ناصريون بطعم شوكولاتة السيسي

ناصريون بطعم شوكولاتة السيسي

05 مايو 2022

(معمّر مكّي)

+ الخط -

يدهشني جدا "الفكر الناصري طويل التيلة"، وخصوصا في المناسبات القومية من حول الرئيس، حتى وإن كان هو أحمد شفيق. .. بالمناسبة هل كان أحمد شفيق ناصريا؟

حينما رأيت حمدين صبّاحي في حفل إفطار الرئيس بعد سنوات عجاف بجوار كنكة القهوة، أو بجوار شباكه المنصوبة في البحيرات لصيد القراميط والبياض، بالطبع عاد إلى بصري وبصيرتي رؤيته أيضا في حفل افتتاح الرئيس قناة السويس الجديدة، فقلت: "الرجل له دائما في الخير، وربنا يجعله من عوّاده، واللقمة الهنية تكفي مية، والوطن أيضا يساع الجميع".

لم أكن أعرف بعد أن أبوعيطة قد ترك مطعمه وحضر هو الآخر، ولا خالد داود، ولا مخرج "الروائع"، خالد يوسف، فأين بقية خوالد ثورة يناير؟ هل سأل حمدين صبّاحي نفسه مثلا، أين ذهبت دماء شيماء الصباغ، وهل ما زال الضابط الذي قتلها في سجنه؟ ودعك الآن من دماء الشاب جيكا الذي بعد موته خرج حمدين صبّاحي قائلا: "بعد مقتل جيكا فقد مرسي شرعيته". وإن مررتَ من أمام قاعات حزب الوفد، فبلغ سلامي سعد، فهل من قتل شيماء الصباغ "ابنتكم" قد أصبحت شرعيته حلالا بلالا على مائدة إفطار رمضان؟ وهل سنوات سجن حسام مؤنس "المحرّك النظري والهيكلي للتيار الشعبي" الذي بلغ تعداده ثلاثة ملايين ثائر، وكانت أرض عابدين ملتقى ثوراته، لا أرض عابدين هي الآن أرض عابدين، ولا الثلاثة ملايين من التيار الشعبي على قوة العمل، وحسام دفع سنوات من عمره في السجن بلا محاكمة وخرج بقرار رئاسي، فهل حقا بعد سجن الشباب وحمدين بجوار قراميطه وميزانه وكنكته يصبح بالفعل: "الوطن يساع الجميع وعلى مائدة رمضانية خلت بقدرة قادر من طلعة دكتور عبد الحليم قنديل البهية".

واضح أن الدكتور كان مشغولا على قناة إكسترا، أو في مهمة وطنية لشد أزر قيس سعيّد، وقد قال قولته المشهورة فور فوز السبسي: "ما بين السيسي والسبسي نقطة واحدة، وكلاهما أزاح الإخوان عن المشهد ببراعة"، فماذا يكون الفارق، من وجهة نظر المفكر الناصري عبد الحليم قنديل، طويل التيلة الذي امتد طول تيلته من مصر إلى تونس إلى سورية إلى ليبيا إلى العراق إلى السودان، ما بين السيسي وقيس سعيّد؟ سوى أن الأول عنده مسلسلات أظهرته أنه يعرف خرم الإبرة في الوطن ليلا، وعنده مائدة رمضانية تتسع للجميع، بما فيهم الثائر كمال أبو عيطة بعدما ترك الثورة "على الترعة تعيّط وحدها"، وافتتح مطعما للريش والكباب. والثاني وهو قيس سعيّد الذي ما زال حبيس قصر قرطاج ببذلته الزرقاء، ويخطُب كل يومين في رئيسة مجلس الوزراء وهي جالسة في صمت، ولا تتكلم بالكمّامة من شهور، إلى درجة أنني ظننت ضاحكا أن قيس سعيّد قد اختارها خرساء.

كم كنت أتمنّى أن أرى في ذلك المشهد الرمضاني، كي تكتمل مائدة الضحك، الدكتور حسام عيسى وزير التعليم العالي ونائب رئيس مجلس الوزراء، والذي قتل في سنته طالب الهندسة داخل الحرم الجامعي، ثم لم يعرف من قتله. وهذه تهمة لو كانت في أيام الانتداب الفرنسي لظلت النخبة الناصرية تلوكها قرونا، ولكن حسام عيسى اكتفى بمحرابه القانوني الدولي، ونسي دماء الطالب الذي قتل داخل أسوار جامعته، وهذا هو "الفكر الناصري طويل التيلة مطعّما بحجية القانون الدستوري والصمت الرهيب". أما لو سألنا عن بقية الوزراء، كوزير الشؤون الاجتماعية، أحمد درّاج، كأن نسأل عن غياب عبد الحليم قنديل وهو في قناة إكسترا، أو حسين عبد الغني بعد ما انقطع للعبادة وبقية أشغاله. أما لو سألنا على أحمد شفيق، ودع سامي عنان الآن على جنب، واستحضرنا صور مؤتمرات حملته الانتخابية، وعلى يمينه المرحومة جيهان السادات وعلى شماله دكتورة هدى عبد الناصر، فستجد المشهد مربِكا بحق، فكيف استطاع أحمد شفيق أن يجمع ما بين جيهان السادات ودكتورة هدى عبد الناصر داخل نسيج الفكر الناصري طويل التيلة في ليلة واحدة، وسبحان من جمّع.

الغريب والمضحك أن الدكتورة هدى عبد الناصر، ابنة الزعيم الذي لا يفرّط في حبّة رمل واحدة، على رأي المرحوم محمد مرسي، وجدت في جيب قميص السيد والدها ورقة منسية، تؤكد أن جزيرتي تيران وصنافير "سعوديتان لحما وعظما ودهنا". وحاولت السيدة جيهان أن تبزّ دكتورة هدى عبد الناصر بزا، فذكرت أن شوكولاتة السيسي أصبحت مشهورة جدا في الولايات المتحدة. ولم تعرف هي ذلك إلا بعدما أوصتها صديقة أميركية بأن ترسل إليها كل ما تستطيعه من علب. وبالفعل كما ذكرت السيدة جيهان، أرسلت لها، فهل كان السيسي صاحب الشوكولاتة التي غزت أميركا ناصريا مثلا، كي تشهد له دكتورة هدى عبد الناصر بسعودية "تيران وصنافير" مثلا، وهل كان السيسي قد غزت شوكولاتاته العالم برمته، حتى وصلت إلى أصقاع أميركا مثلا، ولكن هذا هو شأن "الفكر الناصري طويل التيلة"، بعدما دخل إلى سنواته السبعين.