نتنياهو ورفع مستوى اللهيب في الضفّة الغربية

نتنياهو ورفع مستوى اللهيب في الضفّة الغربية

25 ديسمبر 2023
+ الخط -

الإنجازات المحدودة للحرب الإسرائيلية المجنونة على قطاع غزّة، وفشلها في تحقيق الأهداف الرئيسية التي وضعتها إسرائيل، القضاء على حركة حماس وتحرير الأسرى، تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى البحث عن خيارات أخرى، يستطيع الادّعاء من خلالها أنه قدّم إنجازات، ويبدو أن توسيع الحرب الإسرائيلية الخيار الأنسب له، وضم الضفة الغربية إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية، والتي هي في الحقيقة في حالة حرب، وإنْ كان مستوى النار هناك أقل منه في قطاع غزّة، فقد سقط منذ عملية طوفان الأقصى أكثر من مائتي شهيد، وتم اعتقال أكثر من ألفي فلسطيني. رغم ذلك، لا تبدو النار المنخفضة في الضفة الغربية مناسبة لسياسة نتنياهو وحكومته اليمينية، ولم يعد يكفي جيش المستوطنين الذي يسلّحه وزير الأمن الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، واعتداءاته على الفلسطينيين. بات المطلوب استخدام قوة الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، ورفع مستوى اللهيب وضم الضفة الغربية إلى المجزرة التي تُرتكب على نطاق واسع في قطاع غزّة، وذلك بالقضاء على السلطة الفلسطينية، شريك إسرائيل في عملية السلام والتنسيق الأمني، التي لا تختلف عن حركة حماس، سوى باختيار طريق آخر للقضاء على إسرائيل، لكنها لا تختلف معها من حيث مبدأ القضاء على إسرائيل. 
هذا فحوى حديث نتنياهو في جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن، نقلته "العربي الجديد" عن إذاعة "كان ريشيت بيت" التابعة لهيئة البث الإسرائيلية يوم 12 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، حيث قال، إن إسرائيل تستعد لاحتمال قتال ضد قوات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية. وأضاف في الجلسة أنّ "اتفاقية أوسلو كارثة أسفرت عن عدد الضحايا نفسه، كما حدث في 7 أكتوبر خلال فترة أطول. اتفاقات أوسلو هي الخطأ الأساسي. أخذوا الجهة الأكثر عداءً للصهيونية واليهودية وجلبوها إلى هنا". وأضاف "الفرق بين حماس والسلطة الفلسطينية أن حماس تريد تدميرنا هنا والآن، والسلطة تريد أن تفعل ذلك على مراحل".

مخطّطات إسرائيلية في الأدراج لإعادة احتلال كل الأراضي الفلسطينية، وإعادة الوضع إلى ما قبل اتفاقات أوسلو

تؤسس المساواة بين السلطة الفلسطينية، ومن ورائها حركة فتح، مع حركة حماس من حيث المبدأ، للتعامل مع السلطة بصفتها عدوّا يجب القضاء عليه. وإذا أضفنا ما قاله نتنياهو عن اليوم التالي للحرب إن "قطاع غزّة سيكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية بعد الحرب، وستعمل في غزّة إدارة مدنية، وسيعاد بناء القطاع بقيادة دول الخليج"، مضيفاً "لن نستسلم للضغوط الدولية". والمقصود هنا الضغوط الأميركية، التي ترفض بقاء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع بعد الحرب، وقد أصبح الخلاف بين الطرفين علنياً. من الواضح أن هناك مخطّطات إسرائيلية في الأدراج لإعادة احتلال كل الأراضي الفلسطينية، وإعادة الوضع إلى ما قبل اتفاقات أوسلو، مع العمل على مشروع ترانسفير، ليس فقط للفلسطينيين في قطاع غزّة، بل وفي الضفة الغربية أيضاً.
تأتي تصريحات نتنياهو من تصوّرات وزراء حكومته المتطرّفة، والتي ترغب بشدة في نقل الحرب إلى الضفة الغربية، باعتباره فرصة للقضاء على الفلسطينيين وطموحهم بحلٍّ يعيد إليهم حقوقهم في أرضهم. وفي هذا الإطار، يعتبر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق ومدير معهد أبحاث الأمن القومي حالياً، عاموس يدلين، في مقال كتبه، أخيرا، في صحيفة يديعوت أحرنوت، أن هناك "منظومتي تفكير" أثرتا على إستراتيجية حكومة إسرائيل، حتى قبل الحرب على قطاع غزّة: الأولى يسمّيها "خطّة الحسم"، بقيادة وزراء اليمين المتطرّف المسيحاني، المتمثلة بمنظومة السيطرة العسكرية الإسرائيلية المباشرة على جميع أراضي الضفة الغربية، بما في ذلك المدن، مع توسيع منفلت العقال للمستوطنات وتفكيك السلطة الفلسطينية. أما المنظومة الثانية، فيسميها "الأمن"، التي يشارك فيها وزير الدفاع والجيش والشاباك، تميز بين مناطق حيوية تسيطر عليها إسرائيل أمنياً سيطرة مباشرة (منطقتا ب وج) وبين المدن الفلسطينية ومحيطها (مناطق أ) التي تعود مسؤولية الأمن فيها للسلطة وأجهزتها، لكن مع تعاظم مسؤولية إسرائيلية فيها (كلما فعلت السلطة أقلّ فعلت إسرائيل أكثر). يرى هذا النهج في تعزيز السلطة الفلسطينية في هذا الوقت مساهمة مهمة في الأمن والاستقرار في المنطقة، ومنع عبء المسؤولية عن الجوانب المدنية على إسرائيل والجيش الإسرائيلي.

