إنه 19 نوفمبر

19 نوفمبر 2015
+ الخط -
إنه يوم 19 نوفمبر/تشرين الثاني. هل تتذكّرونه؟ بالطبع، سيتذكّر كثيرون اليوم هذا اليوم، سيتذكّره المؤيدون والمطبّلون وكهنة أي نظام حاكم، بأنه عيد ميلاد عبد الفتاح السيسي. ولذلك، يجب تحويله إلى مناسبة للنفاق والتهاني، كما كان يحدث مع حسني مبارك كل 4 مايو/أيار. ولكن، سيتذكّره أيضا كثيرون، سيتذكّرونه بكثير من الألم والحسرة، فهناك من فقد ابناً أو صديقاً أو أباً أو زوجاً أو أخاً، مئات العائلات ستتذكر الابن المفقود، ومئات الآلاف من الشباب سيتذكرون الثورة المفقودة.
ربما يكون ما أكتبه نوعاً من البكائيات المعتادة. ولكن، في ظل ما نراه من مجهود ضخم للتشويه والتزييف وقلب الحقائق، ربما يجب أن نتذكّر ونحكي طول الوقت، فقد أصبحت الرواية الرسمية للثورة المضادة هي المسيطرة، وكأن الناس أصابهم مسح جماعي للذاكرة، نتيجة عدوى أو فيرس منتشر. يصدّق بعضهم فعلا أن الثورة كانت مؤامرة، ويحاول آخرون تبرير النفاق أو تبرير العجز، وهناك من كان ينتمي لمعسكر الثورة، ولو شكلياً، لكنه الآن أصبحت لديه مصالحة مع النظام، أو يؤثر السلامة. ولذلك، عليه أن يتبنّى بعض الهراء أو كله عن مؤامرات التقسيم وفوضى "25 يناير"، أو التمويل أو العمالة.
ولكي نتذكّر 19 نوفمبر، علينا أن نتذكر ما سبق 19 نوفمبر، وهو المسار الخاطئ الذي دخلنا فيه، بعد تنحي مبارك، استفتاء مارس/آذار 2011 على تعديل بعض مواد الدستور، وتحالف الإخوان المسلمين مع المجلس العسكري والمصالح المشتركة، وغزوة الصناديق واستخدام الدعاية الدينية والتخويف من تعديل المادة الثانية للدستور، ثم إقرار إعلان دستوري من 63 مادة لم يتم الاستفتاء عليهم، لكن "الإخوان" والسلفيين دعموا رغبة المجلس العسكري وإعلانه الدستوري، لأنه أعطى لمجلس الشعب سلطة كتابة الدستور الجديد، وهو ما كان يلعب عليه "الإخوان"، فهم خبراء الانتخابات، وتنظيمهم هو الأكثر تنظيماً واستعداداً، بعد حل الحزب الوطني، الحاكم سابقاً.
هل تتذكّرون وثيقة علي السلمي والسم في العسل، مبادئ حاكمة ومدنية الدولة. ولكن، مع إعطاء سلطات مطلقة عليا للمؤسسة العسكرية؟ هل تتذكّرون الانفلات الأمني المتعمد منذ خلع مبارك، ورفض الشرطة القيام بواجبها في حماية المواطنين؟ ولكن، كان هناك قمع وبطش ضد المظاهرات السلمية في ميدان التحرير وشارع محمد محمود. هل تتذكّرون تنافس "الإخوان" والأحزاب التي تدّعي المدنية في التقرب للمجلس العسكري ضد الثورة ومطالبها وشبابها؟ هل تتذكّرون التنافس بينهم في تشويه المجموعات الثورية، وأحداث شارع محمد محمود، والحديث عن المؤامرة لإفشال الانتخابات البرلمانية والعرس الديمقراطي، والحديث عن (باندتا) واتهام شباب الثورة بالبلطجة وتعاطي الترامادول.
قام المجلس العسكري باحتواء الثورة وتخديرها وخداعها، منذ اليوم الأول، إلى حين إعادة نظام مبارك في الوقت المناسب. وقد كان، و"الإخوان" خدعهم غرورهم وانتهازيتهم، وظنوا أن المكسب الأكيد مع المجلس العسكري، صاحب القوة والسلاح، والمتحكم في مقاليد الأمور، والدعوة السلفية دائما في صف السلطة والأجهزة الأمنية، منذ ما قبل 25 يناير بسنوات طويلة، ولا يختلف من يطلق عليهم قوى مدنية كثيراً في مستوى الانتهازية، إن لم يكن أشد، فالهرولة ناحية العسكر والاستقواء بهم هو الحل الأسهل، بدلا من الانتشار وسط الجماهير أو منافسة قوى الإسلام السياسي في الشارع، والذي شارك بعضهم في تشويه الثورة وشبابها وتحركاتها من أجل الفوز ببضعة مقاعد في البرلمان.
إنها ذكرى "محمد محمود" وشارع العيون، إنها ذكرى قتل شباب الثورة وتعذيبهم، على يد الشرطة العسكرية، ست البنات ومقولة "إيه اللي ودّاها هناك"، ذكرى سحل الشباب وكشف العذرية.
19 نوفمبر وفض اعتصام المصابين وأهالي الشهداء وهجوم الشرطة على اعتصام ميدان التحرير، والاعتداء على متظاهري "محمد محمود"، ثم إصرار المجلس العسكري على تعيين كمال الجنزوري رئيساً للوزراء، ثم الاعتداء على المعتصمين أمام مجلس الوزراء.
لا يجب أن ننسى، ولا يجوز أن نصمت، إنهم يحاولون طمس الحقائق، على الرغم من أننا لا نزال أحياء، إنهم يستكملون مجهودهم الذي بدأ منذ أكثر من 60 عاماً في طمس الحقائق وتزوير التاريخ وتغييب الوعي.

DE3D25DC-9096-4B3C-AF8F-5CD7088E3856
أحمد ماهر

ناشط سياسي مصري، مؤسس حركة 6 إبريل، حكم عليه بالحبس ثلاث سنوات، بتهمة التظاهر بدون ترخيص، وأفرج عنه في يناير 2017