السلطة الفلسطينية التي لها نصيب في مبادرة الرئيس المصري، لجهة التوصل إلى اتفاقات مصالحةٍ بين رام الله وغزة؟
ما يجري في العموم إقليمياً لا يمكن احتسابه على السياسة، وقد بلغت الديماغوجيا وأضاليلها ومراوغاتها الحدود العليا من الإحباط والتيئيس والتفليس، فلا الوضع الفلسطيني في أحسن حالاته، ولا الوضع الإسرائيلي كذلك، وإن أريد له أن يبدو مختلفاً، وحال مصر لا يختلف كثيراً في ظل نظامٍ يشارف على فقدان الدولة وضياعها، فأي دور إقليمي يمكن أن يقوم به، ويمكن له أن يكون مقبولاً، وفق المعايير الدولية؟. وكيف يمكن أن يكون هذا مقبولاً لدى الفلسطينيين، والعرب الآخرين؟ وأين موقع الأمن الاستراتيجي القومي العربي من هذا كله؟
47584A08-581B-42EA-A993-63CB54048E47
ماجد الشيخ

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لبنان. مواليد 1954. عمل في الصحافة الكويتية منذ منتصف السبعينات إلى 1986، أقام في قبرص، وعمل مراسلا لصحف عربية. ينشر مقالاته ودراساته في عدة صحف لبنانية وعربية.