لا ترى إسرائيل أن الفلسطينيين يستطيعون حكم أنفسهم، يجب أن يُحكموا، وهذا منطلق كل احتلال إلغائي

ينصح يدلين الحكومة الإسرائيلية بالقول: ليس لإسرائيل مصلحة في فتح جبهة في الضفة الغربية، لأن هذا التصعيد، سيصعّب رفع مستوى أهداف الحرب إلى الحد الأقصى، وسيحوّل المواجهة العسكرية مع "حماس" إلى مواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين، وسيمسّ بقدرة الإدارة الأميركية على مواصلة دعمها الحرج إسرائيل. وأخيراً، ووفقاً لسيناريو تفكّك السلطة، ربما تكون إسرائيل مسؤولة عن حياة ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، فبالتوازي مع إسقاط حكم "حماس" في قطاع غزّة، من دون بديل محلي، ربما يؤدّي إلى خطر مشابه هناك. يضيف يدلين، أن لإسرائيل حسابا مفتوحا مع محمود عباس، لكن على إسرائيل أن تكون أكثر حكمة من أن تكون محقّة، وأن تغلق حسابها مع الرجل على سلوكه في أثناء الحرب في المستقبل، وعليها ألا تفعل هذا الآن، كي لا تمسّ بتحقيق أهدافها.
بات من الواضح أن الهدف الإسرائيلي الفعلي من الحرب المستعرة هو احتلال قطاع غزّة، وتعتقد حكومة نتنياهو أنه الحلّ الوحيد للخلاص من "حماس" ومن "الإرهاب"، ولأن مشكلتها ليست مع "حماس" فحسب، بل مع الفلسطينيين (كلهم إرهابيون ومتوحّشون) جميعاً، والزمن مناسب، ستذهب هذه الحكومة إلى أقصى أهدافها، وستعمل جاهدةً على رفع مستوى الصدام في الضفة الغربية، إلى درجة تبرّر احتلالها من جديد. بعد فشلها في الانتصار على الحاضر، تسعى إسرائيل للانتصار على الماضي من خلال تدمير ما أنجزته عملية سلام كانت واعدة يوماً ما، والتي أنتجت سلطة مشلولة ومحكومة من إسرائيل، وحتى هذه السلطة لم تعد تُعجب إسرائيل، فالمطلوب تدمير منتجات اتفاقات أوسلو. وبذلك لا ترى إسرائيل أن الفلسطينيين يستطيعون حكم أنفسهم، يجب أن يُحكموا، وهذا منطلق كل احتلال إلغائي، الذي لا يستطيع تحقيق أيٍّ من أهدافه إلى بالتوغل في دم الضحايا المدنيين.

D06B868A-D0B2-40CB-9555-7F076DA770A5
سمير الزبن

كاتب وروائي فلسطيني، من كتبه "النظام العربي ـ ماضيه، حاضره، مستقبله"، "تحولات التجربة الفلسطينية"، "واقع الفلسطينيين في سورية" ، "قبر بلا جثة" (رواية). نشر مقالات ودراسات عديدة في الدوريات والصحف العربية.