لبنان أمام استحقاق مصيري

لبنان أمام استحقاق مصيري

17 يوليو 2022
+ الخط -

يقف لبنان، خلال الشهرين المقبلين، في مواجهة استحقاق كبير ومصيري، في مسألة نزاعه مع إسرائيل على ترسيم حدوده البحرية وحقوقه في التنقيب واستخراج الغاز. يأتي هذا بعد تهديد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قبل أيام، بأنه لن يسمح لإسرائيل باستخراج الغاز من حقل "كاريش"، إذا لم يتمكّن لبنان من حل نزاعه معها وبدء التنقيب عن الغاز في حقوله البحرية، وأن مسيّرات المقاومة تستطيع أن تصل إلى "كاريش" وما بعد بعد "كاريش".

أتى تهديد الأمين العام لحزب الله بعد إطلاق الحزب ثلاث مسيَّرات في اتجاه الحقل، ردّاً على تخطيط إسرائيل للبدء باستخراج الغاز في سبتمبر/ أيلول المقبل، أي بعد شهرين، وفي ضوء عدم حصول لبنان على رد إسرائيلي على المقترح اللبناني الذي قدمه رئيس الجمهورية، ميشال عون، إلى الوسيط الأميركي، آموس هوكشتاين، في الشهر الماضي (يونيو/ حزيران) بشأن تراجع لبنان عن المطالبة بالخط 29 وقبوله بالخط 23 شرط حصول لبنان على حقل قانا كاملاً. ورأى الحزب أن تحرّكه، أخيراً، هو للضغط على إسرائيل لتسريع ردّها، ومن أجل تحسين شروط لبنان التفاوضية، فإلى أي حدٍّ هذا صحيح؟

قرار الحرب والسلم في يد حزب الله وحده، وهو لا يستشير أحداً في قراراته

الخلافات على الحدود البحرية أمرٌ مألوفٌ ومنتشرٌ بين الدول، سيما مع مشكلة الحدود العابرة للحدود البحرية المشتركة، وغالباً تلجأ الدول لحل خلافتها البحرية إلى القانون الدولي، وتستعين بأطراف محايدة وموضوعية، للتوصّل إلى تسوية تضمن حقوق الطرفين، والأمثلة كثيرة في العالم على ما تسمّى اتفاقيات المشاركة في الحقول العابرة للحدود المشتركة. وقد كانت هذه مهمة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل ولبنان في نهاية 2020، ومهمة الوساطة الأميركية أخيراً. لكن عدم وجود سلطة لبنانية سياسية قادرة ومؤهلة لإدارة هذا الملف، شديد الأهمية والحيوي، لإخراج لبنان من ضائقته الاقتصادية، أدخل هذا الملف في مزايداتٍ سياسيةٍ وتجاذبات وعدم وضوح في الرؤية وفي الهدف. وطوال الفترة الماضية، حرص حزب الله على القول إنه فوّض إلى السلطات السياسية في لبنان مهمة التوصل إلى حل لهذه القضية، وإنه يدعم قراراتها، فما الذي تغير فجأة، كي يعلن الحزب أنه هو الذي سيدير عملية التفاوض، ويسترجع حقوق لبنان التي تهدّد إسرائيل بنهبها.

موقف حزب الله الذي، في رأيه، يهدف، بالدرجة الأولى، إلى الدفاع عن مصلحة لبنان، أخرج موضوع النزاع بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية من إطاره اللبناني، ومن محتواه الاقتصادي، ولكونه قضية تتعلق بحقوق لبنان في الاستفادة من ثرواته الطبيعية في مياهه الإقليمية، ونقله إلى مستويات أخرى أشدّ تعقيداً وتشابكاً، لها علاقة بملفات إقليمية ودولية. وقد قرأوا في إسرائيل إطلاق المسيّرات وتهديدات نصر الله محاولة تصعيد إيرانية إزاء إسرائيل في ضوء زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة، والحديث عن تطبيع محتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية، وعن إنشاء تحالف إقليمي دفاعي بين دول الخليج ومصر والأردن وإسرائيل في مواجهة التهديد الإيراني. وهناك من رأى أن تهديد نصر الله بمنع إسرائيل من استخراج الغاز من "كاريش" يخدم مصلحة روسيا التي تريد عرقلة الاتفاق بين إسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي على استيراد الغاز من إسرائيل للتحرّر من تبعية أوروبا للغاز الروسي. وهناك من ذهب إلى أبعد من ذلك، ورأى في رفع مستوى التصعيد بين الحزب وإسرائيل محاولة إيرانية للضغط على الولايات المتحدة في إطار المساعي لتوقيع اتفاق نووي جديد ورفع العقوبات عنها.

الخوف كل الخوف أن يضيّع لبنان فرصته في أن يصبح على خريطة الدول المنتجة للغاز

لن أدخل هنا في التأويلات الإسرائيلية لأهداف حزب الله الداخلية من تهديداته، لأن أقل ما يمكن القول عنها أنها منقطعة عن الواقع. الجمهور اللبناني ليس في حاجة إلى دليل جديد كي يقتنع بأن حزب الله هو المسيطر الأول والأخير على مجريات السياسة الداخلية اللبنانية، بغضّ النظر عن ميزان القوى الذي أفرزته الانتخابات النيابية أخيراً، وهو يدرك تماماً أن قرار الحرب والسلم في يد الحزب وحده الذي لا يستشير أحداً في قراراته.

على الرغم من كل التهويل الإسرائيلي، ليس من مصلحة أحد أن يؤدّي النزاع على ترسيم الحدود إلى مواجهة عسكرية بين إسرائيل وحزب الله. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن إسرائيل تستغل تهديدات زعيم حزب الله وإطلاق المسيَّرات في اتجاه حقل "كاريش"، لاتهام الحزب بأنه يسعى لإيجاد توازن ردع جديد، تكون فيه منصّات الغاز الإسرائيلية هدفاً في المواجهة العسكرية المقبلة، بالإضافة إلى الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وأنه يريد تقليص حرية تحرّك سلاح الجو الإسرائيلي. وهي تحاول، من خلال ذلك، التمهيد لإمكانية شنّ اعتداء على لبنان، بحجّة الدفاع عن نفسها في وجه تهديدات حزب الله الجديدة، ومحاولاته لتغيير قواعد اللعبة.

لبنان بحاجة ماسّة إلى حل مشكلة ترسيم الحدود بالطرق الدبلوماسية، وثمّة مؤشّرات إيجابية في هذا الصدد، والخوف كل الخوف أن يضيّع لبنان فرصته مرة أخرى في أن يصبح على خريطة الدول المنتجة للغاز.

رندة حيدر
رندة حيدر
رندة حيدر
كاتبة وصحافية لبنانية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية
رندة حيدر