كليجدار أوغلو والرهان الصعب على استراتيجية الخوف

كليجدار أوغلو والرهان الصعب على استراتيجية الخوف

24 مايو 2023

رئيس حزب الشعب كمال كلجدار أوغلو يلقي كلمة في أنطاكيا جنوب تركيا (23/5/2023/فرانس برس)

+ الخط -

طريقان يقودان إلى كسب قلوب الناس وعقولهم. الترغيب والتخويف. بدا أن طريق الترغيب لم يُساعد كمال كليجدار أوغلو مرشّح التحالف "السداسي" المعارض في إقناع أكثر من نصف الأتراك على الأقل على التصويت له في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. السبب ببساطة أن هؤلاء الناخبين إما إنهم لا يزالون مؤمنين بالرئيس رجب طيب أردوغان وقرّروا أنّه لا يزال الأكثر قدرة على إدارة تركيا ويُقدرون بـ 49.5% من الأصوات، وهي النسبة التي حصل عليها أردوغان في الجولة الأولى، أو إن الجزء الآخر منهم لم يثق بوعود المعارضة بتحويل تركيا إلى "جنّة" في حال وصلت إلى السلطة. يُمكن الاستخلاص بلغة الأرقام من نتائج انتخابات 14 مايو أن 5.22% من الناخبين ممن لم يدعموا أردوغان في الجولة الأولى، قرّروا أيضاً أن كليجدار أوغلو لا يستحقّ أصواتهم. بالنظر إلى أن هذه النسبة، وهي في غالبيتها قومية، صوّتت لصالح مرشح تحالف "الأجداد" القومي المتطرّف سنان أوغان في الجولة، فإن نصفها تقريباً اختار أوغان، لأنّه يؤمن بـ أيديولوجيته القومية المتشدّدة، بينما النصف الآخر قرّر أن كليجدار أوغلو لا يستحقّ أن يُصبح رئيساً، إما لأنّه تحالف مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، أو بدرجة أقل بسبب هويته الدينية، أو كلاهما معاً.

مع اقتراب جولة الإعادة الرئاسية في 28 مايو/ أيار الجاري، يتحوّل كليجدار أوغلو من طريق الترغيب إلى طريق نشر الخوف لإقناع نسبة الـ 5.22% على الأقل بدعمه. لأن هذه الاستراتيجية الجديدة، أعلن عنها بعد أربعة أيام من صدمة انتخابات 14 مايو، فإن من الواضح أنّه جرى اعتمادها على عجل، ولم تكن مسبقاً ضمن الخطة ب. وترتكز هذه الاستراتيجية على نقطتين أساسيتين: الأولى، تبنّي خطاب قومي متشدّد لاستقطاب الناخبين القوميين المتطرّفين عبر الوعود بترحيل فوري للاجئين في حال وصلت المعارضة إلى السلطة. والثانية، التحذير من "جهنّم" التي تنتظر تركيا في حال فوز أردوغان بولاية رئاسية جديدة. حذّر كليجدار أوغلو من أنه في حال إعادة انتخاب أردوغان، ستنهار الليرة التركية وستصل قيمة الدولار إلى 30 ليرة. كما حذّر من أن "اللاجئين المجرمين سينهبون بلادنا".

كان الأمل نقطة سر أردوغان لكسب غالبية الأصوات في المناطق المنكوبة

لا أستطيع الجزم بما إذا كانت استراتيجية نشر الخوف هذه ستُساعد كليجدار أوغلو بالفعل على الفوز في جولة الإعادة، لأن صناديق الاقتراع هي ما ستحسم ذلك، لكنّني أرى أن هذه الاستراتيجية ناجمة عن اليأس والإحباط الشديد من انتخابات 14 مايو. جزء من هذه الاستراتيجية قد ينجح خصوصاً مع الأصوات القومية المتطرّفة لأنّها تجد وعود كليجدار أوغلو الجديدة بترحيل اللاجئين، لا سيما السوريين، متطابقة مع مطالبها، لكنّها على الأقل لن تدفع كل الناخبين القوميين الذين لم يدعموه في الجولة الأولى، إلى التصويت له في جولة الإعادة.

من الواضح أن المشكلة الرئيسية للناخب القومي المعارض مع كليجدار أوغلو ليست في أنه لم يتبنّ قبل انتخابات 14 مايو خطاباً عدائياً تجاه اللاجئين، بل لأنه متحالفٌ مع حزب الشعوب الكردي. ارتكب كليجدار أوغلو خطأ كبيراً قبل انتخابات 14 مايو بإعطاء الأولوية للخطاب المتودّد للصوت الكردي على حساب هواجس القوميين الذين يتخوّفون من صفقة "تحت الطاولة" بين كليجدار أوغلو وحزب العمال الكردستاني المحظور.

