لماذا فاز أردوغان؟

لماذا فاز أردوغان؟

02 ابريل 2014

أردوغان محاطا بأنصاره

+ الخط -

إِنها "شرعية الإنجاز"، راكمها حزب العدالة والتنمية، في عقدٍ مضى، زاد فيه دخل المواطن التركي، وازدهرت السياحة، وتحقّقت نجاحاتٌ اقتصادية، يصفها مختصون، أَحياناً، بأنها باهرة. وثمّة النزوع الإسلامي المحافظ، في الأَرياف ومدن الداخل التركي، على غير حال محافظات الساحل التي لم ينجح فيها الحزب في الانتخابات البلدية، الأَحد الماضي. ولا تزيّد في الذهاب إِلى أَن خوفاً من العلمانيين و"تطرفهم" لدى الأتراك، ممن على ذلك السمت المحافظ، ضاعفَ تمسكهم بحزب رجب طيب أَردوغان، وإِنْ قيل إنَّ فساداً طرأ على قيادات فيه، ووزراء منه، وهو "الحزب الأبيض"، على ما دلَّ وصفٌ شهير له، لنقائه من الفساد وشبهاته.
وأَن يُقال إِن إنجازاً كبيراً تمَّ في تركيا في عشر سنوات، تتابعت فيها ست انتصارات انتخابية لحزب العدالة والتنمية، فذلك يعني أَنَّ الغرام الانتخابي الواسع بالحزب، كما تبدّى، الأسبوع الجاري، لا يعود إلى لونٍ ومزاج إسلامييْن فيه، بل إلى رضىً شاسعٍ من بنيةٍ تحتيةٍ تطورت في البلاد، وجامعاتٍ جديدة أُضيفت، وسعةٍ في الدخل صارت، وصعودٍ تنموي تحقق. وذلك كله ما رأته عيون الناخبين الأتراك، وعاينته حقائقَ قدّامهم، ولم يلحظوا لدى أَردوغان ورفاقه استخداماً لشعارات إسلامية ووعظية، ولا لجوءاً إلى خطاب أيدلوجي ديني. ولم يجدوا أَهل "العدالة والتنمية" معنيين بلحاهم (حليقة إِلا فيما ندر)، ولا باستدعاء الإسلام في كل نازلة ومناسبة. ليس هذا طبع أردوغان الذي صدم "الإخوان المسلمين"، لما خطب في القاهرة، قبل أَزيد من عام، ونفى صورةً شائعة، (بلهاء؟)، عن إِسلامٍ سياسيٍ متخيلٍ لا صله له بحزبه، وأَحال في خطابه ذاك إلى حب الأتراك قراءة عبد الباسط عبد الصمد القرآن الكريم وغناء أم كلثوم.
طريفٌ الاصطفاف الذي بدا متشنجاً في أوساط عربية عريضة، بين كارهين لأردوغان وحزبه، لملموا إحصائيات ومؤشرات وتحليلات ذهبت إلى إخفاق مرتقب، (مشتهى على الأصح) للرجل وجماعته في الانتخابات، ومحبين له من ذوي الهوى الإسلامي، افترضوا في انتصار أَردوغان نصرة لهم، في مظلوميتهم الراهنة في غير بلد عربي. طريفٌ هذا الحال، ولا سيما في تعاميه عن بديهياتٍ أوجب للنظر وإِعمال الذهن فيها، أولها أن "العدالة والتنمية" لم يزد رصيدُه عشر نقاط، الأحد الماضي، لأنه حزب إسلامي، وثانيها أنه لو خسر وتفوق خصومه عليه فذلك لن يكون لأنه إسلامي. والأطرف من هذه السذاجة الاسترسال في الحديث عن نرجسيةٍ وغرورٍ لدى أردوغان الذي يحجب "يوتيوب" و"تويتر"، ويتحدث عن عثمانيةٍ جديدة. ومع التسليم بأَن حديثه هذا وسلوكه ذاك، (وغيرهما)، إِنما يخصّان فرداً، تيسّرت له زعامة نادرة في بلد إسلامي مشرقي كبير، ويُؤاخذ عليهما، وعلى جنوحه إلى مزيدٍ من السلطة، وعلى أمارات الشخصنة والإعجاب بالذات لديه، وفي البال أنه خطب أمام أنصاره، منتشياً بـ "صفعة عثمانية" جديدة ضد خصومه، ومزهواً بالانتصار الأحد الماضي، وكان إلى جانبه ابنه (!).
ينتسب حزب أردوغان إلى تيار الإسلام السياسي، ولكن على غير ما نعرف بين ظهرانينا نحن العرب. ويفترض أن تستثير تجربته شهية البحث في تفاصيلها التي تدفع قطاعاتٍ عريضةً من الأتراك إليه، حباً به من جانب، وبغضاً بخصومه العلمانيين والقوميين، ممن تم اختبارهم في الحكم والإدارة والسلطة وإدارة الشأن العام، فتسببوا في تأخر البلاد اقتصادياً، من فرط الفساد وسوء التخطيط والتسيير. .. يخطو أردوغان إلى رئاسة بلاده في انتخابات في الصيف المقبل، ويخطو حزبه إِلى نجاحاتٍ مضافة في انتخاباتٍ نيابية ليست بعيدة. لننشغل، نحن العرب، بدرس الذي يجري هناك، بعيون تتحرّى الاستفادة، ولا تنسرقُ إلى المكايدات إياها، من قبيل الولع بعبد الفتاح السيسي مقروناً ببغض أَردوغان، مثلا.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.