ماذا تعرف عن السور الأميركي العظيم؟

16 مارس 2023
+ الخط -

عندما يسمع المرء بـكلمة "السور العظيم"، يذهب التفكير به مباشرة إلى "سور الصين العظيم"، الذي يعرّف بأنه أعظم سور جرى تشييده في التاريخ المعماري البشري. ولكن إلى أين سيأخذه تفكيره إذا سمع بـ"سور الولايات المتحدة العظيم"؟

قبل أكثر من ثلاثة قرون من ميلاد السيد المسيح، حاول أباطرة أسرة تشين توحيد بلاد الصين، في وقت نشطت فيه في وسط آسيا بعض الجماعات الهمجية التي ترفع دائمًا شعارات الغزو والتدمير. وتحت وطأة ضرباتهم، بدأ الأباطرة في بناء سور ضخم يحيط بالحدود الشمالية للأراضي الصينية، استمرّ بناؤه أكثر من عشرة قرون كاملة.

سور الصين العظيم أحد أهم مواقع التراث العالمي، واختير واحدًا من عجائب الدنيا السبع الجديدة في العالم في استطلاع للرأي الدولي عام 2007. ولم يكن مجرد حائط من حصنٍ تواجه به الصين هجمات القبائل الهمجية المتوحشّة، بقدر ما أنه أضحى في ما بعد أحد أهم الوسائل الاستراتيجية العسكرية لحماية الأراضي الصينية. وقد تمّ بناؤه من الجدران والتحصينات الدفاعية وأبراج المراقبة والممرات الاستراتيجية وثكنات الجنود. ولكن ماذا عن السور الأميركي العظيم الذي شُيّد من جدران السياسة "الاحتوائية" المتمثلة في فرملة المدّ للنفوذ الصيني في العالم، حيث تحصيناته دول ومجموعات عسكرية واقتصادية؟

ما إن وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض حتى شرع في بناء سور الولايات المتحدة العظيم عبر تنفيذ برنامجه الإنتخابي المرتكز على سياسة "احتواء التقدم الصيني". وليس هذا البرنامج جديد العهد، بل بدأ مع الرئيس السابق دونالد ترامب، عندما فرض العقوبات الاقتصادية على الشركات الصينية، في مقدمتها "هواوي"، كما ورفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية التي تدخل الأسواق الأميركية.

تسعى الولايات المتحدة إلى حصار الصين من خلال منعها من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية، أو ما تُعرف بأشباه الموصلات

أهمية الحضور العسكري الأميركي في الدول المجاورة للصين، وأهمها اليابان، عبر قواعد عسكرية، يشكّل الجزء الأهم من سور الولايات المتحدة الذي يمثل الانتشار النووي في المحيط الهادئ. وقال الاستراتيجيون الأميركيون إن العقد الحالي هو الفاصل في تحديد السيطرة على الهادئ، والنقطة المركزية فيه هي منطقة بحر الصين حيث الممرّ التجاري الأهم عالميًا. .. لهذا، من المقرّر أن يكشف زعماء الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا عن خطط لتزويد أستراليا بغوّاصات تعمل على الطاقة النووية، في تحرّك كبير ضد طموحات الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي. ويعدّ بحر الصين الجنوبي، الذي تمرّ عبره تجارة بتريليونات الدولارات كل عام، نقطة خلاف منذ فترة طويلة بين واشنطن وبكين، حيث تتعمّد واشنطن إغضاب الصين من خلال قيامها بالأنشطة العسكرية هناك.

تستكمل الولايات المتحدة بناء سورها العظيم، على قاعدة تطويق الصين عسكريًا من خلال إقامة "مجموعة كواد" التي تضم أستراليا واليابان والهند. واتفقت هذه الدول على تنفيذ ترتيبات دبلوماسية وعسكرية، من المزمع أن تكون بمثابة ردّ فعل على زيادة القوة الاقتصادية والعسكرية الصينية.

لا تكتفي الولايات المتحدة بالاعتماد على الآلة العسكرية لبناء سورها، بل تسعى أيضًا إلى حصار الصين من خلال منعها من الوصول إلى الرقائق الإلكترونية، أو ما تُعرف بأشباه الموصلات. الرقائق هي النفط الثمين الجديد والمصدر النادر الأكثر حيوية الذي يعتمد عليه العالم الحديث، وقد بدأت المعركة من أجله منذ عقد، لكن الصراع فيها يحتدم حاليًا بين طرفين لا ثالث لهما، الولايات المتحدة والصين. وتلعب تايوان دورًا محوريًا في هذا الصراع، بل تكاد تكون هي أساسه.

لم تكتف أميركا بتشييد سورها العظيم على أراضي دول الآخرين، بل حمّلت تلك الدول كلفته

في ظلّ الصراع على النفوذ على قاعدة "مصيدة ثيوسيديدس" بين الأميركي والصيني، خصصت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) مائة مليار دولار من موازنة العام 2024 لمواجهة ما تصفه بـ"الخطر الصيني والعمليات الخارجية الطارئة". ويأتي هذا التطوّر ليعكس التوجهات في "البنتاغون"، وخصوصًا موقف وزير الدفاع لويد أوستن، الذي يرى أن الصين تمثل تحدّيًا للولايات المتحدة.

كما أخذ سور الصين نحو عشرة قرون لبنائه، قد يأخذ السور الأميركي قرونًا أيضًا قبل التِماس تأثيره السلبي على الاقتصاد الصيني، إلا إذا حصل ما لم يكن متوقّعًا، واستطاعت الحكومة الصينية إيجاد "ثغرة دفرسوار" جديدة لقطع الطريق على مشروع التطويق والحصار الأميركيين. لا بل قد تتمكّن القيادة الصينية من الاستفادة من هذه الثغرة لقلب موازين القوى في العالم لصالحها، تمامًا كما حصل مع الجيش الإسرائيلي عندما تمكّن من خلال هذه الثغرة من تطويق الجيش المصري الثالث الميداني في حرب 1973. ومن يدري قد يكون الاتفاق الذي تمّ بين العربية السعودية وايران في بكين هو هذه الثغرة التي ستحيي العصر الصيني انطلاقًا من الشرق الأوسط.

لا حدود جغرافية لسور الولايات المتحدة العظيم، ولا موادّ محدّدة تُعتمد في بنائه، فهو يهدف إلى تطويق مصالح الصين على الصعيد العالمي، فالصين التي تعدّ المنافس الاقتصادي الأول للولايات المتحدة بدأت تشكّل تحديًا حقيقيًا لمصالح أميركا. تكلفت الصين الكثير لبناء سورها العظيم من أجل حماية نفسها من خطر الهجمات، وشيّدته على أراضيها وأظهرت حضارتها من خلاله، بينما لم تكتف أميركا بتشييد سورها العظيم على أراضي دول الآخرين، بل حمّلت تلك الدول كلفة البناء، لهذا كان عابرًا للقارّات ومتنوّع الحضارات.