كما فاقمت نشوة قادة حزب الشعوب الكردي وقادة حزب العمال الكردستاني ممن أبدوا صراحة دعمهم كليجدار أوغلو، لأن فوزه سيؤدّي إلى تغيير النظام السياسي في تركيا، وسيمنح الأكراد الحقوق التي يتطلّعون إليها، من أزمة كليجدار أوغلو مع الصوت القومي. تكمن نقطة الضعف الرئيسية التي تواجه كليجدار أوغلو في استقطاب الصوت القومي في جولة الإعادة في الموازنة الصعبة التي عليه فعلها بين مواصلة تحالفه مع حزب الشعوب الديمقراطي وتقديم خطاب مطمئن للقوميين إزاء نظرته إلى الصراع مع حزب العمال الكردستاني. قال كليجدار أوغلو بعد انتخابات 14 مايو إنه يُعارض بشدة التعاون مع المنظمات الإرهابية، لكنّ خطابه لا يزال غير كافٍ بالنسبة للكتلة القومية التي تُعارضه. إنها تعتقد ببساطة أن كليجدار أوغلو مُصمّم على جمع متناقضين في يد واحدة. الصوتين الكردي والقومي.

من غير المرجّح أن يدفع الخطاب القومي المتشدّد لكليجدار أوغلو الناخب الكردي، الذي لم يُصوت في 14 مايو، إلى دعمه في جولة الإعادة

إحدى نقاط القوة الرئيسية التي يتمتع بها الرئيس أردوغان هي الأمل الذي يمنحه للناخب التركي. بعد زلزال 6 فبراير/شباط المدمّر، كان الأمل نقطة سر أردوغان لكسب غالبية الأصوات في المناطق المنكوبة. قد يعتقد جزء من الناخبين أن حكومة أردوغان قصّرت في الاستجابة الأولية للكارثة وتتحمّل مسؤولية عدم مراقبة معايير البناء السيئ التي أدّت إلى مفاقمة الخسائر البشرية والمادية، لكنّهم ببساطة يبحثون عن الأمل في إعادة إعمار منازلهم ومدنهم. مع ذلك، كانت استراتيجية التخويف جزءا من حملته الانتخابية، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة بين كليجدار أوغلو وحزب الشعوب الكردي. ويُمكن القول إنها نجحت على الأقل في تعزيز أزمة كليجدار أوغلو مع الصوت القومي، لكنّ الترغيب ظل مُهيمناً على استراتيجية أردوغان من التخويف. في قضية اللاجئين السوريين على سبيل المثال، لجأ أردوغان إلى استراتيجية الترغيب لإقناع الجزء الأكبر من الناخبين بأنّ حكومته ستعمل على معالجة صحيحة لمعضلة الوجود السوري، إما من خلال الخطوات التي اتخذها لتنظيم هذا الوجود في السنوات الأخيرة أو من خلال الانعطافة التي أجراها في العلاقة مع النظام السوري في الآونة الأخيرة. بقدرٍ ما، يريد الجزء الأكبر من الناخبين إنهاء هذه القضية، فإنه أيضاً يُفضّل معالجتها بأسلوب صحيح بعيداً عن التهويل والتخويف منها. ستؤكد نتائج جولة الإعادة مدى صوابية هذا الطرح.

لأن غالبية الأتراك يُعانون منذ سنوات من ارتفاع تكلفة المعيشة وتدهور سعر الليرة أمام العملات الأجنبية، فإنهم يبحثون عن الأمل في تجاوز هذه الصعوبات. منحهم أردوغان هذا الأمل من خلال حزم التحفيز الاقتصادي التي أقرّها في الفترة الأخيرة، وساهمت إلى حدٍّ مقبول في تخفيض تكاليف المعيشة. كان لهذا الأمل انعكاسٌ واضح في الانتخابات. ومن غير المرجّح أن تُساعد استراتيجية التخويف لكليجدار أوغلو من الانهيار الاقتصادي في عكس المد الانتخابي لصالحه في جولة الإعادة. السبب ببساطة أن أكثر من 55% من الأتراك، كما تُظهر نتائج انتخابات 14 مايو، غير مقتنعين بالوعود الاقتصادية التي تطرحها المعارضة، رغم أنّهم غير راضين تماماً عن الأداء الاقتصادي لحكومة أردوغان. مع ذلك، لا تستهدف استراتيجية التخويف للمعارضة فقط من اقترعوا. هناك ما يُقدر بنحو ثمانية ملايين شخصّ يحق لهم التصويت، إما لم يُصوتوا أو أدلوا بأصواتهم باطلة. تراهن المعارضة على كتلتين انتخابيتين رئيسيتين في جولة الإعادة، الصوت الكردي الذي لم يُشارك بكثافة في الجولة الأولى وصوت الشباب الذي يذهب بغالبية إلى صناديق الاقتراع. من غير المرجّح أن يدفع الخطاب القومي المتشدّد لكليجدار أوغلو الناخب الكردي، الذي لم يُصوت في 14 مايو إلى دعمه في جولة الإعادة. كما أن هذه الاستراتيجية تنطوي على مخاطر، وربما تؤدّي إلى تخلّي فئة من الناخبين الأكراد ممن دعموا كليجدار أوغلو في الجولة الأولى، عن تأييده في جولة الإعادة.